حول المشروعات الصغيرة في التجارب الدولية “دول أثبتت نجاح التجربة”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
نجحت العديد من الدول في الاستفادة من مزايا المشروعات الصغيرة والمتوسطة عن طريق تبنيها لهذا القطاع على المستوى القومي، باعتباره إحدى وسائل التنمية الاقتصادية، فهناك دول عديدة لعبت هذه المشروعات فيها دورًا مهمًّا في حل العديد من المشكلات كالهند واليابان وأمريكا والأردن وغيرها من الدول.
اقرأ أيضًا
الريس بيري .. لم يقد المسلمين لاكتشاف أمريكا وأعدم في مصر
وفيما يلي سنعرض بعض التجارب الناجحة في هذا المجال كالتالي:
التجربة اليابانية
إيمانًا من الحكومة اليابانية بأهمية المشروعات الصغيرة، فقد أصدرت عام 1963 القانون الأساسي رقم (154) لتحقيق الاستقرار والحماية لها، ويهدف إلى تشجيع نمو وتطوير المشروعات الصغيرة، وتحسين الموارد والتسهيلات الإدارية المتاحة لها، والمناخ الذي تعمل في ظله.
وقد تم تطوير هذا القانون في مرحلتي السبعينات والتسعينات، والذي يهدف إلى تطوير هذه المشروعات وزيادة قدرتها الابتكارية للتوصل إلى الاختراعات التكنولوجية، وتحقيق نمو متوازن في الاقتصاد القومي، وقد شمل هذا القانون عددًا من الإجراءات التي تشجع على تطوير مجالات أعمال جديدة من خلال تكامل المعرفة بين كل المشروعات، وتمر عملية التكامل بثلاث مراحل، تبدأ بمرحلة التبادل بين كل المشاريع أولًا، ثم مرحلة التطوير، ثم مرحلة التسويق.
ويوجد في اليابان أكثر من 1526 مجموعة متبادلة بين الصناعات المختلفة، تضم أكثر من 52149 مشروعًا صغيرًا موزع على مراحل التكامل الثلاث، ومن خلال هذه المجموعات أمكن تحديد دور رجال الأعمال في تنشيط وإقامة وتطوير وتحديث هذه الصناعات، بالإضافة إلى استطلاع رأيهم حول السياسات الواجب وضعها لتحقيق مناخ أفضل لتطوير هذه المشروعات.
بدأت التجربة اليابانية بمرحلة التبادل
تعتبر هذه المرحلة نقطة البداية في تسهيل لقاء وتعارف هذه المشروعات لتحقيق تبادل المعرفة بينهما، ويقصد بهذه المرحلة أن تلتقي كل امن أجل تعميق الفهم المشترك والمتبادل بينهما حول عدد من القضايا المرتبطة بالعمل، بالإضافة إلى محاولة خلق فرص لتطوير أعمال جديدة.
ثم جاءت مرحلة التطوير بعد أن يتم التبادل بين المشاريع الصغيرة والمتوسطة تبدأ في اتخاذ القرارات المتعلقة بأحداث التطوير وتنفيذها، سواء في مجال الأعمال، أو التكنولوجيا متمثلة في تطوير منتجات جديدة، وتطوير تكنولوجيا جديدة، وتطوير أسواق جديدة.
وجاءت مرحلة التسويق وتمثل هذه المرحلة مرحلة جني الثمار، حيث تتمكن المشروعات المنتمية إليها من تسويق المنتجات التي تم تطويرها نتيجة التبادل.
وتوضح هذه المراحل مدى التكامل والتعاون الذي تعمل في ظله كل المشروعات حاليًا في اليابان، والذي يعتبر من أهم أسرار نجاح التجربة اليابانية وأحد دعامات اقتصادها القومي، والذي يتمثل في الإحصاءات الآتية
بلغ إجمالي عدد المشاريع الصغيرة والمتوسطة 99% من إجمالي عدد المشروعات، ونسبة 99.5 % من إجمالي المشروعات العاملة في مجال التصنيع.
عدد العاملين فيها حسب مجالات الأنشطة المختلفة حيث توفر فرص عمل لـ80% من العاملين في مجال الأنشطة المختلفة ولـ74% للعاملين في مجال التصنيع.
وتمت المساهمة في صادرات القطاع الصناعي بنسبة 55%.، اعتماد الصناعات الكبيرة على صناعات صغيرة أكثر تخصصًا لتحقيق مزيد من الوفرات في تكلفة الإنتاج حيث بلغت النسبة 91% في صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة، و85% في صناعة السيارات، و88% في صناعة الآلات، و87% في صناعة الأدوات الكهربائية.
تتمثل هذه المشاريع في اليابان في صناعات التعدين، والنقل، والإنشاءات، والمشروعات التجارية والخدمية المتمثلة في تجارة الجملة والتجزئة، ويتسم المناخ الذي تعمل في ظله المشروعات الصغيرة والمتوسطة في اليابان بالمناخ الإيجابي، حيث تتفاعل عدة عوامل معًا في إحداث هذا المناخ من أجل إيجاد بيئة صالحة ومشجعة لهذه المشروعات، وبالتالي أصبحت المشروعات الصغيرة والمتوسطة أحد أهم الدعامات الأساسية في الاقتصاد الياباني.
التجربة الأمريكية
يعرف دليل إدارة المشروعات الصغيرة في أمريكا هذه المشروعات حسب مجالات النشاط المختلفة، فمنها مثلًا في مجال التصنيع بصفة عامة عدد العمال أقل من 250 عاملًا، ويمكن أن يصل إلى 1500 عامل في بعض الصناعات اعتمادًا على مستوى الصناعة، ويعبر هذا التعريف عن مرحلة التقدم الاقتصادي والتي تعيشها أمريكا؛ إذ إن ما يعتبر لديها صغيرًا هو بالقطع كبير في الدول النامية.
ولقد انتهجت الولايات المتحدة سياسة قومية منذ مطلع «الخمسينيات» تستهدف دعم وتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتلعب دورًا كبيرًا في التنمية الاقتصادية، وتشجيع أصحاب المدخرات الصغيرة على استثمارها في مختلف الأنشطة الاقتصادية لمواجهة مشكلات البطالة والوصول إلى التشغيل الكامل لعناصر الإنتاج، ولقد اعتمدت هذه السياسة القومية على عدد من المحاور نوجز أهمها إنشاء جهاز حكومي مركزي عام 1953 يعرف باسم «الإدارة الاتحادية للمنشآت الصغيرة» ليكون بمثابة الجهة المختصة عن تنفيذ السياسة القومية لإقامة وتنمية وحماية المشروعات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
منح المشروعات إعفاءات ضريبية تصل إلى 2%.، قيام الإدارة الاتحادية للمشروعات الصغيرة بوضع برامج للتدريب وتقديم الاستشارات اللازمة لإقامة وتنميتها، كما وضع نظام تمويلي لمساعدة المشروعات الصغيرة.
ويأتي دور المنظمات الحكومية في مساعدة وتطوير كل المشروعات من خلال إدارة المشروعات ، مراكز تطوير المشروعات، رابطة خدمات الإداريين المتقاعدين.
كما ظهور فكرة الحاضنات في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن تنتقل إلى باقي دول أوروبا وتحظى الحاضنات باهتمام القطاعين العام والخاص، وتعرف على أنها عبارة عن منظمات تنموية تتوفر على حزمة متكاملة من الخدمات وتعمل في مجال استقبال ورعاية المشروعات الناشئة التي لا تملك كل الوسائل اللازمة لمواجهة متطلبات الإنشاء والتشغيل، وأكدت الدراسات والتجارب أن تزايد حضانات الأعمال والتكنولوجيا بصورة طردية مع زيادة الطلب عليها لما تتوافر عليه من خبرة وإمكانات لزيادة قدرة المشروعات على البقاء والنمو، وقد بلغ عدد الحاضنات في الولايات المتحدة ما يزيد على 1000 حاضنة.
تجربة كوريا
تعتبر المشاريع بمثابة جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الكوري، ويصل عددها حاليًا إلى أكثر من 3 ملايين منشأة، وتشكل 99.8% من المجموع الكلي للمشاريع العاملة في كافة القطاعات الاقتصادية، وتوظف نحو 10.480 مليون عامل من أصل 12.04 مليون عامل، أي نحو 87% من مجموع القوة العاملة في كوريا، وتساهم بنحو 52.8% من إجمالي القيمة المضافة المتولدة في هذا القطاع.
منذ بداية السبعينيات تحولت الحكومة الكورية من تركز سياستها على الصناعات الخفيفة كثيفة العمل إلى الصناعات الثقيلة والكيماوية بسبب تآكل حصة كوريا من التصدير؛ نظرًا للمنافسة من قبل الدولة النامية في أسواق المنتجات كثيفة العمل.
ولقد أصبح تطوير الصناعات الثقيلة والكيماوية غير ممكن تطبيقه بدون تطوير المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التي تقوم بإنتاج القطع والمكونات والأجزاء الضرورية اللازمة للصناعات الثقيلة، وبفضل سياسة الدعم المتنوعة ازدادت أعداد المشروعات الجديدة بشكل مستمر، فقد بثت الحكومة الروح الريادية لدى المواطنين، وحثتهم على خلق أعمال جديدة.
كما أدرجت كوريا تنمية الصناعات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة ضمن أهم أهداف خططها التنموية، وذلك من خلال دعم هذه الصناعات عن طريق تقديم قروض وتسهيلات ائتمانية بالعملات المحلية والأجنبية والخدمات الاستشارية في الأعمال الإدارية والفنية، وتقديم برامج متنوعة مثل المساعدات المالية والإدارية والتسويقية وخدمات التدريب عن طريق الصندوق الكوري لضمان القروض: تم إنشاؤه عام 1976 لمساعدة المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تعاني من الافتقار إلى ضمان القروض لتمكنها من الحصول على رأس المال المطلوب للقيام بالمشروع.
الوكالة الكورية لتشجيع التجارة والاستثمار: وهي منظمة شبه حكومية تساهم في تشجيع الأنشطة التجارية الصغيرة والمتوسطة في الأسواق الخارجية، وتوفير المساعدات الفنية والإدارية والتمويلية والتسويقية.
وتمنح الحكومة الكورية العديد من الحوافز الضريبية للصناعات الصغيرة ومنها إعفاء أو تخفيض ضريبي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الجديدة التي تقام خارج مناطق المدن، وتخفيض قيمة ضريبة الدخل بنسبة 50% في نهاية السنة الأولى ولمدة 5 سنوات.
التجربة الإيطالية والمشروعات تجربة إيطاليا
تعتبر إيطاليا أبرز دول الاتحاد الأوروبي التي تضم أكبر عدد من هذه المشروعات، وتتميز التجربة الإيطالية بسمة خاصة ترتبط بتعريف المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بحيث تعمل المنشآت المشاركة في مجموعة واحدة في المنطقة الجغرافية بالتنسيق والتكامل فيما بينها، وتقسم عملية الإنتاج إلى مراحل محددة، بحيث تكون كل مجموعة مسئولة عن واحدة من تلك المراحل، ونجد أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تسيطر على الاقتصاد الإيطالي، حيث تساهم الشركات في تحقيق 42% من القيمة المضافة في الصناعة والخدمات غير المالية، ويتم تمويل الصناعات الصغيرة والمتوسطة في إيطاليا من خلال المنشأة المالية، مؤسسة مديكريد يتو، معهد التطوير الصناعي، المعهد الوطني للتجارة الخارجية، منظمة فيدركو نفيدي، التمويل الذاتي.
التجربة الأردنية والمشروعات الصغيرة
يتميز المجتمع الأردني بسيادة الريف والبادية بشكل خاص؛ مما يجعل هذه المشروعات أساس التطوير الاقتصادي فيه، وللريف أهمية كبيرة في الاقتصاد الأردني باعتباره مكان إقامة وتشغيل نسبة كبيرة من السكان، ومصدرًا مهمًا من مصادر العمالة، وتعتمد الأردن في تحديد أحجام المشروعات على معيار عدد العمال استرشادًا بالمعيار الذي يستخدمه صندوق النقد الدولي، فالمشاريع الصغيرة تستخدم أقل من 5 عمال، وتتميز المشروعات باستقطابها لأعداد كبيرة من العاملين، وخاصة في المناطق الريفية، وكذلك إمكانية إقامتها على مقربة من مواقع المواد الأولية؛ مما يقلل من تكاليف إقامتها وإدارتها وعدم حاجتها إلى تكاليف استثمارية كبيرة؛ مما يساعد على انتشارها جغرافيًّا، بالإضافة إلى تخفيف حدة البطالة التي يعاني منها الاقتصاد الأردني باعتبارها مشروعات كثيفة العمالة، ونواة لتنمية وتطوير المشاريع الكبيرة، وأداة لتحقيق تنمية إقليمية لا مركزية متوازنة.
وتشير الإحصاءات إلى أن المشروعات ساهمت بحوالي 35% من قيمة الإنتاج المحلي الإجمالي، وبحوالي 45% من إجمالي الأيدي العاملة، وقد وجد أن النشاط الصناعي استحوذ على 43% من مجموعة الأنشطة، خاصة في مجال الصناعات اليدوية والحرفية، ويمثل التمويل الذاتي لهذه المشروعات نسبة 75% عن دراسة قامت بها مؤسسة أمير عام 1998.
وتتم تمويل المشروعات في الأردن من خلال بنك تنمية المدن والقرى وبنك الاتحاد الصناعي، ومؤسسة الإقراض الزراعي ولا تدخل هذه البنوك إلى سوق الإقراض الصغير إلا بشكل هامشي، وهو ما لا يتناسب مع إمكاناتها، ويرجع ذلك إلى صغر حجم القروض المطلوبة، وارتفاع تكاليف إدارة القروض، ودرجة المخاطرة وعدم توفير الضمانات الكافية.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال