قصة سرقة أمينة شكري نائبة البرلمان في عصر عبدالناصر “أرسلت للنشال جواب استرحام”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
عاشت أمينة شكري نائبة البرلمان المصري في عصر الرئيس جمال عبدالناصر مع سلسلة من المعارك القانونية لوضع المرأة مثل إلغاء بيت الطاعة(1)، وماتت عام 1964م تاركةً وراءها أعمالاً خيرية منها جمعية تحمل اسمها.
اقرأ أيضًا
الجانب الخيري في تاريخ النائبة أمينة شكري أول سيدة برلمانية بمصر
تلك الجوانب الخيرية في حياة أمينة شكري لم تكن من باب الوجاهة الاجتماعية، بقدر ما أنها كانت سمة شخصية طرأت عليها وأظهرتها مع سارق نشل محفظتها سنة 1958م بعد أقل من عام من دخولها البرلمان.
ماذا فعلت أمينة شكري مع من سرقها
بحلول الساعة 11 صباح يوم 15 يناير عام 1958م أمـيـنة شكري قد خرجت من منزلها في شارع سليمان باشا (طلعت حرب لاحقًا)، واستقلت تاكسي متوجهةً إلى مصلحة المساحة التي بقيت فيها نصف ساعة، ثم ركبت سيارة تاكسي لتتجه إلى مجلس الأمة الذي مكثت فيه ساعة ونصف، وبعدها ذهب إلى جمعية التحرر الاقتصادي لتسدد اشتراكها، لكنها فوجئت أن محفظتها ليست في حقيبة يدها وأنها نُشِلَت ويبدو أن النشال أخذها بمشوار من المشاوير الثلاثة لها ثم اختفى.
قررت أمـيـنة شكري في اليوم التالي أن تنشر خطابًا في جريدة الأخبار مُرسل إلى السارق وكانت صيغة الخطاب ساخرة وعذبةً في نفس ذات الوقت.(2)
في بداية الخطاب لم تقم أمـيـنة شكري بشتم السارق وإنما قالت «عزيزي النشال المحترم، هنيئًا لك، حلال عليك مبلغ الخمسة عشر جنيهًا لعلك تستحقها أكثر مني، أو لعلك في حاجة إلى المبلغ أكثر مني، وأنا لست حاقدةً عليك، إنني سأعتبرك جمعية خيرية غير مرخص لها من وزارة الشئون، أو سأعتبرك صاحب حق في المبلغ بوضع اليد في حقيبة يدي، واسمح لي أن أهنئك على خفة يدك، إنني لم أشعر بك وأنت تدس يدك فيها، ولم أشعر بك وأنت تغلق الحقيبة كما كانت»
صيغة الخطاب العذبة تطورت لتصل إلى رجاء وتوسل واسترحام من البرلمانية الشهيرة للسارق بأن يلبي لها طلب واحد وهو أن يعيد لها 4 أشياء قالت عنهم «أرجوك .. أتوسل إليك .. أسترحم مكارمك أن تعيد لي ما كان في المحفظة».
كان الشيء الأول تذكرة العضوية في مجلس الأمة، وقالت عنها للسارق «هي لا تفيدك في شيء ولا يمكن أن يخطئ فيك الأعضاء ويظنون أنك أمـيـنة شكري»؛ وكان الشيء الثاني هو كارنيه السكة الحديد والذي قالت عنه «لن يفيدك في الانتقال من القاهرة إلى الإسكندرية لأن عليه صورتي»؛ فيما كان الشيء الثالث صورة نجلتها وهي أغلى ما في المحفظة بالنسبة لأمينة شكري.
بينما الشيء الرابع هو المحفظة نفسها وقد تكلمت عنها أمـيـنة شكري بأسلوب ليس به سخرية بقدر ما فيه وجع إذ قالت « المحفظة قديمة جدًا وممزقةً جدًا ورخيصة جدًا، وأنا أتفاءل بها لأنها صحبتني في معركتي الانتخابية من أولها لآخرها، وهي لا تساوي بضعة قروش؛ ثم هي ليست من مقامك أو على الأصح ليست من مقام شخص معه 15 جنيه في يوم 15 في الشهر».
تركت أمـيـنة شكري عنوانها في الخطاب وحددت كيف يعيد الأشياء الأربعة بقولها «المطلوب منك أن تحضر إلى العمارة رقم 1 في ميدان سليمان باشا، ضع هذه الأشياء في صندوق البوستة رقم 50 في العمارة وانصرف بسلام، وأقسم لك أنني لن أضع لك كمينًا ولن أسمح لأحد أن يضبط أو يمسكك أو يراقبك؛ وأنا أتعهد لك بألا أبلغ ضدك البوليس ولا النيابة، ولا قائد الحرس في مجلس الأمة».
وتتجسد المسألة الخيرية في شخصية أمـيـنة شكري بأنها طلبت منه أن يأتي لمنزلها وستقدم له واجب الضيافة فقالت «وإذا سمحت لك أعمالك ولا بد أنك مشغول جدًا فيمكنك أن تصعد إلى الدور السابع في العمارة وتدق على الشقة رقم 50 وسأفتح لك بنفسي وأتعهد بأن أقدم لك فنجان من القهوة، فإذا كانت لدى طائفة النشالين شكوى فأنا مستعدة أن أسمعها ومستعدة أن أثيرها إذا اقتنعت بها في مجلس الأمة».
واختتمت خطابها للسارق باعتذار أنها اضطرت لنشر الخطاب في الصحافة لأن من سرقها لم يترك لها عنوانه ووقعت الخطاب بجملة «المخلصة لك جدًا أمـيـنة شكري».
بالتأكيد لم يرد السارق على أمينة شكري ولم تكرر هي طلبها إذ انهمكت هي في أعمالها؛ ولم تتابع الصحف القضية بسبب انشغالها في تغطية أحداث وحدة مصر وسوريا.
(1) علاء عبدالعظيم، أزمة النائبة أمينة والأزهر.. طالبت بإلغاء بيت الطاعة في 1958، موقع أخبار اليوم، 22 مارس 2022م
(2) محرر، نشل حافظة نقود أمـيـنة شكري .. خطاب مفتوح من أمـيـنة شكري للنشال، جريدة الأخبار، عدد 16 يناير 1958م، ص1 و6
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال