العلاقات العسكرية بين مصر وفرنسا .. فوارق بين الرئيس السيسي ومن قبله (1-2)
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
اتسمت العلاقات العسكرية بين مصر وفرنسا خلال السنوات الأخيرة، بالتطور المستمر سريع الوتيرة، الناتج عن تلاقي الرؤى السياسية والاستراتيجية بين كلا الدولتين في معظم الملفات الدولية، على الرغم من أن الزخم الأساسي لهذه العلاقات العسكرية بدأ منذ عام 2015، إلا أن التعاون في المجال العسكري بين البلدين لم يتوقف منذ سبعينيات القرن الماضي.
حقبة السبعينيات … السلاح الفرنسي في الميدان
بدأت قصة القوات المسلحة المصرية المعاصرة مع الأسلحة الفرنسية الصنع، في حرب أكتوبر 1973، حينها كان التسليح المصري في غالبيته الساحقة، يتكون من أسلحة سوفيتية الصنع، لكن دعت ضرورات المعركة، ورغبة سلاح الجو المصري في الاستفادة من المقاتلات القاذفة الفرنسية الصنع (ميراج 5)، التي تعاقد عليها سلاح الجو الليبي أوائل عام 1970، إلى بدء الطيارين المصريين الذين كانوا سابقًا عاملين على متن القاذفات السوفيتية الصنع (سوخوي 7)، عمليات مكثفة للتدريب على المقاتلات الفرنسية في ليبيا، بداية من عام 1971.
النظرة المصرية في هذا الصدد كانت ترى مميزات مقاتلات (ميراج 5)، التي كانت تعد في ذلك التوقيت طفرة في عالم الطائرات المقاتلة، نظرًا لحمولتها الكبيرة من الذخائر، وجمعها بين المهام الاعتراضية ومهام القاذفات، بجانب مداها الطويل وثورية بدنها الذي وفر لها مرونة كبيرة في الاشتباكات الجوية القريبة، خاصة وأن بعض أنواعها كان مزودًا برادار متقدم، كانت تفتقر إليه المقاتلات السوفيتية التي كانت موجودة في التسليح المصري في ذلك التوقيت.
النقطة الأهم في هذا الصدد، تتعلق بأن سلاح الجو الإسرائيلي كان يمتلك مقاتلات الميراج 5 أيضًا، بأعداد وصلت إلى 61 مقاتلة، أجرى عليها بعض التعديلات وطورها تحت اسم (نيشر)، ولهذا قامت المقاتلات المصرية من نوع (ميج 21)، بالتدرب مع طائرات الميراج 5 في ليبيا، على تكتيكات الاعتراض الجوي والاشتباك القريب، وهذا بشكل أساسي ساهم في الأداء المميز لمقاتلات الميج 21 خلال حرب أكتوبر، التي تفوقت حتى على مقاتلات كانت تعد في ذلك التوقيت الأحدث والأفضل على الإطلاق عالميًا، وهي مقاتلات (أف-4) الأمريكية الصنع، ناهيك عن مشاركة طائرات الميراج في معارك أكتوبر، بعد وصول تسعة عشر طائرة منها إلى مصر منتصف عام 1973، باتفاق مع ليبيا، وتشكيلها السرب التاسع والستين مستقل، الذي نفذ عمليات قصف واستطلاع خلال الحرب انطلاقًا من قاعدة طنطا الجوية.
تفوق مقاتلة الميراج 5 على أغلب الطائرات السوفيتية التي كانت في حوزة سلاح الجو المصري، دفع قيادة سلاح الجو المصري إلى التعاقد مع فرنسا عام 1974، على شراء ما مجموعه 68 مقاتلة من هذا النوع، تسلمتها مصر على ثلاث دفعات أعوام 1975 و1977 و1983، وظلت هذه الطائرات في الخدمة لدى سلاح الجو المصري حتى العام الماضي، وخلال هذه الفترة قام سلاح الجو المصري بتحديث هذه المقاتلات محليًا تحت أسم (حورس).
حقبة السبعينات شهدت تدفق واضح للسلاح الفرنسي على مصر، فقد تعاقد سلاح الجو المصري عام 1974، على المروحيات القتالية الخفيفة فرنسية الصنع (غازيل)، وأصبح لديه بحلول عام 1978 54 مروحية من هذا النوع الذي يتميز بسهولة صيانته ومرونة استخدامه في مهام الاستطلاع المسلح، نظرًا لتسلحه بصواريخ (هوت) المضادة للدروع، ومدافع رشاشة من عيار 20 ملم، يتم تثبيتها في حواضن خارجية تقع على جانبي بدن المروحية.
في ثمانينيات القرن الماضي تعاقد سلاح الجو المصري على 36 مروحية من نفس النوع، لكن تم الاتفاق على أن يتم تجميعها محليًا، وهو ما تم فعليًا ما بين عامي 1983 و1985، وحاليًا تمتلك مصر منشآت كاملة داخل مصنع حلوان التابع للهيئة العربية للتصنيع، لتصنيع وصيانة وتعمير هذه المروحيات، التي مازالت تعمل ضمن تشكيلات الجيش المصري حتى الآن بعدد يتجاوز مائة مروحية.
بعد حرب أكتوبر، ونظرًا لتوتر العلاقات بين موسكو والقاهرة، بدأت مصر على مستوى الدفاع الجوي، في دراسة البدائل المتاحة لتدعيم وسائط الدفاع الجوي المتوفرة لدى الجيش المصري، خاصة الوسائط ذاتية الحركة. فتعاقدت القاهرة عام 1976 مع شركة طومسون الفرنسية (تاليس حاليًا)، على شراء ما مجموعه 250 قاذف صاروخي لمنظومات الدفاع الجوي (كروتال)، تسلمتها على مدار العامين التاليين، وهي منظومة قصيرة المدى، يبلغ مداها 20 كيلو متر، على ارتفاعات تصل إلى 5 كيلو متر. بعد تسلم الجيش المصري للدفعة الأولى من هذه المنظومة، أجرى مهندسوه بعض التعديلات على الصواريخ الخاصة بها، حازت إعجاب الشركة المصنعة، وطبقت هذه التعديلات على ما تم إنتاجه لاحقًا من هذه المنظومات، ومنحت مصر رخصة تصنيع مكونات هذه المنظومة محليًا، وهو ما تم بالفعل خلال الفترة ما بين عامي 1983 و1987.
عام 1975، تعاقد الجيش المصري مع فرنسا على شراء أكثر من أربعة آلاف صاروخ مضاد للدروع موجه بالسلك من نوع (ميلان)، تسلمها خلال العامين التاليين، وقام بتثبيتها على متن عربات جيب خفيفة، من أجل القيام بنفس المهام التي قامت بها وحدات صيد الدروع خلال حرب أكتوبر 1973، لكن مع مرونة أكبر في الحركة، ويبلغ مداه الأقصى 2 كيلو متر، وتتميز بعض أنواعها بالقدرة على اختراق الدروع التفاعلية.
حقبة الثمانينيات.. التركيز على سلاح الجو
في حقبة الثمانينيات، ركزت مصر بشكل أكبر على سلاح الجو، وتعاقدت مع فرنسا على صفقتين أساسيتين في هذا الصدد، الأولى كانت عام 1981، لشراء 45 طائرة تدريب متقدم من نوع (ألفا جيت)، تم الاتفاق على أن يتم تصنيع مكوناتها في مصانع الهيئة العربية للتصنيع على مدار السنوات اللاحقة حتى عام 1985. الصفقة الثانية كانت عام 1983، وفيها تعاقد سلاح الجو المصري على شراء 20 مقاتلة متعددة المهام من نوع (ميراج 2000)، في صفقة بلغت قيمتها آنذاك مليار دولار، وتم أيضًا تصنيع بعض مكونات هذه المقاتلات في مصر.
كانت هذه بشكل فعلي آخر الصفقات الأساسية بين البلدين، وظلت التعاملات التجارية العسكرية فيما بينهما خلال حقبة التسعينيات والعقد الأول من الألفية الجديدة، مقتصرة على شراء ذخائر أو قطع غيار خاصة بمنظومات الدفاع الجوي أو الطائرات الفرنسية الصنع.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال