صفقة حاكم مع أسيرة أدت إلى انقسام المسلمين 14 قرنا
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
اكتب في جوجل “المختار الثقفي”، أو ابحث عن كتب تتعلق بتاريخ “المختار الثقفي”، لن تجد أي شيء يريحك عقلاً، خاصةً إن أردت أن تعرف سبب انقسام المسلمين لمدة 14 قرنًا.
المختار الثقفي عند الشيعة هو الثائر لدم الحسين وآل البيت الذين قضوا نحبهم في كربلاء، بينما تراه عند السُنَّة ـ وهو أكثر نتائج البحث حصولاً ـ الرجل الأول في تاريخ التشيع الذي وضع أساس التقية، واختتم حياته بإعلانه نبياً للمسلمين.
الخلاف حول شخصية المختار الثقفي أعمق من كونه شخصية تنسب لطائفة على حالة عداء مع طائفة أخرى، ربما السبب في ذلك الظروف التي بدأت فيها قصة المختار الثقفي، لكن الحقيقة حول سبب الخلاف تكمن في تسييس الدين لأجل المزيد من الدماء، وما قيل على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا إن كان تفسير كلام النبي صحيح أصلاً.
إجمالاً فسيرة المختار الثقفي، تنحصر في أنه شخصية كاريزمية شديدة الذكاء، كان أبوه أحد الجند المخلصين لعمر بن الخطاب، ولما مات أبوه تكفل به علي بن أبي طالب في بيته، منذ طفولته، وترعرع المختار في البيت الهاشمي مع أبناء وأحفاد الإمام علي بن أبي طالب.
لم يشارك المختار في الثورة على عثمان ، لكنه وقف مع علي بن أبي طالب ضد معاوية بن أبي سفيان في معاركهما التي انتهت بأن تكون الخلافة لـ معاوية بعد اغتيال علي بن أبي طالب وتنازل الحسن عن الخلافة.
ثارت الأحقاد القديمة العتيقة بين الهاشميين والأمويين، فقرر معاوية التوريث وعهد بالخلافة لنجله يزيد ، فطلب له البيعة بالإجبار و الإكراه، اعترض الحسين على الظلم ، فخرج إلى دمشق لإظهار المعارضة مع نساءه وأتباعه، وقبيل الخروج أرسل رسولاً ليتأكد من بيعة الكوفيين له وكان رسوله هو مسلم بن عقيل، ومكث مسلم في بيت المختار الثقفي، تأخر رد مسلم على الحسين فخرج الحسين، وفي طريق خروجه وصله خبر خروج روح مسلم بن عقيل إلى بارئها على يد جند يزيد.
سُجِن المختار بينما تُرِك الحسين وأتباعه للموت يتلقفهم بالطرق المختلفة، ذبحاً وحرباً وعطشاً وسبياً، ثم خرج المختار من السجن وكان ملك الموت يعد ما تبقى من عمر يزيد الذي مات بعد 3 سنوات من توليه الأمر، أما نجله الصغير فتنازل عن الحكم وانقسمت الدولة الإسلامية برموزها حول الأحقية بحكم المسلمين.
في الشام يرى المراونيون أنهم الأحق بالخلافة لأنهم أمويون أصلاً، وفي الحجاز يرون الأحقية لحكم المسلمين عن طريقهم كون أن فيه بضعة النبي وصحبه، أما في العراق فكان المختار يعد العدة لقتل من شارك في قتل الحسين وأتباعه، فوضع يده في يد بن الزبير، ولما نشبت الخلافات بينهما قرر المختار أن يكون وحده هو اللاعب الأساسي في مباراة تصفية كل الأحياء الذين شاركوا في قتل الحسين، فقتل أكثر من 200 شخصاً وحبس 3 آلاف آخرين.
في الأساس كان الثأر للحسين هو الغصة في حلق الجميع، فالأمويون تلاحقهم الخسة لأنهم ينتسبون لمن قتل الحسين، أما الحجازيون فتلاحقهم الحسرة لأنهم لم يناصروه، بينما في العراق كان العار يلاحق أتباع الإمام علي لتخاذلهم عن الحسين، فأزيلت الغصة بكؤوس الدم التي أراقها المختار، فحدث التنافس على الحكم.
الثلاثية الدموية كان أطرافها “المختار”، و”عبدالله بن الزبير”، و “عبدالملك بن مروان”، ومسرح الدم هو العراق.
ترك عبدالملك بن مروان المختار وبن الزبير يصارعان بعضهما والرابح منهما يستفرد به هو، فانتصر بن الزبير على المختار ، ثم تمكن عبدالملك من قتل بن الزبير وشقيقه، واستتب الحكم له بعد أن جعل على العراق والياً هو الأشرس في تاريخ رجالات الدولة الإسلامية وهو الحجاج بن يوسف الثقفي.
بناءً على سلسال الدم هذا، يأتي السؤال، لماذا المختار وحده هو من عليه الكلام؟
الإجابة في ذلك تكمن في رد أسماء بنت أبي بكر بنت أبي بكر على الحجاج وقت قتله وصلبه لولدها عبدالله بن الزبير حيث قالت حديثاً عن الرسول نصه “يخرج علينا من ثقيف كذاب ومبير”، وأكملت قائلةً “أما الكذاب فعرفناه وأما المبير فهو أنت”.
اقرأ أيضا
غزالة الشيبانية..الثائرة التي فر منها الحجاج بن يوسف الثقفي هاربًا
بصرف النظر عن صحة الحديث، لكن تحديد الكذاب في الحديث بأنه المختار الثقفي كان اجتهاداً من أسماء بنت أبي بكر ضد الحجاج لأنها قالت أما الكذاب فعرفناه و أما المبير فهو
أنت، وقصدت بالكذاب المختار الثقفي، لغدره بما اتفق به مع ولدها عبدالله بن الزبير .
لكن شائعة إدعاء النبوة هي الأغرب لأنها منطقياً غير صحيحة، فهو تربى في بيت النبوة أصلاً، فلن يدعي هذا من الأساس، الصادم حقاً أن أساس اتهام المختار الثقفي بأنه مدعي النبوة كان كذبة افتعلها شقيق عبدالله بن الزبير، حيث انتهت حرب عبدالله بن الزبير مع المختار بقتل المختار وزوجته و ذبح 7 آلاف أسير ـ وفي روايات أخرى 500- وبعد قتل المختار جاء مصعب بزوجتيه كما في البداية والنهاية لابن كثير.
سأل مصعب أم ثابت بنت سمرة بن جندب امرأة المختار عنه، فقالت: ما عسى أن أقول فيه إلا ما تقولون أنتم فيه، فتركها واستدعى بزوجته الأخرى، وهي: عمرة بنت النعمان بن بشير، فقال لها: ما تقولين فيه؟، فقالت: رحمه الله، لقد كان عبدا من عباد الله الصالحين.
فسجنها وكتب إلى أخيه إنها تقول: إنه نبي، فكتب إليه عبدالله بن الزبير أن أخرجها فاقتلها، فأخرجها إلى ظاهر البلد فضربت ضربات حتى ماتت، ومن هنا بدأ التضليل الذي استمر أكثر من 14 قرن.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال