العلمانية هي الحل 07) التشدد يدمر الدين.. ويسبب الالحاد
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
الحلقة دي هنتكلم من زاوية سبق نوهت عنها في الحلقة التانية، وهي الخطورة اللي بيشكلها تغول الخطاب الديني على الدين، أيوه.. تغول الخطاب الدين ع الحياة العامة بيكون له ع المدى البعيد خطورة على الدين ذات نفسه.
ومافيش إنسان عاقل يقدر ينكر أهمية الدين، في حد ذاته، كجانب روحاني للإنسان عمومًا وكمرجعية أخلاقية لنسبة مش قليلة من مجتمعنا.
إطلالة على روسيا القيصرية
لزمن طويل جدًا الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كان ليها دور رئيسي وضخم في إدارة روسيا القيصرية، من أول إنها بتدي للقيصر الشرعية الإلهية في الحُكم مرورًا بدور السجل المدني من تسجيل المواليد والوفيات وصولًا للسلطة المطلقة ع الجواز.
هيمنة الكنيسة الروسي حافظ على استمرار الإقطاع في الإمبراطورية منذ نشأتها لغاية 1861، عكس باقي أوروبا اللي دخلت عصر الثورة الصناعية والتحرر قبلها بسنين طويلة. بالتالي كانت الكنيسة هناك سبب رئيسي ومباشر في استمرار العبودية بشقيها (الرق الكلاسيكي – قن الأرض)، بجانب باقي المنظومة من وجود أعيان ونبلاء “بالوراثة” (حاجة زي بيه وباشا كده حدانا) وكنيسة شديدي الثراء… وشعب واكل هوا.
قن الأرض
“أقنان الأرض”.. ده كان التصنيف اجتماعي الاجتماعي للفلاحين في عصر الإقطاع، وده شكل من أشكال العبودية بس كان الواقع تحته بيتعامل كجزء من الممتلكات الزراعية للأقطاعي.
يعني مثلا لما ييجي الدوق آرثر يهادي الكونتيسة الحافية بـ”ضيعة”، بمناسبة جوازهم، بتكون الهدية باكدج بيضم كذا فدان من الأرض وكذا بير مية وكذا حصان وكذا بقرة وكذا فلاح.
المجتمع الإقطاعي بقى كان بيتكون من الضيعات الإقطاعية المقسمة اجتماعيا بالشكل ده. بس بعد عصر النهضة، والطاعون، الموضوع ده بدأ يختفي تدريجيًا من غرب أوروبا، بس فضل راسخ في الكتلة الشرقية بقيادة روسيا القيصرية.
كان للأقنان أربع طرق للحرية: يشتري حريته من الإقطاعي بالفلوس، الأقطاعي من نفسه يعتقه، يدخل الجيش، أو يموت.
الكنيسة الروسية VS الثورة البلشفية
مآسي الفترة دي بالنسبة للشعب الروسي إتكتب فيها مجلدات، وكانت نتيجة ده أن الثورة البلشفية لما قامت ضد القيصر.. رجال الدين والكنيسة وحتى الدين شخصيًا كانوا في مرمى نيران غضب الثوار البلاشفة.
إندلعت الثورة البلشفية سنة 1917، وكان من أهم أهدافها فصل الدين عن السياسة، بس البلاشفة ماوقفوش عند النقطة دي (اللي هي العلمانية) إنما ناصبوا المؤسسة الدينية والدين نفسه العداء، عشان يتحولوا لدولة دينية/عقائدية بس من الناحية التانية.
صدرت قرارات بمصادرة ممتلكات الكنيسة، واعتقال كبار رجال الدين ومحاكمتهم وإعدام بعضهم، وأي رجل دين “حتى لو راهب” كان بيعترض على المصادرات أو حتى عمليات النهب العشوائية كان بيُعدَم على الملأ.
مش بس كده.. الأمر وصل كمان إن الثوار كانوا بينبشوا قبور القديسين عشان يكشفوا للجماهير أن جثثهم بياكلها الدود عادي جدًا مش زي ما الكنيسة كانت بتقول إن أجسادهم محرمة ع الأرض.
وتطور الوضع لغاية ما وصل لتأميم مباني الكنايس وتحويلها للاستخدام لأغراض تانية أو حتى تتهد خالص.
هنا والآن
خلال الحلقات اللي فاتت شفنا نماذج متنوعة للأزمات المجتمعية الناتجة عن هيمنة الخطاب الديني على الحياة العامة، والأزمات الناتجة عن أعتماد الآراء الفقهية كمرجعية للقوانين الرسمية للدولة.
شوفنا مثلًا أن فيه ناس أسر فقدت أحباءها أو ناس عايشة بأمراض مزمنة بسبب تعطيل الخطاب الديني لسن قوانين تنظم وتسهل التبرع بالأعضاء.
أزاي بسبب المرجعية الدينية للسلطة التشريعية مش قادرين نعمل قانون ينظم التبني بالتالي يحد من ظاهرة الأطفال اللي بلا مأوى، وأزاي أن بسبب قضية زي بتاعت الطفل شنودة أتفتح حوار مجتمعي واسع أكتشف خلاله ناس كتير أن “الدين” هو سبب مآساة الطفل ده (وأكيد طبعًا الحقيقة دي هتوصل بشكل أو بأخر للأطفال دول نفسهم).
زي ما شوفنا أزمات الجواز الديني، ومدى تسببها في مآسي فردية وكوارث جماعية.
كمان راجعنا سوا بعض معارك الدين مع العلم التجريبي، واللي دايمًا بيطلع العلم فيها هو الكسبان.. وبيطلع الخطاب الديني بالشكل الكوميدي ده.
سؤال الحلقة
فيبقى السؤال بقى ضحايا الأزمات دي كلها، وباقي الناس اللي شايفة المشاكل دي بعنيها.. وفي نفس الوقت كلهم شايفين حلولها المتوفرة في أماكن تانية من العالم. الضحايا دول هيفكروا إزاي تجاه الحياة والدين؟
الأجيال المتعلمة والمُطلعة دلوقتي بسهولة على أحدث ما توصل له العلم عن طريق الأنترنت، وفي نفس الوقت بتسمع خطاب ديني (برضه من الأنترنت) بيقول عكس اللي بيشوفوه بعيونهم وبيدركوه بحواسهم المختلفة وبيتم إثباته قصادهم بالتجربة العملية والمعملية.
الضحايا دول وبعد كل ده هيستحملوا لحد فين.. قبل ما يتجننوا زي البلاشفة ضد “الدين” ومؤسساته؟
ختام
الحلقة الجاية، واللي غالبًا هتكون الأخيرة، هنرجع لنقطة سبق نوهت عنها في الحلقة التانية، ونحاول ندور على أسبابها.
ملخص ما نُشر
أول حلقة تعريف العلمانية.. بعيد عن الهبد والتدليس.
التانية تأكيد على أزمة الدين مع الحداثة.
التالتة شرح أزاي التدين بيوقف الحال.
الرابعة توضيح علاقة التدين بالتخلف العلمي.
الخامسة استعرضنا أزمات الجواز الديني.
وفي سادس حلقة أكتشفنا علاقة الأحتكام للشريعة الإسلامية بظاهرة “التشرد الأطفالي“.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال