“وعود أخلفوها” تاريخ كذب جماعة الإخوان على أتباعها ورحلة التخلي عنهم
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
خَلَّفَت سنوات ما بعد ثورة 30 يونيو مواقف متعددة أضيفت إلى تاريخ كذب جماعة الإخوان بكافة الأشكال، غير أن الخطأ الذي وقع فيه الكثير هو الاعتقاد أن الجماعة تكذب في الشائعات؛ والحقيقة أن حتى أتباع الجماعة لم يسلموا من كذبها منذ نشأتها.
حسن البنا .. المؤسس الأول لملف تاريخ كذب جماعة الإخوان
كانت أول كذبة في تاريخ كذب جماعة الإخوان عام 1939 م حين أعلن حسن البنا انتقال عمل الجماعة من الدعوي إلى السياسي بعد 10 سنوات من تأسيسها وفي العام 1944 قرر دخول الحياة النيابية حين رشح نفسه في الانتخابات.
برر حسن البنا دخوله الانتخابات بقوله «إن النظام النيابي ليس غريبًا عن الإسلام، نحن نسلم بالمبادئ الأساسية للحكم الدستوري باعتبارها متفقة، بل مستمدة من نظام الإسلام».
يمثل موقف قتل القاضي أحمد الخازندار يوم 22 مارس 1948 المثال الأشد وقاحةً في تاريخ كذب جماعة الإخوان على أتباعها، وأوقعت الجماعة في بعضها خلال جلسة محاكمة صورية لاستبيان المسؤول عن قتل القاضي
في هذه الجلسة قال المرشد: إن كل ما صدر مني تعليقاً علي أحكام الخازندار في قضايا الإخوان هو «لو ربنا يخلصنا منه» أو «لو حد يخلصنا منه» بما يعني أن كلماتي لا تزيد على الأمنيات ولم تصل إلى حد الأمر بالقتل، ولم أكلف أحداً بتنفيذ ذلك، ففهم عبدالرحمن السندي هذه الأمنية على أنها أمر واتخذ إجراءاته التنفيذية وفوجئت بالتنفيذ.
ليقوم السندي بالرد على أسئلة عبدالعزيز قائلاً «تلقيت الأمر من الأستاذ حسن البنا، عندما يقول الأستاذ إنه يتمني الخلاص من الخازندار فرغبته في الخلاص منه أمر».
شرعنة الكذب عند البنا وصلت إلى حد رفض الصدق وتمثل قصة عبدالحكيم عابدين النموذج المثالي لهذا الكلام.
مع منتصف أربعينيات القرن العشرين بدأت الأخبار تتناثر في صفوف الجماعة حول العلاقات النسائية لـ عبدالحكيم عابدين خاصةً مع المتزوجات من الأخوات؛ وفور هذه الأخبار قرر حسن البنا فتح التحقيق برئاسة أحمد السكري وعرض النتيجة عليه، غير أن القلق ساور البعض تجاه رد فعل المرشد فتم نشر النتيجة في الصحف.
أقرت اللجنة بأن عبدالحكيم عابدين مذنباً وهو ما رفضه حسن البنا فقرر ضرب كل قرارات اللجنة بعرض الحائط وقرر تشكيل لجنة أخرى بعد أن اتهم أحمد السكري بتدبير فتنة من أجل إحداث وقيعة بين المرشد وعابدين.
شُكِّلَت لجنة أخرى للتحقيق في مسألة عبدالحكيم عابدين وانتهت اللجنة بـ 7 أصوات تدينه ووصوت واحد يرفض إدانته، وهو ما دفع حسن البنا إلى إلغاء الزيارات بين الإخوان وتقرر عقد جمعية عمومية لمكتب إرشاد الجماعة للتحقيق وهو ما رفضه أعضاء جماعة الإخوان فصدر القرار رقم 5 لعام 1947 م والذي قضى بفصل أحمد السكري وحسين عبدالرازق وتعيين عبدالحكيم عابدين وكيلا للجماعة.
إسمع منا ولا تسمع عنا .. تابوه دعاة لا قضاة
يؤكد الإخوان أن مبدأهم ليس التكفير ويدللون على هذا بموقف الهضيبي من جماعة شكري مصطفى التي قامت بتكفير المجتمع أثناء اعتقاله في عصر جمال عبدالناصر وكان موقف حسن الهضيبي هو تأليف كتاب دعاة لا قضاة والذي تسبب في انشقاقات فكرية بين الإخوان وبعضهم وهاجم التكفير والعنف.
المفاجأة أن هذا الكتاب الذي اشتهر به تاريخ الإخوان ليس من تأليف الهضيبي وإنما كُتِب برعاية مباحث أمن الدولة، ويدلل على هذا شهادة اللواء فؤاد علام حين قال «دعاة لا قضاة أخطر كتاب لحسن الهضيبى المرشد العام الأسبق صنعته مباحث أمن الدولة، وابنه مأمون كان الكوبري الذي عبرت عليه فصول الكتاب من المباحث للشيخ».
يحكي فؤاد علام في كتابه الإخوان وأنا «خططنا لأن نستغل جناحا كان معارضاً إلى حد ما لفكر التكفير، ونجح الأمن فى أن يدفع حسن الهضيبى دون أن يدرى لأن يصدر كتاب دعاة لا قضاة؛ وحقيقة الأمر فإن حسن الهضيبى لم يشارك بأى رأى أو فتوى فى هذا الكتاب ولم يفعل فيه شيئاً، وإنما تم إعداده بواسطة بعض علماء الأزهر».
تابع فؤاد علام كلامه قائلاً «شارك فى إعداد الكتاب بجانب علماء الأزهر بعض المعتقلين من الإخوان الذين كانوا يتعاونون معنا مثل عبد المتعال الجابرى وسعد الدين متولى إبراهيم ورسمنا خطة أمنية دقيقة لإدخال الأبحاث والآراء لبعض العناصر الإخوانية فى ليمان طرة، وكانوا يجتمعون بمأمون الهضيبي ويناقشونه ويسلمونه الأبحاث، ويقوم هو بنسبتها إلى نفسه ويسلمها لوالده حسن الهضيبي على أساس أنه الذى قام بإعدادها، والحقيقة أنه لم تكن له أدنى علاقة بهذا الكتاب من قريب أو بعيد».
ما قبل الحكم .. الكذب حتى في الشعار
طيلة ثلاثين عامًا كان شعار الإسلام هو الحل أبرز شعار للإخوان المسلمين حينما دخلوا الانتخابات في الثمانينيات، وصاحب هذا الشعار ومخترعه هو المؤرخ الإخواني المعروف أحمد رائف صاحب كتاب البوابة السوداء.
العجيب أن أحمد رائف نفسه لا يعرف معنى الشعار بل وهاجمه قبل أن يصل الإخوان للحكم، جاء هذا الشعار كما يذكر أحمد رائف في حواره مع جريدة النهار سنة 2010 م أنه عبارة عن كلام لا قيمة له ولا يقدم أو يؤخر وليس له أي اعتبار سياسى رغم أنه لا خطر له أو مخاوف منه.
حكى أحمد رائف قصة اختراع الشعار حين اقترحه على الإخوان في الثمانينات فترة الانتخابات، وكان كل قادة الإخوان غير فاهمين له وسألوه : ما معنى هذا الشعار؟ فرد عليهم لا معنى له هو مجرد كلمة قيلت، معترفًا بأنه غير مفهوم وأن كل الشعارات من هذا النوع لا معنى لها بالمرة لا من قريب أو من بعيد وكلام هراء.
وذكر أنه يتعجب من تمسك الإخوان بالشعار كتمسكهم بـ لا إله إلا الله .. محمد رسول الله وهو ليس كذلك، مهاجما عصام العريان المتحدث الإعلامى للإخوان بشدة عندما صرّح قبل سابق بأن الشعار من ثوابت الإخوان والدين والشعار ليس من صلب الدين وليس له علاقة بالدين نهائيًا.
الجماعة حين تأكل أولادها
ترتكن جماعة الإخوان إلى مفهوم البيعة والتي يشابه الخروج منها كالخروج من الملة، فليتزم أتباعها بتلك البيعة على أساس المُبَايَع لن يتركهم، لكن الواقع غير هذا.
أول شكل من أشكال التخلي كان البيان الذي كتبه مؤسس الجماعة ومرشدها الأول حسن البنا بعنوان «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين» في يناير عام 1949 م وقبل وفاته بشهر تعقيبًا على حادث نسف مكتب النائب العام داخل محكمة الاستئناف والذي نفذه التنظيم الخاص بهدف حرق أوراق قضية السيارة الجيب المسلحة التابعة للجماعة.
ثاني أشكال التخلي كان في السبعينيات عقب فشل عملية الفنية العسكرية تؤكد مراجع الإخوان ونصوص التحقيق مع صالح سرية عدم صلة تنظيم الفنية العسكرية بالجماعة، غير أن «طلال الأنصاري» أحد قادة التنظيم قال في مذكرته «صفحات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة من النكسة إلى المشنقة» أن صالح سرية كان عضوًا في الإخوان حتى عرضه خطة الانقلاب، ومع رسم الخطة بدأ التواصل بينه وبين الإخوان في منزل زينب الغزالي والتي لم تدين العملية ولم تبلغ عن أفرادها.
آخر أشكال التخلي كان سنة 2019 م عندما أطلق 1300 شاب منتمين إلى جماعة الإخوان ومسجونين على ذمة قضايا مبادرة مراجعات عبر رسائل موجهة إلى السلطات المصرية، أظهروا فيها تعهدًا بعدم المشاركة السياسية واعتزال العمل العام بشقيه الدعوي والخيري، فضلاً عن دفع 5 آلاف دولار كفدية أو تبرع لصندوق تحيا مصر.
اقرأ أيضًا
خائن الوطن وبائع الجماعة مرشدًا “دلالات تولي إبراهيم منير مسؤولية الإخوان”
لم يصدر عن الدولة المصرية أي بيان إزاء تلك المبادرة، غير أن إبراهيم منير «وكيل مرشد الإخوان والقائم بأعماله»، أعلن تخلي الجماعة عن الشباب ومبادرتهم معبرًا عن هذا بقوله «نحن لم ندخلهم السجن ولم نجبرهم على الانضمام إلى جماعة الإخوان، من أراد منهم أن يتبرأ من الإخوان فليفعل».
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال