دارت أحداث الحلقة 6 من الحشاشين حول وصول الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله إلى مدينة أصفهان لطلب يد بنت السلطان ملكشاه، وبالتوازي مع ذلك كان الحسن بن الصباح يخطط لاغتيال الخليفة، لكن نظام الملك كشف المخطط وألقي القبض على حسن بن الصباح.

خيال المؤلف في الحلقة 6 من الحشاشين وما اسْتَلْهَم منه تاريخيًا

نستطيع القول بأن الحلقة السادسة من مسلسل الحشاشين كلها من خيال المؤلف عبدالرحيم كمال الذي استلهم من التاريخ حتى يعزز أطروحاته في العمل الفني.

زيارة الخليفة العباسي إلى أصفهان

لم يثبت تاريخيًا أن الخليفة العباسي المقتدي بأمر الله جاء بنفسه من بغداد حاضرة دولته، إلى أصفهان عاصمة السلاجقة؛ لكن هذا منطقيًا يمكن أن يكون معقولاً فهو العريس.

أما التاريخ الذي اسْتُلْهِمت منه تلك الحبكة، فيمكن استلهامه من شكل موكب جهاز بنت ملكشاه في الزفاف الذي حكاه بن الأثير فقال أن الجهاز تم نقله من أصفهان إلى بغداد بحضور وزير الخليفة العباسي أبو شجاع ورموز الدولة السلجوقية مثل الوزير نظام الملك، وكان موكب الجهاز يحتوي على 130 جمل مغطى بالديباج الرومي و64 بغل بالديباج الملكي، إلى جانب 33 حصان، وجميع هذه الدواب كانت مرصعة بالجواهر والذهب والفضة.[1]

وقد ذكرنا في تقرير سابق أن بنت ملكشاه اسمها آلتون خاتون ولم يدم الزواج طويلاً فقد هجرها زوجها بعدما أنجبت له، وماتت بالجدري واعتبر والدها ملكشاه أن موتها كان كمدًا من زوجها فقرر الانتقام من المقتدي بأمر الله وكاد ينجح لولا وفاته؛ ولمزيد من التفاصيل اقرأ :- قصة زواج الخليفة العباسي وبنت ملكشاه “زيجة بائسة وملعونة أشار لها مسلسل الحشاشين”

تأمين موكب الخليفة العباسي

وضعت الحلقة 6 من الحشاشين مهمة تأمين الخليفة العباسي على عاتق نظام الملك والدولة السلجوقية حرصًا على حياته، وتلك حبكة منطقية، وقد التزم مسلسل الحشاشين بالتاريخ في اكسسورات الموكب وجنود الخليفة.

اقرأ أيضًا
قراءة لأحداث الحلقة الأولى من الحشاشين “مشاهد غامضة نشرحها وخطأ واحد نصححه”

التاريخ الذي اسْتُلْهِمَت منه هذه الحبكة تفاصيل تأمين موكب الخليفة العباسي، وتأمين موكب الخليفة العباسي مهمته تقع عليه ثم تقع على غيره.

اقرأ أيضًا
حول الحلقة الثانية من مسلسل الحشاشين “أخطاء تاريخية رغم التفنن في الحبكة”

تاريخيًا فإن أحداث مسلسل الحشاشين تقع في العصر العباسي الثاني، وقد كان الموكب في تأمينه لا يختلف عن إجراءات العصر الأول، فقد كان يتقدم موكب الخليفة مجموعة من الجند المتخصصين لحمايته، وتنتظم الحشود العسكرية من الجندي المتمثل بحرسه الخاص للخليفة المحاط بركب الخليفة من جميع الجهات تتوشحهم مظاهر الزينة والأبهة والآلات، ويلبس الخليفة أثوابه ويتقلد سيفه، وقبل تحرك الموكب يخرج الحرس الخاص للخليفة بكامل سلاحهم، ثم يخرج الخليفة على حصانه وهو مسرج، وحوله جنود المطرقة وهم مجموعة من الحرس المسئولين عن سلامة الطريق، وإلى جانبهم تشكيل عسكري اسمه تشكيل الرجالة المصافية وهو الجنود الذين يقاتلون راجلين (مشاة) ويقفون في صفوف حرس الخلافة أيضًا؛ إلى جانب ذلك تتقدم المواكب الأعلام والرايات السود وقرع الطبول والنفخ في الأبواق.[2]

الحراسة في الأمن السلجوقي

أظهرت الحلقة 6 من الحشاشين أن الوزير نظام الملك هو من اكتشف بنفسه مؤامرة اغتيال الخليفة العباسي، وأشار حسن بن الصباح إلى أن نظام الملك يؤمِّن موكب الخليفة بشكل ليس له مثل.

اقرأ أيضًا
الحلقة الثالثة من مسلسل الحشاشين “دقة في التفاصيل وملاحظات تاريخية ننوه لها”

تلك الحبكة مقنعة بالتأكيد، وتاريخيًا كانت إجراءات نظام الملك في الحراسة شديدة للغاية في تفاصيلها، وتكلم هو بنفسه عنها قال مثلاً عن الحراس والخفر والبوابين «تجب الحيطة التأمية بشأنهم، وعلى الموكلين بهم معرفتهم جميعًا والاستفسار عن أحوالهم سرًا وعلانيةً لأنهم أفقر وأطمع وأسرع انخداعًا بالمال والإغراء، فإذا ما شوهد بينهم غريب يجب السؤال عنه والتأكد منه، ويجب أن يُراقبوا ويتأكد منهم ويوضعوا تحت الإشراف المباشر كل ليلة حين يتسلمون وجاباتهم، ويجب عدم إغفال هذا الأمر ليلاً ونهارًا لأنه دقيق جدًا».[3]

إلى جانب هذه التشكيل الأمني من حراس القصر، كان هناك تشكيل أمني آخر وضعه نظام الملك وهو تشكيل المختارين وهو عبارة عن 4 آلاف رجل قوة احتياط و200 قوة أساسية.

اقرأ أيضًا
محاور تاريخية مهمة ومنسية أظهرتها الحلقة 4 من الحشاشين “سياسة نظام الملك أبرزها”

كان تشكيل القوة الأساسية من المختارين كما يذكر نظام الملك يضم 200 رجل على قوة حراسة السلطان لهم 200 قطعة سلاح منهم 20 ترس وحمالة سيف من ذهب و130 ترس وحمالة سيف ورمح من فضة، ولكل 50 رجل نقيب يتولى شؤونهم والإشراف عليهم وإصدار الأوامر وإسناد المهام لهم، وعليهم أن يكونوا جميعًا خيالة مجهزين بكل الوسائل والمعدات؛ والـ 4 آلاف رجل فكانوا قوة احتياطية بنفس صفات القوات الأساسية ويتم تخصيص 1000 جندي منهم للسلطان، و3 آلاف جندي لأفواج الأمراء وقادة الجيش للاستعانة بهم في أي شيء.[4]

الغزالي ونظام الملك

أظهرت الحلقة 6 من الحشاشين العلاقة بين الإمام الغزالي ونظام الملك والتي عبر عنها الأخير بتأكيده على أن جهود الإمام الغزالي لها تقديرها وأنه ساعد الدولة كثيرًا في مواجهة الباطنية وكانت مهمة صعبة.

هذه لم تكن حبكة من خيال المؤلف، فهو بطريقته أظهر تاريخيًا حقيقيًا، فالعلافة الإمام الغزالي ونظام الملك بدأت في سنة 1085م لما مات الإمام الجويني إمام الحرمين، وخرج الغزالي إلى نيسابور وذهب إلى معسكر نظام الملك وهناك تعرفا، ثم قام بالتدريس في المدرسة النظامية ببغداد بتكليف من نظام الملك نفسه.[5]

إقرأ أيضا

“صور” آخر رسوم صلاح جاهين الكاريكاتيرية عن شهر رمضان

كذلك فإن المواجهة بين الغزالي والباطنية كانت قوية فالغزالي كتب ضدهم 8 كتب ولم يصمت الباطنية عليه فكتب الداعي الإسماعيلي علي بن محمد بن الوليد الأنف العبشي القرشي والذي كتب في الغزالي كتابًا اتهمه فيها صراحةً بالكفر والإلحاد بسبب أنه عادى الباطنية[6]؛ وقد ذكرنا تفصيلاً تاريخ الإمام الغزالي والباطنية عبر هذا التقرير :- “أبو حامد الغزالي والباطنية نموذجًا” كيف نستغل الحلقة 5 من الحشاشين في الوعي الديني؟

حسن الصباح ونظام الملك

انتهت الحلقة 6 من الحشاشين بإلقاء القبض على الحسن بن الصباح ومواجهته بنظام الملك وتهديد الأخير بالإعدام.

وبغض النظر عن عدم وجود صداقة بين نظام الملك والحسن بن الصباح، لكن الثابت من كلام الحسن بن الصباح نفسه أن نظام الملك أصدر أمرًا بإلقاء القبض عليه فعلاً نتيجةً لنشاطاته الباطنية.

يحكي الحسن بن الصباح عن صلته بنظام الملك فيقول أنه وصل أصفهان بين مايو ويونيو 1081م وتجه منها لحدود كرمان ويرد وبدء في دعوته، ثم عاد لأصفهان ومكث بها فترة ليذهب إلى بلاد خوزستان وفريم وشهرياركوه ودامغان، ومن دامغان في إيران أصدر أمرًا بتوجيه دعاة إلا بلاد أندرجرود وجوارها، ثم ذهب هو إلى بلاد جناشك وطرز وسرحد وجرجان، وعاد منهم إلى الري.

كان الحسن بن الصباح بعد ذلك يخطط أن يذهب إلى بلاد ديلمان، لكنه لما وصل إلى الريّ علم بأن الوزير نظام الملك كلف صهره أبو مسلم الرازي بالقبض عليه وكان نظام الملك يبذل أقصى ما في وسعه للعثور على الحسن بن الصباح فلم يستطع الحسن القدوم إلى الري، فتركها وذهب إلى قزوين حتى يتفادى نظام الملك.[7]

[1]  بن الأثير، الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، ج8، ط/1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1417هـ / 1997م، ص ص315–316.
[2]  خالد إبراهيم حميد الحمداني، مواكب الخلفاء في العصر العباسي الأول (رسالة ماجستير)، كلية الآداب، جامعة بغداد، العام الدراسي 1427هـ /2006م، ص ص119–121
[3]  نظام الملك الطوسي، سير الملوك أو سياست نامه، ترجمة: يوسف بكار، ط/1، مطبعة السفير، الأردن، 2012م، ص164.
[4]  المرجع السابق، ص130.
[5]   السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: محمود محمد الطناحي وعبدالفتاح محمد الحلو، ج6، ط/1، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1383هـ / 1964م،  ص197
[6]  علي بن الوليد، دامغ الباطل وحتف المناضل، تحقيق: مصطفى غالب، ط/1، مؤسسة عز الدين للطباعة، بيروت، 1403هـ / 1982م، ص33.
[7]  الجويني، تاريخ فاتح العالم، ترجمة: محمد السعيد جمال الدين، تحقيق: محمد بن عبدالوهاب القزويني، ج3، ط/1، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2015م، ص175.