“بعد 117 سنة” موقع الميزان يفتح ملف جريمة قتل وسرقة الحجاج المصريين سنة 1904 م
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
حوادث متعددة جرت في الحج إلا أن أكثرها غموضًا هي جريمة قتل الحجاج المصريين عام 1904 م إذ كانت إعلانًا لوصول العلاقة بين مصر وشريف مكة والسلطان عبدالحميد الثاني والعربان إلى نقطة اللا عودة في البلد الحرام.
الخلفية التاريخية
كان موسم الحج محفوفًا بالمخاطر منذ القرن الـ 17 الميلادي وذلك لسيطرة العربان على طريق الحج وكان العربان مع قبائل أخرى يقومون بالسلب والنهب والقتل، فأرادت كل دولةٍ أن توفد مجموعة من العسكريين لحراسة قوافل الحجيج.
أبشع جريمة على الإطلاق كانت عام 1757 م الموافق 1171 هجري، إذ هاجمت مجموعة من القبائل والعربان قافلة بلاد الشام وأسفر الهجوم عن قتل 20 ألف حاج، وكان لها نتائج سياسية كبيرة لكنها لم تمنع العربان من الاعتداءات.
ومنذ العام 1778 م استحدثت الدولة العثمانية نظام الصُرَّة وهو عبارة عن مخصصات سنوية تدفعها الدولة العثمانية وولايتها في موسم الحج ويتم توزيعها على 4 أقسام «مخصصات لأهالي مكة، ومخصصات لأهالي المدينة، ومخصصات لأهالي القدس، ومخصصات العربان بهدف منعهم من الاعتداء على الحجيج، وساهم نظام الصرة في تقليل الحوادث، لكنه لم يمنعها.
موسم الحج 1321 هـ/ 1904 م في مصر
كان بدء سفر الحجاج المصريين إلى مكة يوم 21 ذو القعدة عام 1321 هجري الموافق 8 فبراير 1904 م، ومبكرًا استعدت الحكومة المصرية لهذا الموسم وخصصت مبلغ 2575 جنيه للعربان من أجل إتقاء شرهم.
وصدر قرار يقضي بأن يتولى إبراهيم باشا رفعت إمارة الحج المصري، بينما يتولي أحمد بك زكي أمانة الصُرَّة المصرية، وبدأ الإحتفال بكسوة الكعبة في 18 يناير 1904 م وفي 2 فبراير من نفس العام تم كتابة إشهاد تسلم كسوة الكعبة وبعدها بـ 48 ساعة كان حفل طلعة المحمل وبدأ التحرك إلى السويس من أجل السفر بحرًا.
كان عدد الحجاج المصريين في هذا الموسم 1241 حاج (194 حاج بًّرا + 1047 حاج بحرًا على باخرتين، الباخرة الأولى اسمها الرحمانية وضمت 599 حاجًّا والباخرة الثانية هي مسير وضمت 448 حاجًّا)، وكان وصول الحجاج عن طريق البر أسرع لأنهم سافروا قبل موسم الحج بأشهر قليلة.
تفاصيل جريمة قتل الحجاج المصريين
بدأت الجريمة في ظهر 17 ذو القعدة عام هـ الموافق 4 فبراير 1904 م حيث قام العربان بالسطو على قافلة في منطقة بجرة بين جدة ومكة وقتلوا عددًا من الرجال والنساء وأصابوا الثيرين وسلبوا المتابع والنقود والحلي، وكان أكثر الضحايا من المصريين.
أسماء شهداء ومصابي الحجيج المصري في موسم 1321 هـ/ 8 فبراير 1904 م
استشهد من الحجاج المصريين 6 أشخاص وهم «الجندي أحمد شهاب الدين من القاهرة حيث استشهد برصاصة أعرابي أثناء حراسته للمحمل داخل الحرم المكي، ومحمد أبو عامر من محافظة الغربية، وأحمد الصياد من سنديون محافظة الغربية، إلى جانب 3 مجهولي الهوية من محافظة الغربية».
أما إجمالي المصابين فوصل عددهم إلى 30 شخصًا وصُرِف لهم 124 جنيهًا كتعويض عن أموالهم التي نُهِبَت، وجاءت التعويضات كتبرعات من أهل الخير لكل من تضرر في حفلٍ كبيرٍ سرد تفاصيله إبراهيم باشا رفعت في الجزء الثاني من كتاب مرآة الحرمين.
ردود الفعل
أثارت هذه الحادثة ثائرة العديد من رموز الفكر والدين في العالم الإسلامي، وشنت الصحف حملات عنيفة على الشريف عون الرفيق الذي اعتبره الكثيرين هو المسؤول الأول عن الاعتداء.
كانت جريدة المؤيد المصرية واحدةً من الصحف المصرية التي شنت حملة بلا هوادة على مدار عددين، كان الأول في 9 إبريل عام 1904 م، وقد اتهمت الحكومة المصرية بالعجز عن ضبط 4 من الأعراب، ثم شنت هجومًا على شريف مكة لأنه لم يراعي ظروف الحجاج وأصر على أن يدفعوا مخصصاته ومخصصات السكة الحديد أيضًا، بالإضافة إلى أنها ذكرت أن أمير الحج المصري يُحْسَب له أنه أنقذ ما يمكن إنقاذه خاصةً وأن الحكومة المصرية لم تدعمه وفي ذلك الشيء قالت الجريدة «سعادة أمير الحج المصري خفف ويلات بعض الجرحى والمنهوبين فجمع لهم ما استطاع من مال واستأجر لهم جمالاً بأجرة مناسبة وأسعف المجروحين، ولولا تداخله عند الشريف لعظمت الشدة على الحجاج المصريين».
وفي 14 إبريل عام 1904 م، كتب محمود أنيس المحرر في جريدة المؤيد مقالاً بعنوان الخطر على الإسلام، وقد هاجم الشريف عون الرفيق ووصفه بأنه طاغي في ظل الكعبة، ورأى ضرورة تدخل الدولة العثمانية.
ومن ضمن الذين هاجموا الشريف عون إبراهيم المويلحي مقالاً في المؤيد بعنوان «عريضة مفتوحة لجلالة سيدنا ومولانا الخليفة»، وقد طالب السلطان عبدالحميد الثاني بالتدخل وضرورة عزل الشريف عون، والذي اتهمه صراحةً بالفساد.
أما أمير الشعراء أحمد شوقي فكتب قصيدة بعنوان ضجيج الحجيج ورفعها إلى السلطان عبدالحميد الثاني ليعزل الشريف عون، وقد نُشِرت القصيدة في جريدة اللواء عدد 1383 يوم الخميس 28 محرم 1322 هـ، الموافق 14 إبريل سنة 1904 م
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال