موسيقار الأجيال (14) هل محمد عبد الوهاب هو منشئ الأغنية السينمائية
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الرابعة عشر من قصة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، انتهينا في الحلقة السابقة حيث زيجات محمد عبد الوهاب الثلاث وقلنا أن المرحلة التي سنتحدث عنها ابتداءاً من هذه الحلقة هي مرحلة السينما الغنائية، وسنتكلم بشكل إجمالي في البداية عن مشوار محمد عبد الوهاب السينمائي على أن نفصل القول فيما بعد.
في عام 1933م، اعتزل محمد أفندي عبدالوهاب إقامة الحفلات الغنائية على المسرح، فلم يفعلها سوى مرة أو مرتين ولظروف خاصة، وبدأ في خوض مشواره الجديد، الذي ساعدت عليه كثيرا مرحلة التسجيل، ألا وهو مشوار السينما، استمر هذا المشوار منذ ديسمبر 1933م، وحتى عام 1946م، وخلال تلك الفترة مثل محمد عبد الوهاب في 9 أفلام، سبعة منها قام فيها بدور البطولة، وهي الوردة البيضاء عام 1933م، ثم دموع الحب سنة 1935م، ثم يحيا الحب سنة 1938م، ثم يوم سعيد سنة 1940م، ثم ممنوع الحب سنة 1942م، ورصاصة في القلب سنة 1944م، وآخرها لست ملاكاً سنة 1946م، وكل هذه الأفلام كانت من إخراج محمد كريم، أما الفيلمين الباقيين فقد ظهر فيهما محمد عبد الوهاب كضيف شرف، وهما فيلم غزل البنات سنة 1949م، وظهر فيه وهو يغني عاشق الروح، وفيلم منتهى الفرح سنة 1963م، وظهر فيه وهو يغني قالولي هان الود عليه.
هل أثر دخول مصر مرحلة السينما الغنائية في فن محمد عبد الوهاب؟
بالنظر إلى المراحل المختلفة التي مرت بها مصر بخصوص الفن المسموع في الربع الأخير من القرن التاسع عشر وحتى بداية ثلاثينيات القرن العشرين وما وصلت إليه التكنولوجيا من إمكانية التسجيل على الاسطوانات وبعدها السينما والتلفزه، نجد أنه وبلا شك قد أحدث ذلك أثرا كبيرا يمكن أن نصفه بالثورة، ليس على المستوى الفني فحسب بل على المستوى الثقافي والمستوى الاجتماعي أيضا، لذلك كان لذات التغيرات أثرها الكبير على فن محمد عبد الوهاب باعتبار تلك الفترة هي فترة ثورته الفنية التي تزعم فيها حركة التلحين والتطوير، دون إغفال ابدا لدور من عاصروه من كبار الموسيقيين، وفي معرض الحديث عن فن محمد عبد الوهاب سننظر للمسألة من ناحيته، لذلك رأى محمد عبد الوهاب ذات التأثير وتحدث عنه بنفسه في كتاب “حياتي”، يقول محمد عبد الوهاب وهو يشرح الأثر الاجتماعي لدخول المبتكرات العلمية والتطورات إلى عالم الموسيقى:
كان الاتصال منقطعا بين مختلف الطبقات وقد اكتشفت هذا الانقطاع فيما كنت أقدم فني، فما يعجب الوزير لا يعجب العمدة، وما يسر ابن البلد لا يستسيغه الباشا، وانفصال الأذواق هذا كان سببه عدم وجود الوسائل الحضارية الحديثة التي قربت أذواق الناس، مثل السينما والإذاعة والتليفزيون وانتشار الصحف وتقدم المواصلات والتعليم، فكل تلك التطورات والتغيرات أسهمت كثيرا في في إذابة فروق الأذواق وتسهيل مهمة الفنان الحديث، حتى يتمكن من معرفة اتجاهات الذوق العام، ولم يكن انفصال الذوق مشكلة لي، لأنني من طبقة فقيرة ومن يتدرج في الطبقات انطلاقا من طبقته الفقيرة يمتص كل الأذواق في طريقه، ويبدو لي أنني كنت وسيلة مواصلات بين الطبقة الفقيرة وباقي الطبقات.
اقرأ أيضًا
حلقات سلسلة موسيقار الأجيال
كان ذلك كلام موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عن نفسه وعن أثر تلك التطورات على فنه، والحقيقة أنه بالنظر إلى هذا الكلام وتحليله نكتشف أننا لسنا أمام موسيقي كبير وفذ فحسب بل أننا أمام مفكر على نفس الدرجة من الذكاء الاجتماعي، ولعل ذلك سبب وصول محمد عبد الوهاب إلى ما وصل إليه من نجاح وتفرد.
باستقراء تلك السطور القصيرة المليئة بالعفوية والتلقائية، نجد أن محمد عبد الوهاب يعتبر نفسه حلقة وصل بفنه بين الطبقات المختلفة، ذاكرا أنه تدرج بين الطبقات مما أكسبه ذوق كل هذه الطبقات، ولذلك لم يفكر محمد عبد الوهاب بعد أن استتبت له الأمور وتربع على عرش الفن أن يقصر تقديم فنه على الطبقات العليا أو الارستقراطية، بل أحس بواجبه نحو كل تلك الطبقات التي تدرج فيها، والمتتبع جيدا لفن محمد عبد الوهاب يشعر جيدا بفكرة الدمج الحاصل في أغانيه، فقد خرج محمد عبد الوهاب هو الآخر من رحم المشيخة، من بيئة بسيطة في حي شعبي ارتاد كتابه وبدأ في قراءة القرآن وتجويده ثم انبهر بالمسرح والغناء واختطفه الفن من نفسه فبدا ذلك في فنه بشكل واضح، فإذا اخذنا مثال من الأغاني السينمائية باعتبار أن الحلقة تتحدث عن المرحلة السينمائية في حياة عبد الوهاب، سنلاحظ تلك الفكرة جيدا، فمثلا في فيلم الوردة البيضاء قدم محمد عبد الوهاب الكثير من الأغاني مثل يا وردة الحب الصافي وضحيت غرامي علشان هناكي وجفنه علم الغزل ويا لوعتي وكلها أغاني حملت في نفسها ملامح وتأثرات بالغناء الأوبرالي ولكن جنبا إلى جنب حملت كذلك طعم وعبق الغناء العربي الأصيل وبالضبط تلك هي الفكرة التي تحدث عنها محمد عبد الوهاب حين وصف نفسه بأنه كان حلقة وصل بين الطبقات ليس ذلك فحسب بل كان حلقة وصل فنية مهمة وخطيرة بين حضارتين موسيقيتين، الأولى التي نشأ في كنفها في الكتاب مقرئا ومجودا للقرآن ومغنيا للتواشيح، والثانية التي انفتحت أذناه عليها في مسارح القاهرة التي درجت على عرض الأوبرا الإيطالية وضروب الفنون الموسيقية الغربية فغرف منها محمد عبد الوهاب دون أن يخشى على أصالته التي أثقلها وثبتها الكتاب وسماعه لمشايخ عصره.
هل يعتبر محمد عبد الوهاب هو منشىء الأغنية السينمائية؟
في الحقيقة يمكن اعتبار محمد عبد الوهاب هو المنشيء الأول لشكل الأغنية السينمائية التي مرت بمراحل ربما يمكن اعتبارها سريعة، إلا أنه يرجع له الفضل في وصول الأغنية السينمائية الي الصورة التي وصلتنا عليها، صحيح لم يكن محمد عبد الوهاب صاحب أول فيلم غنائي ولكن ما أدخله على شكل هذه الأغنية كان جديرا بإثبات الابتكار له، فأول فيلم سينمائي كان للشيخ زكريا أحمد ” أنشودة الفؤاد” وقد غنت أغانية المطربة نادرة أمين، إلا أن الشكل الذي قدمت به الأغنية السينمائية في هذا الفيلم لم يكن ليتفق مع طبيعتها، وحول هذا المعنى يقول الدكتور فيكتور سحاب:
ليس من شك أن ما أحدثه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب في فن الأغنية السينمائية هو فصل مهم من فصول حياته الفنية ومن فصول ارتباط الأغنية العربية بتاريخ المنجزات العلمية والصناعية على حد سواء، وعبد الوهاب لم يكن صاحب أول فيلم غنائي إذ أن الشيخ زكريا أحمد هو صاحب ألحان فيلم أنشودة الفؤاد الذي عرض في الرابع عشر من أبريل سنة 1932م، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك يعتبر محمد عبد الوهاب هو منشيء الأغنية السينمائية.
أما عن أسباب ذلك فهو ما سنناقشه في الحلقة القادمة إن شاء الله.
وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية الحلقة الرابعة عشر من قصة موسيقار الأجيال الأستاذ محمد عبد الوهاب على أن نكمل مرحلة السينما الغنائية في الحلقة القادمة.
دمتم في سعادة وسرور.
الكاتب
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال