زرياب وسقوط الأندلس .. تسطيح التاريخ من أجل إخفاء العار

وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع

كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال

ربط راغب السرجاني في كتاب الأندلس من الفتح إلى السقوط بين زرياب وسقوط الأندلس عام 1492 م، بعد فترة حكم إسلامي لها دامت 8 قرون، إذ اعتبره سببًا في المجون الذين أنزل الغضب الإلهي على الأندلس فذهبت من أيدي المسلمين.

ما ذكره راغب السرجاني ليس جديدًا فقد سبقه كثيرين من المؤرخين ذوي النبرة المتدينة وتبنوا وجهة نظر تقول أنه بسبب مجالس الموسيقى انتهى حكم الإسلام للأندلس.

زرياب وسقوط الأندلس .. أكذوبة

لا يمكن بأي حال من الأحوال الربط بين زرياب وسقوط الأندلس لأسباب تاريخية وعقلية، فأولها أن الأندلس في الحكم الإسلامي كانت تعرف الموسيقى والمطربين من قبل زرياب واشتهر مطربين في بلاط الخلفاء مثل زرقون وعلون ومنصور والعجفاء.

الأمر الثاني أن الأندلس سقطت بعد استقرار زرياب فيها بـ 635 سنة فقد وصلها سنة 822 م وبقي فيها حتى موته سنة 857 م، أي ظلت بعده لمدة 6 قرون.

أجواء الغلو في الترف بدأت فعلاً بعد زرياب غير أن هناك ثمة عوامل سياسية هيأت المناخ لسقوط الأندلس أبرزها بلا شك الحروب التي نشأت بين حكامها في فترة ملوك الطوائف، فلا يمكن اختزال ذلك كله في زرياب.

زرياب وبصمة في تاريخ بعثات أوروبا للأندلس

معزوفات أندلسية - قصة بياض ورياض — معزوفات أندلسية – قصة بياض ورياض

أوفدت أوروبا عددًا من البعثات إلى الأندلس كان من ضمنها بعثة ضمت 700 طالب وطالبة من ألمانيا وفرنسا سنة 829 م، وجمعيهم درسوا في مدرسة الموسيقى التي أسسها زرياب وكانت تعلمهم أصول الموسيقى والغناء والعزف على مختلف الآلات، فضلاً عن فنون الشعر والرقص .

وتواصلت هذه البعثات من أوروبا على مدرسة زرياب وتعلموا فيها بدراسة وافية، ثم رجعوا إلى بلادهم ونقلوا إليها علوم الموسيقى العربية وفنونها وآلاتها، فكان ذلك بمثابة بذور النهضة الموسيقية في أوروبا.

مع القرن القرن الحادى عشر ظهرت جماعات الطروبادور في جنوب فرنسا وألمانيا وكانوا يتغنون بأوزان شعرية جديدة جميعها مستمدة من ألوان الموشحات والأزجال والألحان الأندلسية.

إقرأ أيضا

ضابط من نكسة يونيو يتكلم (2-3) بير تمادا وبطولة قضت عليها العشوائية

في كتابها شمس الله على الغرب .. فضل العرب على أوروبا خصصت سيغريد هونكه فصلاً عن زرياب بعنوان الحياة على نغمات الموسيقى قالت فيه «تدين أوروبا إلى العرب في أكثر آلاتها الموسيقية بعد أن أهدت لبيزنطة آلات الأرغن والقانون والجنك، وقد جاءت كثرة هذه الآلات العربية عن طريق إسبانا إلى أوروبا، وبينما نجد الموسيقيين الأوروبيين يعتمدون على ضبط الآلات الوترية على الأذن، نجد طالب الموسيقى في مدرسة زرياب يتعلم العزف بالعفق على دساتين وضعت على رقبة العود والجيتار قد قيست عليها المسافات الصوتية قياسا دقيقا وتعد هذه من المزايا الكبرى التي حببت الآلات الموسيقية العربية إلى الأوروبيين».

أما كورت ساكس في تاريخ البيانو فيقول «من الثابت أن جميع آلاتنا الموسيقية مصدرها الشرق، وقد انتقلت منه إلى أوروبا بأكثر من طريق، والآلة الوحيدة التي كانت تعتز أوروبا بأنها من مبتكراتها هي البيانو، لكن ثبت أن هذه الآلة مصدرها عربي أندلسي، لأن أقدم لفظ أوروبا أطلق على هذه الآلة في اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية هو Echiquier وهو اللفظ العربي الشقير وكان يطلق حتى القرن الرابع عشر على آلة صغيرة ذات مفاتيح سوداء فبيضاء على التوالي وكانت توضع على المنضدة أثناء العزف، وتعتبر هذه الآلة إحدى الحلقات الأولى التي تطورت منها آلة البيانو، الإسم ليس له صلة في المشرق العربي، لكن المعتقد أنها إحدى مبتكرات زرياب في الأندلس»