القُطربة عفريتة مقابر المقطم.. أفزعت مصر من عهد الفاطميين وقضى عليها زلزال 92
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ربما يزخر تاريخ مقابر المقطم في مصر بكتب كثيرة اهتمت غالبيتها بالتوثيق لكل قبر في المقطم، حيث كتب شمس الدين بن الزيات كتاباً سماه “الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة” وكذلك أرخ عبدالكريم بن عبدالله سيرة مقابر المقطم في كتاب “هدية الراغبين في زيارة قبور الصالحين”، إلا أن أهم كتاب جمع واحتوى بالتفاصيل كل تاريخ مقابر المقطم، كان كتاب “مرشد الزوار إلى قبور الأبرار” لـ “موفق الدين بن عثمان”، حيث كتبه في جزأين.
اهتمام المؤرخين المسلمين بمقابر المقطم، ناجم من قصة قديمة ذكرها العالم الكبير الليث بن سعد، حيث قال أن المقوقس فاتح عمرو بن العاص بعد أن صارت مصر كلها تابعة للدولة الإسلامية، بأن تشتري الكنيسة جبل المقطم بـ 70 ألف دينار، وكان هذا طلباً غريباً أثار فضول عمر بن الخطاب الذي راسله عمرو بن العاص ليتخذ قراراً، حيث تساءل عمر لماذا يطلب شراء جبل المقطم وهو جبل ليس فيه ماء ولا يزرع به نبات، فكان رد المقوقس “وجدنا صفته في الكتب القديمة بأنه يُدْفَن فيها غراس الجنة”.
كانت إجابة المقوقس هذه هي السبب الذي جعل مقابر المقطم كلها للمسلمين منذ عام 642 م إلى اليوم.
طيلة 1376 سنة هي عمر جبل المقطم في ظل الإسلام وكل الفترات التاريخية التي أعقبته، خضع لتغيرات جغرافية جعلت منه قرافتان إحداهما الصغرى وهي الآن مقابر صلاح سالم والممتدة من السيدة نفيسة، والأخرى القرافة الكبرى وهي المقطم ومنشية ناصر.
طرأت قصص كثيرة عن مقابر المقطم، وكانت أولى هذه القصص المشهورة هي واقعة نقل الجبل نفسه سنة 979 زمن المعز لدين الله الفاطمي و البابا إبرآم بن زرعة مع سمعان الخراز حيث تقول القصة أن المعز لدين الله كان قد طلب من البابا إبرام بن زرعة نقل المقطم من مكانه القديم إلى مكانه الحالي حتى يوسع القاهرة إلا سيتم التنكيل بكل الأقباط.
طلب إبرام من المعز مهلة للصلاة، ثم ظهرت له العذراء وطلبت منه استدعاء سمعان الخراز، وأمرته بقراءة آية معينة من الإنجيل وخرج الأقباط بإسكافيهم هذا ومعه جماعة من الكهنة والرهبان ومكثوا بكنيسة المعلقة بمصر القديمة ثلاثة أيام وصلوا وقرأوا حتى تحرك الجبل وانتقل من مكانه الأول إلى مكانه الذي هو عليه الآن.
قصة نقل جبل المقطم مشكوك فيها لأكثر من سبب عقلي فضلاً عن أن المعز لدين الله الفاطمي من وفيات عام 975 وليس كما تقول القصة عاش لسنة 979 م.
رغم شهرة القصة وعدم رجاحتها تاريخياً، لكن هناك قصة أخرى من شاهد عيان مثلت لغزاً في الثقافة الشعبية المصرية على مدار 950 سنة، أن منذ عهد الدولة الفاطمية حتى وقوع زلزال 1992 م، وكانت هذه القصة هي حوادث كائن اسمه القطربة .
ذكر المؤرخ تقي الدين المقريزي في كتابه “المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار” الجزء الرابع، أنه في سنة 433 هجرية ، الموافق لعام 1041 ميلادية، زادت حالات خطف للأطفال زادت من إمرأة تُسَمَّى القطربة في المقطم وجعلت أهل مصر يتركون المنطقة ولا يدفنون فيها أحداً، ومما زاد الطين بلة قصة ما جرى مع رجل يدعى “حميد الفوال” حيث ركب حماره من أطفيح بالجيزة إلى القاهرة وزار المقطم، وفي أثناء زيارته رأى امرأة عجوزة – القطربة – في طريق مقابر المقطم تشكو الجوع والفقر فأخذها خلفه على الحمار وما هي إلا دقائق قليلة وسقط الحمار وفوجئ بالسيدة تأكل الحمار بعد أن أخرجت كل ما يحتويه جوفه من أمعاء.
أصيب حميد الفوال بالهلع فتوجه إلى والي مصر أبي الميمون الحافظ لدين الله وحكى له ما رأى، فأمر بتوجه العساكر إلى هناك ففوجئوا ببقايا الحمار، كما رأوا أن هناك نبشاً قد جرى للمقابر والجثث الحديثة مأكولة، فامتنع الناس من الدفن في القرافة زمنا حتى انقطعت تلك الصورة.
ذكر المستشرق الفرنسي جاستون وايت رئيس دار الآثار سنة 1887 م، في كتابه “مساجد القاهرة” قصة عن الرحالة مارتين فون باومجارتن الذي زار مصر في القرن السادس عشر وحكى عنه المؤرخ أجريبا دوبينيه، أن باومجارتن زار جامع في القرفة ولاحظ أنه عندما تقام فيه الصلاة ينتصب الموتى وقوفا طوال وقت الصلاة بدون حراك وبعد انتهاء الصلاة يختفون.
كل هذه القصص التي توارثها المصريون عن القطربة جعلت السكن في المقطم أمراً صعباً بالنسبة لهم، فهو مكان جبلي يضم قبور ولا يصلح للسكن لأسباب اجتماعية وأمنية في نفس الوقت، غير أن معدلات سكن المقطم زادت مع زلزال 1992 م، حيث بدأ الناس يسكنون في المقطم بنظام العشوائيات مع محاولة لكسر حاجز الخوف تجاه الموروث الشعبي لتلك الحكايات التاريخية.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال