269 مشاهدة
لماذا جنوب أفريقيا وليس أي دولة عروبية؟
الاحتفاء بموقف جنوب أفريقيا وجرجرتها إسرائيل في محكمة العدل الدولية واصل عنان السماء، وأعداد الشرق أوسطيين الناطقين بالعربية المحتفلين والداعمين للخطوة يفوق عدد المواطنيين الجنوب أفريقيين بمراحل.
الغالبية مكتفيين بالتهليل لجنوب أفريقيا ومصمصة الشفايف على دولهم الناطقة بالعربية وأنظمتها العروبية، بدون محاولة فهم الأسباب:
- ليه دولة في النُص التاني من الكوكب قررت تاخد الموقف ده؟
- ليه دولهم ماقدرتش تاخد نفس الموقف؟
إشمعنى جنوب أفريقيا؟
أولا: ج. أفريقيا عاشت تحت حكم نظام فصل عنصري، استمرّت حوالي نُص قرن، ويادوب لسه خلاصانة سنة 1994، يعني نسبة مُعتبرة من مواطنيها عاشوا الفترة اللعينة دي بنفسهم، وماخلصوش منها غير بعد مقاومة رهيبة، كمان حركة المقاومة أياميها هي الحزب الحاكم النهارده، يعني النظام الحاكم هناك دلوقتي مستمد شرعيته الشعبية من رفضه ومقاومته للعنصرية.
ثانيًا: ج. أفريقيا دولة أفريقية علمانية، فلا هي متورطة في تبني خطاب قومي عروبي ولا خطاب ديني إسلامي، بالتالي ماعندهاش إزدواجية في المصطلحات، زي قتيل وشهيد، والأهم عندها القدرة على إدانة عملية طوفان الأقصى بوصفها استهدفت مدنيين، عكس الأنظمة العروبية اللي ماتقدرش تعمل الخطوة دي عشان ماتخسرش شعوبها، اللي علمتهم وربتهم على خطاب قومي-ديني.. قايم ع الانحياز بناء عن الانتماء مش المنطق.
ثالثا: تاريخ ج. أفريقيا مع محاربة الفصل العنصري وملفها الحالي في المجال نفسه يديها القوة اللازمة لمواجهة حملة التشويه المتوقعة من الجانب الإسرائيلي، إن كانت في شكل اتهامات رسمية “كاذبة” في المحكمة أو في شكل خطاب إعلامي هتتبناه منصات إعلامية كتير موالية لإسرائيل.
واللي انطلقت فعلا فور بداية المحاكمة، ووصلت لاتهام ج. أفريقيا إنها الذراع القانوني لحركة حماس، وتوزيع الاتهامات الوهمية حتى على دولة زينا مش داخلة كطرف في القضية أصلا، حفنة أكاذيب نقدر نشوفها هنا.
ليه إحنا لأ؟
ده السؤال الأكتر حساسية وإجابته لابد وأن تلحوس صاحبها في مستنقع نقد سياسات دول الشرق الأوسط الناطقة بالعربية من المحيط إلى الخليج (22 دولة)، أو ما يعرف إعلاميًا وتعليميًا منذ حقبة الستينات (وما أدراك ما الستينيات) بـ “الوطن العربي”. غالبية دول “الوطن الأكبر” من إزاز فمش من مصلحتها تحدف الناس بالطوب، خصوصًا لما تكون الناس دي صهاينة.. فالقاعدة تقول: الصهيونية تلهيك واللي فيها تجيبه فيك، فما بالنا لما يكون خصمها “فيه” أصلًا.. يعني مش محتاج رمي بلا.
ملف البدون
ملف البدون لوحده يمنع غالبية دول الخليج من إنها تاخد خطوة مقاضاة إسرائيل لأسباب عنصرية، حيث فيه آلاف مؤلفة من البشر رغم إنهم مش وافدين ومولودين مكانهم أبا عن جد. إلا إن دول الخليج رافضة تمنحهم جنسياتها لأسباب قبلية ومذهبية، حيث إن غالبيتهم من البدو الرحل ونسبة مش قليلة منهم شيعة.
وكمان محطوط لهم قوانيين خاصة بتعرقل تفاصيل حياتهم وتحطهم في درجة أقل من المواطنين، في معظم تفاصيل الحياة وتحرمهم من غالبية حقوقهم المدنية، بدرجة أكبر من اللي بتعملها إسرائيل مع فلسطينيين الداخل.. لدرجة إن إسرائيل بتحاول تستغل الملف ده لتدعم نفسها سياسيا وديموغرافيا. خصوصا بعد ما وصل الأمر لعقد صفقة بين بعض دول الخليج ودولة جزر القمر على تجنيس سكانها البدون بجنسية الدولة الأفريقية مقابل مبالغ مالية كبيرة تحصل عليها جزر القمر، وعلى المستوى المحلي شجعت دولة زي الكويت سكانها البدون على التقدم للحصول على جنسية جزر القمر مقابل أمتيازات مادية واجتماعية داخل الكويت.
الكرد وصمة البعثيين
تاريخ سورية والعراق من الممانعة ودعم المقاومة كان ماشي معاه طول الوقت سيستم عنصري في داخل كل دولة منهم، فاضطهاد البعثيين، القوميين العرب هناك، للأقليات غير العربية أمر لا يمكن إغفاله أو الطرمخة عليه عالميًا. ينفع حدانا أه.. فيبقى صدام شهيد وبطل ويبقى بشار منقذ سورية.. وحمدين يروح يتصور معاه، لكن قصاد المجتمع الدولي صعب جدًا.. خصوصًا إن الملفات موجودة والمجتمع الغربي منحاز أساسًا لإسرائيل.
في العراق تم قصف المواطنيين العراقيين الكرد بأسلحة كيماوية محرمة دوليًا (حلبجة)، خلال حكم صدام حسين، ده غير معاناتهم بعد صدام من التهجير القسري على أيد قوات الأمن النظامية هناك.. في 2017.
وفي سورية عاش الكرد تهميش واضطهاد ممنهج طول فترة حكم البعثيين، من أيام حافظ الأسد وبعده ابنه بشار كمل المسيرة العنصرية، إن كان بالقمع السياسي أو الاضطهاد المجتمعي أو الحرمان من الجنسية.
لبنان والمحاصصة
ومن نوافل الذِكر إن لبنان دولة طائفية بامتياز، نظامها قايم على تقسيم المجتمع لمجموعة طوايف لكل منهم حصة من السلطة، أديان ومذاهب وأثنيات وحاجة مرار مصفي خارب حياة الشعب اللبناني.
كده مش فاضل في الجانب الأسيوي غير الأردن ومعاناتها المجتمعية بين الأردنيين والأردنيين الفلسطينيين، وهو موضوع يعرفه أي متابع للكورة هناك وعارف ديربي الأردن بتركيبته الديموغرافية.
الأمازيغ.. أو كرد شمال أفريقيا
وضع الأمازيغ في شمال أفريقيا يشبه نسبيًا وضع الكرد في الشام، حيث عانى الأمازيغ من التهميش الثقافي والسياسي والاجتماعي في بلادهم.. على أيد الأنظمة العروبية، خصوصا في الجزائر. وليهم تاريخ نضالي كبير للاعتراف بحقوقهم الثقافية.. نضال سقط خلاله أعداد كبيرة من الضحايا وأعداد أكبر من المعتقلين، لدرجة إن سلسلة الثورات الشعبية في المنطقة ككل ولما عرفت باسم “الربيع العربي”.. الاسم ده كان على غرار “الربيع الأمازيغي”، اللي انطلق قبلها بأكتر من رُبع قرن.
أوضاع الأمازيغ حاليًا في تحسن مستمر، خصوصًا في المغرب، لكن الأنظمة الحاكمة النهارده هي نفسها اللي حاربت بضراوة ضد الحقوق الثقافية للأمازيغ، وده يخلي على راسها بطحة تمنعها تقف بعين قوية قصاد إسرائيل في قضية التهمة فيها هي العنصرية.
موريتانيا
هنا إحنا بنتكلم عن دولة قانونها أقر إن الأسترقاق جريمة سنة 1981، ولسه له مظاهر لغاية دلوقتي لدرجة إن فيه فئات من الشعب بتنظم مسيرات ومظاهرات ضد الرق والعنصرية لسه في صورتها الأولية بتاعت العصور الوسطى، فأكيد ماحدش يعمل حسابها في موضوع القضية ده نهائي.
تونس
العنصرية اللونية في تونس ظاهرة مش خفية، لكن تبقى أزمة مجتمعية مافيش قوانين رسمية بتدعمها، إنما تصريحات الرئيس التونسي، قيس سعيد، ضد المهاجرين الأفارقة واللي وصفها النشطاء الحقوقيين التوانسة نفسهم بإنها تصريحات عنصرية.. غالبا هتخلي موقف تونس ضعيف في حال إنها كانت مكان جنوب أفريقيا.
ليبيا والسودان
الدولتين ممزقتين بالأساس، والقبلية ضالع كبير في الأزمة السياسية في البلدين، وتتفوق السودان على ليبيا بنقطة إضافية، وهي إن الطرفين المتنازعين فيها على السلطة حاليا.. الأتنين كانوا جزء من نظام متمرس في العنصرية والإبادة الجماعية، ورئيسه له ملف بنفس التهمة قصاد الجنائية الدولية. وهمه نفسهم متورطين فيها.. وأسماءهم موجودة في ملف القضية.
الصومال وجيبوتي
الصومال اللي فيها مكفيها وعندها مشاكل أساسا في فرض سيادتها على كامل أرضها، ده بخلاف إن النظام فيها قايم على أساس محاصصة قبلية تم دسترتها وبيسموها نظام 4.5.
وجيبوتي على صغر حجمها وقلة عدد سكانها إلا إن عندها ملف في مجال العنصرية تجاه مجموعات تعرف باسم العفر، المجموعات دي بتعاني هناك من التهميش، بالتالي ينفع وفد إسرائيل يجيب سيرتهم ويلسن على وفد جيبوتي بسببهم.
مصر هي أمي
وحتى لا يتهمني أحدهم بالانحياز لجنسيتي وأني ماجبتش سيرتها، فخلتها هي مسك الختام، لإن برضك موضوعها بسيط. فقضية زي بتاعت الطفل شنودة وأسبابها القانونية، كما ذكرها رئيس محكمة الأسرة الأسبق، المستشار رواد حما، خلال مداخلته في BBC.
تصريحات نقدر نفهمها عمليا من صورة قرار النيابة المعروضة تحت المقطع ده.
قانون زي ده وقضية شغلت الرأي العام زي دي، مع دولة زي إسرائيل بترمي علينا بلاها وتتهمنا إننا إحنا المسؤولين عن قفل المعبر، تفتكروا كانت هتسكت ومش هتفتح الملف ده هناك؟ تفتكروا لو فريق الدفاع بتاعهم عمل “داون لوود” لمناهج العربي والمواد الاجتماعية في مدرسنا أو حتى لمجرد ورقة أمتحان من بتوعنا، هل مش هيستغلها في قلب الترابيزة على وفدنا هناك واتهامه إنه بيمثل دولة قوانينها لا تخلوا من العنصرية.
بناء على كل ما سبق فالدول الناطقة بالعربية لو فكرت تاخد الخطوة دي، كانت عمليا هتحتاج تعمل ده عن طريق حد غيرها، حد في مجال العنصرية سجله مُشرف عننا شوية. خصوصا وإننا مطرمخين عن إبادة الشعب اليمني الشقيق ومافتكرناهمش غير لما قوات غربية شاركت في القصف، ده غير واحدة من أكبر جرايم التاريخ الحديث في البحرين.
مش بس سحق الثورة البحرينية بقوة السلاح الحربي إنما العمل الممنهج على إحداث تغيير ديموغرافي فيها، عن طريق التوسع في استخدام إسقاط الجنسية كعقوبة للمعارضين السياسيين والصحفيين المغضوب عليهم، ثم فتح باب التجنيس للعاملين في المملكة من المسلمين السنة غير البحرينيين بهدف إحداث تغيير ديموغرافي سريع.
الكاتب
ما هو انطباعك؟
