من هو الخليفة العباسي الذي قتلوه وما قصة ظلم الإمام نزار “شرح ثاني برومو من الحشاشين”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
طرحت منصة WATCH IT عبر قناتها على يوتيوب ثاني برومو من الحشاشين وهو المسلسل الذي سيعرض في موسم دراما شهر رمضان 1445هـ / 2024م (11 مارس – 9 إبريل)، وهو من تأليف الكاتب عبدالرحيم كمال وبطولة الفنان كريم عبدالعزيز وإخراج بيتر ميمي.
وظهر خلال البرومو مشاهد تمثيلية مختلفة مع جمل حوارية بصوت بطل المسلسل كريم عبدالعزيز باللهجة المصرية؛ ويقوم موقع الميزان بشرح ما ظهر وقيل في البرومو.
الخليفة العباسي الذي قتله الحشاشين
ظهر في ثاني برومو من الحشاشين ظهور حسن الصباح (كريم عبدالعزيز) وهو يقول لأحد أتباعه: إنت هتقتل الخليفة العباسي، وليس واضحًا من البرومو أي خليفة عباسي مُشَار له، وذلك لأن الحشاشين قتلوا اثنين من خلفاء الدولة العباسية.
أول خليفة عباسي قتله الحشاشين هو المسترشد بالله الذي حكم من سنة 1117م / 512هـ وانتهى حكمه سنة 1135م / 529هـ.
كان المسترشد بالله العباسي من الذين جائوا في فترة تخلف الدولة العباسية، ولكنه كان مميزًا إذ قام بضبط أمور الدولة دينيًا وسياسيًا ويعبر السيوطي عن ذلك في تاريخه بقوله «كان ذا همة عالية وشهامة زائدة وإقدام ورأي وهيبة شديدة، ضبط أمور الخلافة ورتبها أحسن ترتيب، وأحيا رسم الخلافة ونشر عظامها وشيد أركان الشريعة وطرز أكمامها».[1]
بالتوازي مع خلافة المسترشد العباسي كانت الدولة السلجوقية قد انقسمت بوفاة السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه، إذ تولى ابنه داوود مكانه فرفض عمه مسعود ذلك وحدث قتال بينهما انتهى باتفاق أن يكون الحكم مشتركًا؛ واعترفت الدولة العباسية بمسعود إلى أن حدث خلاف بين الخليفة العباسي المسترشد ومسعود بن محمد وحدثت معركة انتهت بخيانة الخليفة العباسي من جنوده فتم أسره وتسليمه إلى مسعود والذي أسرهم في قلعة بالقرب من همدان.
تدخل الأمير سنجر شاه حاكم جزيرة بن عمر وعم الأمير مسعود، وبعث له برسالة قال له فيها إن هناك آثار سمائية وأرضية ورياح وعواصف وبروق وزلازل وأنه خاف على نفسه إذ ربما يكون ذلك إشارة من الله بعدما امتنع الناس من الصلاة في الجوامع، وذلك بسبب أسر الخليفة، وناشده قائلاً «فالله الله تتلافى أمرك وتحقن دم المسلمين وتعيد أمير المؤمنين إلى مستقر عزه».[2]
استجاب مسعود لرسالة عمه أو ادعى أنه استجاب فخلال انشغاله باستقبال رسول عمه تسلل عدد من الحشاشين متنكرين في زي غلماء ودخلوا على الخليفة المسترشد بالله في خيمته المأسور فيها وقتلوه بالسكاكين مع حراسه.
اختلف المؤرخين في تواطؤ مسعود بحادث الاغتيال، فمنهم من قال أنه حزن جدًا وأخذ الذين قتلوا المسترشد فقتلهم جميعًا، ومنهم من قال أنه كان متواطئًا معهم، بدليل أنه قام بتهريب الحشاشين الذين ألقي القبض عليهم بعد قتلهم للمسترشد، ثم أطلق سراحهم وقتل بدلاً منهم المسجونين جنائيًا وأوهم الناس بأن هؤلاء هم قتلة المسترشد.[3]
أما الخليفة العباسي الثاني الذي قتله الحشاشين فهو الراشد بالله بن المسترشد العباسي والذي حكم بعد قتل أبيه مباشرةً واستمر في الحكم لسنة واحدة.
بعد تولي الراشد اندلع خلاف بينه وبين الأمير مسعود وتمكن الأخير من خلعه عن طريق الوزير أبو القاسم علي بن طراد والذي كتب محضرًا على الراشد قال فيه أنه ارتكب الفسق ونكاح أمهات أولاد أبيه وأخذ أموال الناس وسفك دماءهم، وبناءًا على هذا المحضر حكم القاضي بن الكرخي بخلعه.[4]
خرج الراشد من الموصل لأذربيجان ومنها لأصفهان وهناك مات وقيل 3 أقاويل في موته ذكرها بن الجوزي في تاريخه، الأول أنه مات مسمومًا والثاني أن جماعة من الفراشين الذين كانوا في خدمته قتلوه[5]، والثالث أن الحشاشين هم من قتلوه، أما السيوطي فيقول أن خُدَّامه قتلوه.[6]
لكن المؤرخ مُغْلَطَاي بن قليج قال في تاريخه أن قتله تم على يد الحشاشين على باب أصبهان[7]، وهو نفس قول بن الأزد الذي قال «قتلته الباطنية على باب أصبهان وكانوا في خدمته بزي الخراسنية فهجوا عليه في خيمته بعد العصر وهو في أعقاب مرض فقتلوه، وقيل أنه كان مسمومًا ثم قُتِل، فركب خوارزمشاه فقتلوا الباطنية».[8]
ظلم الإمام نزار .. من المظلوم وما هو الظلم ؟
ظهر في ثاني برومو من مسلسل الحشاشين حسن الصباح وهو يقول (ظلم الإمام نزار هو الباب اللي ربنا فتحه لحسن الصباح)؛ والتساؤل هنا هو نقطتين الأولى ماهية الإمام نزار، والثانية ماهية الظلم الذي تعرض له.
الإمام نزار المصطفى لدين الله هو الإمام التاسع عشر للشيعة النزارية، وهو ابن المستنصر بالله الفاطمي ثامن حكام الدولة الفاطمية في مصر.
كان المستنصر يريد أن يكون ابنه نزار هو الحاكم، لكن الأفضل بدر الدين الجمالي لم ينفذ ذلك وأبعد نزار عن الحكم وجعل بدلاً منه أخوه أبو القاسم أحمد المستعلي بالله زوج أخت ست الملك بنت بدر الجمالي.
ذهب نزار إلى الإسكندرية وأقنع حاكمها ناصر الدولة أفتكين بأن يكون في صفه حتى يستعيد حكمه فصارت الإسكندرية عاصمةً لخلافة نزار، فقرر بدر الجمالي الذهاب إلى هناك فقام بعمل حملتين عليها الأولى انتهت بهزيمته والثانية كانت حصارًا للإسكندرية دام سبعة أشهر ارتكب خلالها الكثير من الجرائم حتى قرر أفتكين ونزار الاستسلام في مقابل الأمان، فأعطاهما بدر الجمالي الأمان ثم قبض عليهم وأرسلهما للقاهرة وقتلهما.[9]
يبدو من تلك القصة مدى الظلم الذي تعرض له الإمام نزار، لكن القصة عادية فهي صراع سياسي لكن ما هو الشق الديني فيها، الشق الديني في الموضوع أن إقصاء نزار عن الحكم وقتله يمثل انقلابًا في الدعوة الفاطمية نفسها لأن العقيدة الإسماعيلية تعتمد على انتقال الإمام في الأعقاب من الأب إلى الإبن الأكبر، وبالتالي فإن نزار هو صاحب الحق الشرعي في الإمامة.[10]
والإمام (كمصطلح سياسي “أمير” وكمصطلح ديني “شيخ”) عند هؤلاء لهم فيه اعتقاد ولهم اعتقاد في الإمامفهم يروا وجوب معرفة إمام الزمان والتسليم المطلق له، والأرض لا تجوز أن تخلو من إمام وأن الإمام ليس له صفات بشرية خالصة وإنما يجمع بين الجسد البشري والجسد الخاص وله لاهوت، وأن الإمام هو ممثل الله وظله ووجهه؛ ولهم عقائد أخرى كثيرة في وجود الله وحال الإنسان بعد الموت في القبر والآخرة.[11]
صداقة عمر الخيام ونظام الملك وحسن الصباح
ليس معروفًا هل سيتطرق المسلسل إلى قصة الصداقة التي نشأت بين الحسن الصباح ونظام الملك وعمر الخيام، خاصةً وأن البرومو أعطى شكلاً من أشكال الصداقة في حوار بين نظام الملك وعمر الخيام بشأن من فيهم هم الثلاثة على حق.
لكن وبشكل قطعي فليس هناك صداقة جمعت بين الثلاثة لأن أعمار الثلاثة ليست متقاربة وتواريخ ميلادهم مختلفة، فنظام الملك من مواليد 1017م / 408هـ بينما حسن الصباح وعمر الخيام تاريخ ميلادهما غير معروف وإن ذهبت الآراء إلى أن حسن الصباح من مواليد 1124م وعمر الخيام من مواليد 1131م، يعني (نظام الملك أكبر من الصباح بـ 32 سنة ومن عمر الخيام بـ 39 سنة)؛ كما أن الخيام والصباح إن كانا قد عاشا لأكثر من 100 سنة وأعمارهما متقاربة لكن مسألة أنهما كانا زميلين أمرًا مستبعد.[12]
هل انتصرت حملة السلطان ضد الحسن الصباح
من الجمل التي ظهرت في ثاني برومو من مسلسل الحشاشين مقولة على لسان السلطان ملك شاه وهو يطالب بتجهيز حملة لقتال الحسن بن الصباح ويقول «جهز حملة تجيب حسن الصباح وأتباعه تحت رجل السلطان».
هذه الجملة تتناول معركة وقعت بين السلطان ملكشاه وحسن الصباح ولم تنتهي بانتصار ملك شاه، فقد كان حسن الصباح على اتصال بالسلاجقة قبل ذهابه إلى مصر، ثم اصطدم بهم لاحقًا وقد كانت سياسة ملك شاه تجاه حسن الصباح تقوم على المهادنة في أحيان والمقاومة في أحيان؛ فمثلاً بعد استيلاء الحشاشين على قلعة ألموت بدأ بمناظرتهم عن طريق الفقيه أبو يوسف يعقوب بن سليمان، ثم كانت بين ملك شاه وحسن الصباح رسائل، ولما لم تحقق هذه المناظرة أهدافها بدأت المواجهات العسكرية، منها مواجهتين في سنة واحدة 485هـ / 1092م هُزِم فيها ملك شاه.[13]
من هو صاحب مفتاح الجنة
مين يقدر على الحلم دا ؟ صاحب مفتاح الجنة.
مصطلح مفتاح الجنة موجود في التاريخ، وبالنسبة لسياق المسلسل فمن الصعب التكهن بشرح المصطلح من برومو، لكن على أي حال هو مرادف لمصطلح صكوك الغفران الذي ظهر في القرن العاشر الميلادي.
وبالنسبة للشيعة عمومًا فإن صاحب مفتاح الجنة هو الإمام علي بن أبي طالب استنادًا لحديث مزعوم عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول «إذا كان يوم القيامة يؤتى بك يا علي على ناقة من نور، وعلى رأسك تاج له أربعة أركان، على كل ركن ثلاثة أسطر: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي مفتاح الجنة».[14]
وسيتضح من المسلسل هل المقصود بصاحب مفتاح الجنة هو الإمام علي، أم أحد أئمة الإسماعيلية، أم أن الحسن الصباح يقصد نفسه، أم أن هناك شيء آخر استدعاه المؤلف.
اقرأ أيضًا
برومو مسلسل الحشاشين “شرح ما قيل وظهر من تاريخ في لقطاته”
[1] جلال الدين السيوطي، تاريخ الخلفاء، تحقيق: اللجنة العلمية بمركز دار المنهاج للدراسات والتحقيق بإشراف محمد غسان نصوح عزقول الحسيني، ط/2، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 1434هـ / 2013م، ص663.
[2] جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، تحقيق محمد عبدالقادر عطا ومصطفى عبدالقادر عطا، ج17 ، ط/1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1412هـ / 1992م، ص297.
[3] ابن الطقطقي محمد بن علي بن طباطبا، الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية، ط/1، المطبعة الرحمانية، القاهرة، 1345هـ / 1927م، ص223.
[4] حسين بن الديار بكري، تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس، ط/1، المطبعة الوهبية، القاهرة، 1867م، ص362.
[5] الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، ج17، ص332.
[6] السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص670.
[7] مُغْلَطَاي بن قليج، الإشارة إلى سيرة المصطفى وتاريخ من بعده من الخلفا، تحقيق: محمد نظام الدين الفتيح، ط/1، دار القلم (دمشق)، الدار الشامية (بيروت)، 1416هـ / 1996م، ص551
[8] جمال الدين أبو الحسن الأزدي، أخبار الدول المنقطعة، تحقيق: عصام مصطفى هزايمة – محمد عبدالكريم محافظه – محمد علي يوسف طعاني – علي إبراهيم مصطفى عبابنه، ج2، ط/1، مؤسسة حماده ودار الكندي، الأردن، 1999م، ص185.
[9] محمد جمال الدين سرور، تاريخ الدولة الفاطمية، ط/1، دار الفكر العربي، القاهرة، 1995م، ص103.
[10] أيمن فؤاد سيد، الدولة الفاطمية في مصر .. تفسير جديد، ط/1، الهيئة المصرية العامة للكتاب – مكتبة الأسرة، القاهرة، 2007م، ص220.
[11] محمد عثمان الخشت، حركة الحشاشين .. تاريخ وعقائد اخطر فرقة سرية في العالم الإسلامي، ط/1، مكتبة بن سينا للنشر والتوزيع، القاهرة، 1988م، ص ص149–177.
[12] النظامي العروضي السمرقندي، جهار مقاله (المقالات الأربع في الكتابة والشعر والنجوم والطب، ترجمة: عبدالوهاب عزام ويحيى الخشاب، ط/1، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1368هـ / 1949م، ص158.
[13] علي محمد محمد الصلابي، دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي، ط/1، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، 1427هـ / 2006م، ص ص110–111.
[14] محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، ج7، ط/3، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، (د.ت)، ص339
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال