همتك نعدل الكفة
175   مشاهدة  

أطفال القمر.. معاناةٌ مع مرض فتاك تفتقد للرعاية وتسليط الأضواء

أطفال القمر


لو ألتقيتك ذات مرة مترجلًا وقتما تكون الشمس في ذروة توهجها ويبدو عليك علامات الإرهاق الشديد إثر حرارة الشمس المرتفعة وقلت لك احمد الله فيالك من مُنعّم مُعافى، ستتعجب مما تلفظت به وستقول في سريرتك ما علاقة هذا الكلام بالحال الذي أنا عليه!، وقد قرأت أنا هذا التعجب من عينيك وأنت تقرأ الآن، سيتضح المعنى المقصود بإطلاعك معي على حياة باتت مستحيلة لفئة مهمشة تمامًا ويجهلها الكثيرون ألا وهم “أطفال القمر”.

لطالما سمعنا جملة تردد كثيرًا ألا وهي “لكل داء دواء” لكن تخيل معي شعور أطفال القمر وهم دائمًا ما يستمعون إلى الإجزام بعدم توصل الأطباء والعلماء إلى علاج جذري وفعال حتى الآن، رُغم اكتشاف هذا المرض لأول مرة منذ عام 1870م، فيظل هذا الكابوس الذي يراودهم ملازمهم حتى الوفاة وسط مجتمع قاسي لا يرحم حيث يزيد الناس من الحالة النفسية السيئة لهؤلاء المرضى بالتنمر أو القيام ببعض الأفعال التي قد تشعرهم بالتقزز أو محاولة الابتعاد عن قربهم أو ملامستهم أو السؤال عن سبب حالتهم المرضية بأسلوب فيه حدة دون تلطف.

 

الأورام السرطانية تهدد حياة أطفال القمر

لكي نستشعر صعوبة هذا الكابوس يجب علينا التعرف على تشخيص المرض ومعرفة أسبابه وأعراضه وسيتضح كل ما ذكرته خلال هذا المقال، أطفال القمر هو تعبير فيه بعض اللطف عن مرض فتاك يدعى جفاف الجلد المصطبغ “Xeroderma pigmentosum”، وهي حالة مرضية وراثية نادرة جدًا تصيب واحد من كل 250 ألف شخص حول العالم، وتعتبر الشمس هي عدوهم الأول حيث أن الأشعة فوق البنفسجية تضر بهم بشكلٍ كبير وقد تتسبب في ظهور بعض الأورام السرطانية في أجسادهم، وتنتشر حالات أطفال القمر في اليابان ودول شمال إفريقيا وخاصةً دولة المغرب التي تعتبر الأولى عالميًا في انتشار هذا المرض.

وحسب تشخيص الأطباء فإن جفاف الجلد المصطبغ يحدث نتيجة التزاوج بين ذكر وأنثى حاملين لصبغ معين ويكون متنحي عند الزوجين أي لا يظهر عليهم هذا المرض بتاتًا لكن التقاء الصبغين يُنتِج طفل مصاب بهذه الحالة المرضية، لذا فإن هناك بعض الدراسات أكدت أن زاوج الأقارب أحد العوامل التي تزيد من ظهور حالة أطفال القمر، والتي ينتج عنها غياب بعض الإنزيمات المسؤولة عن إصلاح تلف الحمض النووى الوراثى الناتج عن طفرات يسببها التعرض للأشعة فوق البنفسجية.

 

المرض متعدد الأعراض لكن الخطر يحيط بالجميع

وفي الغالب تبدأ أعراض المرض في الظهور منذ الصغر وخاصة في الثلاث الأعوام الأولى من عمر الطفل بعد تكرار تعرضه لمصادر الضوء المشعة للأشعة فوق البنفسجية كالشمس أو المصادر الصناعية (المصابيح)، وينقسم جفاف الجلد المصطبغ إلى عدة أنواع تختلف من ناحية عمر الظهور وأعراض المرض و حدته لكن تشترك جميعها في خطورتها على حياة الإنسان.

أطفال القمر
أعراض المرض النادر “جفاف الجلد المصطبغ”

يظهر المرض أحيانًا في صورة حروق ونتؤات وبعض التشوهات بالجلد و مع تفاقم المرض تظهر بقع سوداء كالنمش على الوجه والرقبة والشفتين، ويؤثر أحيانًا على حاسة السمع والعينين ويُحدث التهابات شديدة بها ما قد يعرض لفقدان حاسة البصر تدريجيًا، وهناك بعض الحالات المستعصية التي يُعيقها المرض عن التقدم كأمثالهم بالمرحلة العمرية وذلك نتيجة تأثر الجهاز العصبي فيجعلهم متأخرين في الكثير من النشاطات كالتأخر في الكلام والتأخر الدراسي، كما قد يجعل منه شخصًا انطوائيًا لا يجيد إنشاء العلاقات وهذا ما يجب ملاحظته من قِبل أسر أطفال القمر.

 

دور أسر مرضى جفاف الجلد المصطبغ يستحق الإشادة

قد تعتقد أن صعوبة المُصاب ينال من الشخص المريض فقط، لكن الحقيقة أن الأسرة تعاني الكثير في ظل التخبطات في تشخيص المرض النادر في المعلومات والإرشادات المذكورة عنه كندرة حدوثه، ولأن للأسرة دور كبير في تهيئة طفلهم المصاب في لمواجهة الحياة الخارجية وتحدياتها، ودعمه معنويًا لزيادة ثقته بنفسه وحثه على التصدي للمتنمرين عليه يوميًا في المجتمع المحيط به سواء بالعائلة أو المدرسة أو الشارع بكل ثبات.

وتتأثر الأسرة أيضًا بالمعاناة من التهميش لهؤلاء المرضى وخاصة في الشرق الأوسط فليس هناك مؤسسات أو جمعيات ترعاهم أو تستمع لاحتياجاتهم أو تلبية متطلباتهم التي تستورد بعضها من الخارج فهناك بعض الدول الغربية تهتم بأطفال القمر اهتمامًا بالغًا رغم قلة عدد المصابين بهذا المرض بها، إلا أنها توفر لهم فترات ليلية بالمدارس والوظائف حتى لا يتعرضون للأشعة الضارة بأجسادهم، ومراكز ترفيه حتى يتقابلون مع أشباههم وينشئون مجتمع صغير يشعرون بالانتماء إليه ولا يعانون من الشعور بالوحدة في المجتمع، كما ابتكرت وكالة ناسا قناعًا لأطفال القمر يحميهم من أشعة فوق البنفسجية يجب عليهم ارتداؤه حين اضطر المريض بالتعرض للشمس، وهذا ينقلنا إلى نقطة مهمة وهي صعوبة اقتناء هذه الأقنعة بسبب قلة العدد والإمكانيات فهذه الأقنعة المستوردة باهظة الثمن عادةً، علاوة على ذلك فهناك الكثير من أسر المرضى يعانون من غلاء المستلزمات الطبية والتي من الواجب استخدامها بشكل دوري كالكريمات الواقية من أشعة الشمس وغيرها من المرطبات الطبية المخصصة لهم.

 

توعية ثلاثية الأبعاد

وبما أن مريض جفاف الجلد المصطبغ ليس أمامه أمل في البُروء، لذلك تعتبر التوعية أهم الأمور التي يجب مراعاتها وتتمثل في عدة محاور:

– توعية المريض إن كان بعُمْر يسمح بإستيعاب طبيعة المرض وطرق الوقاية وخطورة مضاعفاته التي قد تصل إلى سرطان الجلد، لكن يجب أن تكون تلك التوعية بحكمة حتى لا تصيب المريض بإحباط وكأنك وضعته “قدام حيطة سد” مثلما نقول في بلادنا.

إقرأ أيضا
الدكتور شريف فاروق وزيرا للتموين

 

– إن كان المريض في السنوات الأولى من عمره فهنا تكون التوعية من نصيب أسرة المريض، وتنقسم إلى قسمين القسم الأول هي التوعية صحية المتعلقة بخطورة المرض والإرشادات الطبية الوقائية التي يجب إتباعها كتوفير المستلزمات الطبية اللازمة وبالأخص الكريمات الواقية التي تعتبر هي الأهم على الإطلاق حيث ينصح باستخدامها حتى داخل المنازل للحماية من أشعة بعض المصابيح، وكذلك الحرص على اقتناء الأقنعة المخصصة والملابس التي تمكنهم من تغطية أجسامهم بالكامل، بإضافة إلى متابعة شرب المريض لكميات جيدة من المياه للمساهمة في الحد من توغل المرض، وكيفية توفير البيئة المناسبة للمريض فهناك بعض التوصيات بأفضلية مكوث أطفال القمر في غرف مظلمة أو على الأقل إغلاق النوافذ وأماكن نفوذ الضوء إلى الداخل أو تغطيتها بشكلٍ ما، وتوصياتٌ أخرى تنصح بتواجد المريض في أماكن ذات درجات حرارة منخفضة أو استعمال المكيفات في البلاد ذات درجات الحرارة المرتفعة.

أطفال القمر
الأقنعة المخصصة لأطفال القمر عند التعرض لأشعة الشمس

أما القسم الثاني في توعية الأسرة ألا وهي التوعية النفسية التي تساعدهم على تقبل الأمر ومحاولة التأقلم مع الوضع الصعب من متابعات مستمرة وتكاليف باهظة، وتمكنهم أيضًا من دعم المريض خاصتهم لمواجهة تحديات الحياة التي قد تكون في غاية القساوة، فقد فُرض عليهم الحبس داخل المنازل وعدم التمتع بالنزهات واللعب مع أقارنهم وحين يخرجون يتعرضون لمضايقات شتى من أناس انتزعت من قلوبهم الرحمة.

 

– بما أننا ذكرنا مضايقات بعض الناس لأطفال القمر، يجب علينا توجيه القنوات التلفزيونية أو المؤسسات بالسعي لتوعية المجتمع بهذه الفئة التي قد يكون أحدهم يقرأ عنها الآن لأول مرة، والتوضيح بأن جفاف الجلد المصطبغ مرض غير معدي حتى تزيد نسبة الوعي فتقل نسبة الاعتداءات بالقول أو بالفعل أو المحاولات بالابتعاد عن ملامسة هؤلاء المرضى أو التعامل بحذر و جُل هذه الأفعال ذات التأثير السلبي على مشاعرهم.

عزيزي القارئ.. إذا أردت أن تستشعر ولو جزءًا يسيرًا من معاناة أطفال القمر أو تطلع على صعوبة التأقلم مع المرض في ظل تنمر الآخرين، أنصحك بمشاهدة الفيلم الأمريكي”Wounder” ، الذي تم إنتاجه عام 2017 والمستوحى من رواية “أعجوبة” للمؤلفة الأمريكية “راكيل جراميلو” والتي أصدرت عام 2013.

أطفال القمر
الفيلم الأمريكي”Wounder”

وإن كان الفيلم لا يتحدث عن داء جفاف الجلد المصطبغ وإنما يتناول متلازمة “تريتشر كولينز”، لكنه سيساعدك على ملامسة بعض المواقف التي تحدث فعليًا في الواقع ووقعها على أصحاب الأمراض الخَلقية وتأذيهم نفسيًا ما قد يُلجأهم للعزلة والتهرب من المجتمع والتخلف عن مدارسهم وأعمالهم.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان