“أبو حامد الغزالي والباطنية نموذجًا” كيف نستغل الحلقة 5 من الحشاشين في الوعي الديني؟

المتابع بشكل فني لأحداث مسلسل الحشاشين، سيلاحظ أن حسن بن الصباح لم يخشى أحدًا حتى ولو كان قاتله، فهو لم يخاف من ملكشاه ولا نظام الملك ويعلم أنهما سيكونا عدوين له وسيقتل أحدهما (وهو نظام الملك)، لكنه خاف من الغزالي.

مشهد أبو حامد الغزالي والباطنية .. تفاصيله وفحواه

المشهدين اللذين ظهر فيهما نضال الشافعي والكلام عنه من حسن الصباح، لا يمكن اعتبارهما إلا أنهما أهم ما في الحلقة 5 من الحشاشين.

المشهد الأول الذي ظهر فيه الإمام الغزالي، قام بالتعريف بأنواع المنتسبين للباطنية وكانوا 4 هم كما قال على لسان نضال الشافعي «منهم اللي نفسه في الشهرة والصيت الذايع، ومنهم اللي عنده ضيقة الحال، ومنهم نصف الجاهل، ومنهم اللي بيحب الشهوات».

كان ذلك الحوار هو شرح مبسط كتبه عبدالرحيم كمال مؤلف المسلسل لما قاله الغزالي في الحقيقة عن أنواع المنتسبين للباطنية وذكر أنهم 8 أصناف هم باختصار «طائفة ضعفت عقولهم وقلت بصائرهم وسخفت في أمور الدين آراؤهم لما جبلوا عليه من البله والبلادة، طائفة انطقعت الدولة عن أسلافهم بدولة الإسلام كأبناء الأكاسرة والمجوس، طائفة لهم همم طامحة إلى العلياء متطلعة إلى التسلط والاستيلاء، طائفة جُبِلُوا على حب التميز عن العامة والتخصص عنهم، طائفة سلكوا طرق النظر ولم يستكملوا فيه رتبة الاستقلال وإن كانوا قد ترقوا عن رتبة الجهال فهم أبدًا متشوقون إلى التكاسل والتغافل، طائفة اتفق نشوؤهم بين الشيعة والروافض واعتقدوا التدين بسب الصحابة، طائفة من ملحدة الفلاسفة والثنوية والمتحيرة الذين اعتقدوا أن الشرائع نواميس مؤلفة، طائفة استولت عليهم الشهوات فاستدرجتهم متابعة الملذات».[1]

المشهد الثاني الذي ظهر فيه حسن الصباح أظهر فيه خوفه من الغزالي و(بغض النظر عن النطق الخاطئ لاسم الغزالي بتشديد الزاي مفتوحةً بدلاً من فتحها فقط)، لكنه كان يدرك خطورته ورفض اقتراحًا بقتله وأعطى أمرًا بتشويه سمعته لما قال «نعرف الناس إنه عبد للسلطة والسلطان وإخلاصه لأهل الباطل مش لله».

أبو حامد الغزالي والباطنية في التاريخ

هذا الخوف من أبو حامد الغزالي يمكن الإحساس به إن طالعنا تاريخ العلاقة بين أبو حامد الغزالي والباطنية سنجد أنها شهدت مواجهات فكرية شديدة من الغزالي ضد أفكارهم؛ ويمكن استغلال المشهدين في الحلقة 5 من الحشاشين عن طريق أن يكونا خيطًا بمعرفتنا بتراث الغزالي في في الرد على الباطنية بشجاعة كبيرة.

وتتمثل شجاعة الغزالي في أمور متعددة

• أولها أنه كتب 8 كتب من أقوى ما كُتِب في الرد على الباطنية هم

1. المستظهري في الرد على الباطنية والمشهور عنوانه بـ فضائح الباطنية
2. حجة الحق
3. مفصل الخلاف
4. الدرج المرقوم بالجداول
5. القسطاس المستقيم
6. قواصم الباطنية
7. جواب المسائل الأربع التي سألها الباطنية بهمدان
8. المنقذ من الضلال (لهم فيه فصل).

• ثاني أمور الشجاعة عند الغزالي في مواجهة الباطنية هو مسار حياته
  ففي سنة 1085م لقي الغزالي مكانةً كبيرةً من نظام الملك في نيسابور، وفي سنة 1091م بدأ التدريس في المدارس النظامية التي أسسها نظام الملك في بغداد بطلب من نجله فخر الملك، وبهذا كان الغزالي في أحد مناطق الباطنية.
• ثالث أمور الشجاعة عند الغزالي أنه لم ينصت لغيره من العلماء الذين استهانوا بأمر الباطنية بل واتهموه بالمبالغة في تقديره لهم
  يترآى ذلك من كتابه المنقذ من الضلال حيث قال «أنكر بعض أهل الحق مبالغتي في تقرير حجتهم وقال هذا سعي لهم فإنهم كانوا يعجزون عن نصرة مذهبهم بمثل هذه الشبهات وتحقيقك لها وترتيبك إياها».[2]

ويمكن وصف جهود الغزالي بأنه قاد ثورة ضد الباطنية بالرسائل والكتب وأوجعهم نقدًا وتنفيدًا واستخدم منهج العقل في مناقشتهم، وجاء ذلك لأنه تعمق في تعاليمهم واستعرضها بطريقة منهجية.[3]

محاربة الباطنية للغزالي ورفاقه

لا يوجد سبب دامغ ومعروف لسبب عدم قتل الغزالي على يد الباطنية، لكن المؤكد أنه حورب منهم وليس أدل على ذلك من أن الداعي الإسماعيلي علي بن محمد بن الوليد الأنف العبشي القرشي والذي كتب في الغزالي كتابًا اتهمه فيها صراحةً بالكفر والإلحاد بسبب أنه عادى الباطنية.[4]

اقرأ أيضًا
الحاج صاحب الوقت

إقرأ أيضا

رفض الواقع الجديد هل هو خطيئة؟

لا نستطيع الجزم بأن الباطنية فعلوا في الغزالي حرفيًا ما قاله مسلسل الحشاشين، لكن التهمة التي جاءت في الحلقة 5 من الحشاشين (عبد للسلطة والسلطان وإخلاصه لأهل الباطل مش لله) قيلت في الغزالي صراحةً من علماء كبار مثل الطرطوشي الذي وإن كان يرى الغزالي عالمًا كبير لكنه قال فيه «بدا له الإنصراف عن طريق العلماء ودخل في غمار العمال ثم تصوف فهجر العلوم وأهلها ودخل في علوم الخواطر وأرباب القلوب ووساوس الشيطان، ثم شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاج وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين ولقد كان ينسلخ من الدين».[5]

رغم الانتقادات التي واجهها الغزالي لكنه كان يلقى مدحًا من غيره من العلماء بل وحتى من انتقدوه مدحوه[6]، لكن يبقى أبرز شكل من أشكال الدم مع الباطنية أنهم بعد وفاته قتلوا صديق دراسته بن طاهر إبراهيم السبالي الجرجاني سنة 513هـ/1119م[7]، واعتبره بن عساكر في تاريخه شهيدًا.[8]

[1]  أبو حامد الغزالي، فضائح الباطنية، تحقيق: عبدالرحمن بدوي، ط/1، مؤسسة دار الكتب الثقافية، الكويت، (د.ت)، ص ص33-36.
[2]  أبو حامد الغزالي، المنقذ من الضلال والمفصح بالأحوال، ط/1، دار المنهج للنشر والتوزيع، بيروت، 1436هـ / 2015م، ص86
[3]  فتحي محمد الزغبي، دور الإمام الغزالي في مواجهة التأويل الباطني: دراسة تحليلية نقدية، مجلة، حولية كلية أصول الدين والدعوة، جامعة الأزهر، طنطا، ع10، 2018م، ص31.
[4]  علي بن الوليد، دامغ الباطل وحتف المناضل، تحقيق: مصطفى غالب، ط/1، مؤسسة عز الدين للطباعة، بيروت، 1403هـ / 1982م، ص33.
[5]  السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: محمود محمد الطناحي وعبدالفتاح محمد الحلو، ج6، ط/1، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، 1383هـ / 1964م،  ص243.
[6]  يوسف القرضاوي، الإمام الغزالي بين مادحيه وناقديه، ط/4، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1414هـ / 1994م، ص ص117–157
[7] عبدالمجيد الصغير، البعد السياسي في نقد القاضي ابن العربي لتصوف الغزالي، مجلة منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، 1980م، ص180
[8] عساكر، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق:- محي الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمروي، ج7، ط/1، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1418هـ / 1997م، ص225.