“مالم يُحْكَى عن مذبحة الأطفال” .. تلاميذ هُجِّروا من سيناء فقتلهم الفانتوم في بحر البقر
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
صباح مشرق في يومٍ خريفي على قرية بحر البقر في مركز الحسينية محافظة الشرقية، زروع خضراء تكتظ بالفلاحين العاملين، ومواصلات متواضعة لنقل الموظفين، بينما صوت التلاميذ في المدرسة يعطي بريق الحيوية البريئة التي تريد أن ينتهي اليوم القبل الأخير من أسبوع الدراسة حتى يهنأوا بأجازة الجمعة.
كانت مدرسة بحر البقر من طابق واحد يشمل 3 فصول بحيز 150 طفلاً، وغرفة مدرسين واسعة بـ 12 مكتب، فضلاً عن غرفة مجاورة لـ 6 إداريين، وفي الأسفل مكتب الناظر واستراحة واسعة للعمال البالغ عددهم 23 رجلاً.
جاءت الساعة التاسعة والثلث صباح يوم الأربعاء 8 أبريل سنة 1970 م، وارتفع صوت تلاميذ مدرسة بحر البقر لدقيقتين من المرح، ثم صمتوا خوفاً بعد أن سمعوا الطائرات فوق مدرستهم، ربما لم يعتادوا أن يسمعوها وظنوا أنها استعراض للقوات الجوية المصرية في حرب الاستنزاف.
استغرقوا أقل من دقيقة في صمت مرتجف بالخوف، حتى سكتوا نهائياً وإلى الأبد بقصف طائرات الفانتوم الإسرائيلية، في مذبحة سطرتها إسرائيل في تاريخها الدموي وأدت جريمتهم هذه إلى استشهاد 30 طفلاً وإصابة مالا يقل عن 50 شخص بين مدرس وعامل.
لم يتوقع أحد أن يأتي الموت بهذه الصورة البشعة والغريبة فإن الصهاينة بفعلهم هذا دخلوا إلى أعماق مصر جغرافياً ليضربوا شعب مصر في عمقهم قلبياً، وبررت إسرائيل عن طريق موشيه ديان بأن المدرسة هدف عسكري و الأطفال الموجودين بها “للتمويه”، بينما المجتمع الدولي وقف على الحياد، ومنهم من أدان إسرائيل على استحياء.
قرية بحر البقر منكوبة دائماً، حتى اسمها نفسه جاء نتيجة كارثة طبيعة، فهي لم تكن معروفة إلا أنها قرية مصرف الري، لكن مع منتصف القرن التاسع عشر كانت تجمعات سكنية للبدو من رعاة البقر على ضفاف بحيرة المنزلة، وبالتوازي مع ذلك كان بداية توسعة حفر مصرف الري الزراعي، ووقعت الكارثة حيث غرقت مجموعة كبيرة من الأبقار داخل مياه المصرف، وسُمِّيت القرية بعد ذلك باسم “بحر البقر”.
حفظ التاريخ اسم 19 شهيداً من ضحايا مدرسة بحر البقر، لكن هناك جانباً لم يُروَى بعد في تاريخ مذبحة بحر البقر، وهو جانب شديد المأساة ونُشِر في خبر صغير بجريدة الأهرام عدد 24 إبريل سنة 1970 م.
يحكي الشيخ سليمان محمود اليماني شيخ قبيلة بير العبد والنجيلة لمحرر الأهرام، أن هناك تلاميذ من قرية رمانة في بئر العبد بشمال سيناء، قد استشهدوا في ظروف مماثلة بعد نكسة 1967 م، ومع قرار الحكومة بتهجير الأهالي، سافر أغلبهم لمحافظات القناة، ومنهم من ابتعد أكثر حتى استقر في الشرقية.
قمة المأساة في الحكاية التي يرويها الشيخ سليمان، أن الذين هربوا من مدرسة رمانة في بئر العبد وتم تهجيرهم للشرقية، قد التحقوا بمدرسة بحر البقر، وماتوا بقصف إسرائيل، فقد هربوا من الموت في مسقط رأسهم، ثم نالهم بنفس الطريقة لكن في بلاد الغربة والتهجير.
إقرأ أيضاً
موقع الميزان يحاور الناجين من مذبحة أسيوط يوم 8 أكتوبر 1981 م بعد ذكرها بمسلسل الاختيار 2
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال