النظرية السويدية في الحب ..حينما تبعد عن من تحب تكون نهايتك الموت
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يعتبر الفيلم التسجيلي السويدي “النظرية السويدية في الحب” (The Swedish Theory of Love) واحد من الأفلام العبقرية، الذي يروي قصة تنتقل بين الماضي والحاضر بشخصيات واضحه توضح جوانب هذه القصة.
بين الماضي والحاضر
يسعى المخرج إريك جرانديني،صاحب فيلم النظرية السويدية في الحب،يسعى طوال الفيلم للتعمق في الماضي واكتشاف تعقيداته، مع دراسة الحداثه، والكشف عن مظاهرها في بحث حقيقي طوال الفيلم، ولم يكتفي بذالك، بل عمل على إشراك المشاهد في ذلك، في تجربه هي الأولى من نوعها.
البداية
يبدأ الفيلم باستخدام لقطات أرشيفية “ابيض وأسود”، تنتمي غالبا الخمسينيات القرن الماضي، حيث الأسرة السويدية المترابطة المكونة من أب وأم وأبناء، حيث كان الأبناء يلقون عناية كاملة من قبل الآباء، فالأم تطهوا لتطعم صغارها، ويعود الاب من عمله لتخرج الأسرة للتنزه، في الحدائق العامة، للهو واللعب.
وبعد هذه اللقطات، يوضح الفيلم كيف حققت السويد منذ وقت مبكر مستوى عاليا للعيش، فقد وفرت الدولة جميع وسائل الرفاهية للجميع، وحصل المواطن السويدي على كل ما يحتاج إليه، يخبرنا التعليق الصوتي، الذي كان يظهر على فترات متباعدة أثناء الفيلم عن إعلان الاستقلال.
إعلان الاستقلال
تقدم عدد من السياسيين ببيان رسمي عام 1972، إلى البرلمان السويدي، والذي ضم التحرر التام للفرد في علاقاته بالآخرين، حيث حرر الطفل والشاب تحررا تاما من قيد العائلة، ويساوي بين الكبار والصغار باسم تقديس الحرية الفردية.
وأوضح الفيلم نتيجة ذلك، عندما أظهر لقطات لشابة تمارس رياضة الجري وسط الغابات، ثم تقف ويأتي صوتها من خارج الكادر تحادث فيها الاشجار، ولم تكن هي وحدها بل وكل رفيقاتها، يسألن عما تشعر به خلال الإجازات، تحادث الأشجار وتخبرها، عن الرغبتها في إنجاب أطفال من رجل ما ثم الانسلاخ عنه مباشرة.
عودة للماضي
ثم يعود الفيلم مرة أخرى للماضي ويقول الفيلم إنه بعد 40 عاما من صدور هذا “قانون تقديس حرية الفرد”، أصبح نصف السويديين يعيشون بمفردهم دون شريك في الحياة، وهو أكبر معدل من نوعه في العالم، فمن بين كل 4 أفراد يموت شخص وحيدا في رؤية مخيفة.
ظاهر مريبة
ثم يتوقف المخرج عند ظاهرة مريبة كذلك في السويد، وهي ظاهرة بنوك الحيوانات المنوية، حيث تفضل النساء هناك الإنجاب دون الارتباط بعلاقات جنسية مع الرجال، وحينما تريد المرأة الإنجاب تختار شكل الشخص التي تريد الإنجاب منه ومن ثم تأخذ حيوانه المنوي من إحدى هذه البنوك، وتدفع ثمنها، عن طريق البطاقات المصرفية.
ثم يتوقف المخرج بلقطات تفصيلية أمام عملية الإخصاب الصناعي التي تقوم بها المرأة، كما نشاهد كيف تقوم المرأة بحقن نفسها بالسائل المنوي، الذي أخذته من البنك، ويظهر التعليق الصوتي بأن لديه حاليا 170 لترا من السائل المنوية، وهي أكبر كمية من نوعها في بنك واحد في العالم، ومن الممكن كذلك ترتيب علاقات بين المانح والمرأة لممارسة الجنس لكن دون استمرار تلك العلاقة، بعيدا طبعا عن عملية المنح.
آراء ومساعدات
ثم بعد ذلك يتطلع الفيلم آراء عدد من الرجال الذين يمنحون السائل المنوي، فيقول أحدهم أنه يقوم بهذا من أجل المال، ولكن بعد ذلك قدمه كمساعدات إنسانية لمن تريد الإنجاب.
ثم بعد ذلك يقدم فيلم النظرية السويدية في الحب مقارنة بين مستوى الحياة في السويد وبين أحد الدول النامية، ويوضح الفيلم أن قيم البقاء تختلف في كلا الدولتين.
ففي السويد يعيش الأفراد وحيدين، لذلك انشات الدولة وكالة للبحث عن أقارب الذين يموتون وحيدين، ويقوم رجل وامرأة تابعة للوكالة بالبحث عن أقارب رجل توفي وحيدا قبل عامين ولن يعرف أحد بموته إلا بظهور رائحته الكريهة، وهذا بالطبع يدل على عدم اهتمام الأقرباء أو جيرانه بأي شكل من الأشكال .
توالى اهتمام موظفي الوكالة بالوريث الشرعي للرجل، حيث وجدوا حسابات مصرفية فيها أكثر من مليون كرون سويدي غير معروف من الذي سيحصل عليها، إلا أن وجدوا ابنته التي استقلت عنه منذ سنوات.
ثم ينتقل المخرج لحالة أخرى في السويد لرجل انتحر داخل مسكنه بسبب الوحدة، حيث باع هه الرجل كل ما يملك ووضع المال في مظروف كبير، ولم يعرف موظفي الوكالة كذلك لمن تركه، فلا أحد شعر به حين وفاته ولمن ترك هذا المال، كل ما يعرفونه أنه كان يغادر بيته من أجل شراء الطعام فقط.
على النقيض
وعن الوضع في أحد الدول النامية فاتخذ الفيلم قصة سيدة سورية أتت للسويد منذ سنوات كمهاجرة، تلك السيدة التي مثلت ذلك الاختلاف بين حياة الانعزال والعائلة، عملت تلك السيدة في تعليم هؤلاء الذين جاءوا إلى السويد من أجل العمل، ووجهت لهم نصائح منها أن السويديون لا يحبون الثرثرة فقل إجابتك باقتضاب و بدون استطراد، وتعلق على هذا فتقول انها لا يمكنها أن تعيش بمفردها.
نمط انعزالي
يبحث المخرج عن مجموعات صغيرة من الشباب الذين يرفضون النمط الانعزالي وقد تمردوا عليه، ونشاهد بعضهم يفترشون أرض الغابة حيث يجتمعون من حين لآخر يمسكون بأيدي بعضهم البعض، يعترفون بأنهم يجدون التعاطف والدفء في علاقتهم مع بعضهم، وأن حياتهم تغيرت تماما بعد أن اكتشفوا المفعول السحري للتلامس البشري. هناك الكثير من اللقطات الطويلة التي تصور الشوارع الخالية والمنازل الممتدة الصامتة، والأطفال الذين تقوم أمهاتهم باصطحابهم إلى الحدائق الخالية الموحشة لممارسة الألعاب دون وجود الآباء، وفي انتظار أن يكبروا لكي يستقلوا عن الأم، وكيف يسير الأفراد في الشوارع شبه الخالية في الشتاء دون أن يتطلع أحد إلى الآخر أو يتبادل معه الحديث في الطريق العام.
نظرية أحادية
ونرى هنا أن الفيلم نظر للحياة في السويد نظرة احادية، فتحتها الفيلم مثلا عن ما تقدمه السويد للمهاجرين الذين هربوا من مأساة الحروب والصراعات العرقية، واكتفى بذلك المشهد الذي صور فيه المهاجرون وهم يتسامرون في أحد معسكرات الإيواء، ويعترف أن المهاجر يقضي 7 سنوات في تلك المعسكرات، قبل أن ينخرط في الحياة السويدية، وبالمناسبة هي اطول فترة انتظار في العالم.
الخلاصة أن مخرج فيلم النظرية السويدية في الحب وضع فرضية من البداية وهي فرضية العزلة، وكيف اصبحت استقلالية المواطن السويدي، والتي تبدوا مرعبة من خلال القصص التي اوردها في الفيلم، فمن جنة الله في أوروبا إلى أرض الشيطان هكذا صورها الفيلم ببساطة، بعد قانون الاستقلال الفردي منذ عام 1972.
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال