مساكنهم أشبه بالزرائب.. حينما أضرب العمال عن العمل لأول مرة في التاريخ الحديث
-
طاهرة توفيق
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
الاضراب لم يكن معروفًا عند الاقدمين لأن العامل ما كان يجروء على الخروج على أوامر سيده أو شق عصا الطاعة عليه، فضلًا عن أنه إذا استثنينا المزارع التي كان العبيد يعملون فيها وهم مكبلون بالأغلال في أكثر الأوقات لم تكن العين تقع على جمهور كبير من العمال في مكان واحد، لا الذين كانت بيدهم مقاليد الأمور ما كانوا يسمحون بتجمعهم في منطقة واحده خيفة ثورتهم واستفحال شرهم، كما أنه كانت هناك طائفة كبيرة من الأعمال التي قام بها الأقدمون كانت تتم بفضل السخرة.
ظلت هذه الحالة حتى أواخر القرن التاسع عشر مع وضوح التحذير الذي كان علماء الاقتصاد وزعماء الإصلاح يوجهونه إلى الحكومات وإلى أرباب العمل ودعوتهم إلى إصلاح حالة العمال وسن القوانين لرفع الظلم عنهم، وكانت مطامع الطامعين تقف دائمًا في وجوه دعاة الإصلاح، ولو لم تتغلب تلك المطامع زمنًا طويلًا لنجا العالم من كثير من الويلات التي عاناها بسبب شقاء العمال.
لم يكن العمال يعانون فقط من الشقاء في مكان واحد، فكانوا يقيمون ببيوت حقيرة أقرب إلى زرائب البهائم منها إلى أماكن لسكن الناس، وكانت تلك الزرائب محرومة من جميع الوسائل الصحية، وكان جانب كبير منها أقباء وسراديب مظلمة تحت الارض لا يصل إليها نور الشمس ولا يدخلها الهواء النقي، وكانت ساعات العمل طويلة مضنية لا تقل عن أثنتي عشرة ساعة من كل أربع وعشرين ساعة وقد تبلغ في بعض الاحيان خمس عشرة أو أكثر، فضلًا عن قلة أجورهم وعدم منحهم أجازات من العمل إلا بسبب المرض.
وبعد انقضاء القرن التاسع عشر أخذ زعماء الإصلاح ينظرون إلى تلك المشكلة نظرة جديدة بعد أن كان العمال قد شرعوا في تنظيم صفوفهم واستعدوا للنضال والدفاع عن حقوقهم وخطرت ببالهم فكرة إنشاء النقابات للهيمنة على مصالحهم، فاستشعر أصحاب الأموال والمعامل لذلك واعتبروه خطرًا فبدأوا في محاربة فكرة أتحاد العمال وإنشاء النقابات خوفًا من أن تستفحل تلك النهضة وتنتهي الفتنة، لكن ذلك لم يجدي نفعًا لأن الرأي العام كان قويًا.
وحسب قول المؤرخين، كان أول إضراب في الولايات المتخدة عام 1786 إذا أضرب عمال إحدى المطابع بمدينة فيلادلفيا طالبين أن أجرة العامل ستة ريالات في الأسبوع على الاقل، رغم أنه قد تكون وقعت إضربات قبل ذلك العام لكنها لم تكن إضراب بالمعنى الحقيقي، وباتساع نطاق العمال اتسعت نهضة العمال فكان نصيب الولايات المتحدة من حوادث الإضراب أكبر من نصيب غيرها، فقد كان متوسط عدد ساعات العمل هناك عشرًا والاجور مخفضة جدًا، وقد بلغ عدد حوادث الاضراب في أمريكا من عام 1833 الى سنة 1837 مائة وثلاثة وسبعين اضرابًا، وحدثت هدنة بين العمال وأرباب العمال فلم يقع سوى حوادث قليلة، ولكن هذه الحوادث تجددت بشدة بعد الحرب الأهلية.
الكاتب
-
طاهرة توفيق
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال