“اعتقال رئيس بلدية” في تركيا يثير التساؤلات حول فساد السلطة والحزب الحاكم

تركيا البلد المنكوب الذي يعيش أسوأ أيامه في أثر الزلازل المسماه بـ “كارثة العصر” التي تصادفت مع اللحظات الحرجة قبل السباق الرئاسي، الحسابات السياسية اهتزت أكثر مما اهتزت الأرض وهنا لم تعد الأمور كما توقع الجميع؛ في ظل تراجع غير مسبوق لشعبية حزب العدالة والتنمية والرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، تأتي ضربة أخرى تلقي بمبررات الإهمال التي تداولتها الصحف الداعمة للحكومة عرض الحائط.

في ظل حملة الاعتقالات التي أعلن عنها وزير العدل التركي بكير بوزداغ منذ أيام والتي غطَّاها موقع الميزان تم إلقاء القبض على 184 شخصًا بين مقاول ومعماري، إلا أن المسئول الوحيد الذي انضم لقائمة الاعتقالات- كبش الفداء- كان “أوككش قاواق” رئيس بلدية نورادغي التابعة للولاية المنكوبة غازي عنتاب أحد أكثر المدن تضررًا من زلازال السادس من شباط/ فبراير.

وفقًا لتصريحات وزير البيئة والعمران التركي مراد كوروم أنهت الوزارة 90% من أعمال معاينة الأضرار الناتجة عن الزلازل، وتبين تضرر أكثر من مليون وربع مبنى منهم 164 ألفًا انهاروا بالكامل أو سيتم إكمال هدمهم لعدم الصلاحية. أثناء أعمال الحصر تلك تتكشف الحقائق بين طمع المقاولين أصحاب الأُساسات المهترئة وتصريحات البناء التي أصدرها المسئولين الفاسدين متسببةً في إزهاق أكثر من 50 ألف روح؛ المقبوض عليهم لم يزودوا أنفسهم سوى بدعوى الحصول على تصاريح رسمية وصحيحة من البلديات المسئولة عن مشاريعهم.

“قاواق” وأقرانه من أعضاء العدالة والتنمية يواجهون قضايا فساد وقتل بالإهمال

وفقًا لصحيفة “جمهوريت” تم القبض على قاواق في مقاطعة مرسين- دون الإعلان عن محاولة هرب- على خلفية تورُّطه في أعمال بناء لمبانٍ غير مطابقة للمواصفات راح تحت أنقاضها عشرات الأرواح؛ فقد شغل منصب رئيس بلدية نورادغي منذ 2019 وعضوًا في مجلس بلديتها منذ 2004 ممثلًا لحزب العدالة والتنمية. قاواق الذي جاء من خلفية ملتزمة وتخرَّج في معاهد دينية، يواجه اتهامات باستغلال منصبه ضمن التحقيق الذي بدأه المُدَّعي العامّ للبحث خلف قضايا الأهمال المُفضي إلى القتل.

كانت كلمة السر التي ورَّطت قاواق رئيس بلدية نورادغي في القضية رُغم منصبه هي “يونس قايا“ المقاول ورجل الأعمال العضو بحزب العدالة والتنمية، إضافةً لكونه عضو بلجنة تقسيم الأحياء التابع لبلدية نورداغي، والذي طالته حملة اعتقالات المقاولين وخضع في عقبها لتحقيق قاد السلطات إلى شريكه “عثمان قاواق”، تبين فيما بعد أنه شقيق عمدة المدينة المقبوض عليه.

في التصريح الوحيد الذي أدلى به العمدة المتهم بإصدار تصاريح بناء دون معاينة وتفتيش عمليات البناء بعد التحفُّظ عليه دافع عن نفسه قائلًا “لقد فقدت الكثير من الأقرباء تحت الأنقاض، وعملي في المقاولات سبق وظيفتي الحكومية، فقد أصبحت الشركة باسم أخي عثمان بعد تولِّي مهام منصبي”.

رئيسة شعبة المعماريين بأنقرة: اعتقال المهندسين سترًا لعورة النظام

اعتقال هذا الكم من الشخصيات لم يكفي لإسكات غضب الجماهير- الناخبين مستقبلًا-، فالأصوات التي كانت يومًا ما من أشد مناصري الحزب الحاكم انتقلت للمعارضة مدفوعة بالغضب المُبَرَّر؛ سعيًا لمحاولات تسكين تلك النِقمة أُعلِن الحكم على أربعة من أعضاء غرفة المعماريين بشعبة أنقرة بالسجن عام و8 أشهر بتهمة “الترويج لمنظمة إرهابية”؛ بعد إدلائهم بتصريحات لتليفزيون JIN TV الداعم لحزب العمال الكردستاني المصنَّف إرهابيًا.

الأمر الذي استنكرته رئيسة الغرفة والمحكوم عليها ضمن القضية حيث صرَّحت بأن تلك الاعتقالات لم تكن إلا وسيلة لستر عورة إجرام الحكومة، وأن الحكم صدر بشكل سياسي بحت من سلطة عجزت عن انتشال المصابين من تحت الأنقاض وتحاسب المعماريين الذين كافحوا لإنقاذهم؛ موضحةً أنهم لا يقبلون الحكم.

إقرأ أيضا

“الحكومة تؤدي اليمين غدًا” دلالات التغيير الحكومي ولماذا تم دمج وزارات

الأمر الذي يجعل الرؤية أكثر ضبابية وسط عزوف الحكومة وحزبها عن الإجابة عن علامات استفهام كبيرة، وتحرُّكات ثابتة تكشف الأسوأ في ظل دعوات المعارضة متزايدة الشراسة، في وقت تدق فيه عقارب الساعة مُعلِنةً اقتراب انتخابات أعجزت الخطط والتوقُّعات.