إذاعة الأغاني المصرية.. “بس على الله ما حدش ينخرب ورانا”
-
محب سمير
كاتب نجم جديد
يمكنني القول إني من أول عشرة مستمعين لـ إذاعة الأغاني مع بدء بثها في شهر يونيه سنة 2000.. ربما الصدفة هي السبب في ذلك، خصوصا أنني عرفت الإذاعة في ميكروباص فولكس جيزة_فيصل، أثناء عودتي من عملي ذات مساء حار جدا.. وقد أغوتني كما أفوت كثيرين كانوا يحلمون بإذاعة متخصصة للأغاني فقط.. و قد قمت بتسجيل مكتبة ضخمة وقتها من شرائط الكاسيت للأغاني والحفلات، كما كنا نفعل في زمن الكاسيت وقبل ظهور أجهزة “إم بي ثري” للقضاء على هوايتي المفضلة.. لكن أفضل ما كان يميزها أنها الإذاعة الوحيدة التي تذكر اسم مؤلف وملحن الأغنية، وهو ما كان يعنيني معرفته جدا.
كنت مخلصا لها عندما ظهرت إذاعات أخرى متخصصة، خصوصا نجوم إف أم التي ارتدت ثوب التجديد والشباب، وبدء ظاهرة “أسامة منير” واستفحالها بين قطاعات كل المصريين، التي تابعت برنامجه “أنا والنجوم وهواك”.. ظللت أنا ومحبي إذاعة الأغاني من أمثالي، ولا تستهويهم الأغاني الشبابية أو البرامج التي تستهدف المراهقين، ظللنا على عهدنا مع 100 وخمسة فصلة 8 .. التي هي “موال في سماء الطرب”.. لأنها ” قليل من الكلام كثير من الطرب”.. حتى لو لم نعرف حتى الآن هل يقولون “تسمع وكأنك تشدو” أم “تسمع وكأنك تشاهد”.. أم كلمة ثالثة لا نعرفها.. حتى أن الكاتب عمر طاهر، مؤرخ نوستالجيا جيلنا، له كتاب يحمل اسم “إذاعة الأغاني” من حبه وحبنا لهذه الإذاعة وارتباطنا بها.
بنت شريف منير تتمنى الهداية بالحجاب وممثلة تعتزل وتنصح به وآن لنا أن نصيح : اسكتن
برامج مثل “لسه فاكر” مع دولت أبو الفتوح.. و “ساعة طرب مع نجوم العرب” ل مها رسام.. و “منتهى الطرب” مع إبراهيم حفني، وغيرها من البرامج التي ارتبط بها المستمع المصري والعربي في الإذاعة، قبل أن يأتي طوفان التغيير، أو قل التدمير، ليلغي هذه البرامج ويضع مكانها برامج أخرى لجذب الشباب والإعلانات أيضا، والدخول في منافسة مع نجوم إف إم ونغم وميجا هيتس، وباقي الإذاعات الأخرى المختلفة عن إذاعة الأغاني بالطبع، ولم تدرك الإذاعة الرصينة أن ما يميزها هو شكلها وتخصصها الذي نشأت من أجله في الأساس.. “قليل من الكلام كثير من الطرب”.. والحمد لله فالتطوير لم يستمر، وفهم المسئولون عن الإذاعة أن لهم جمهورهم ومستمعيهم الذين لن يتخلوا عنها مهما كانت الاغراءات.. لكنها بدأت تتراجع لأسباب أخرى، أهمها الروتين، والاستسهال، لدرجة أنك لو تابعت الإذاعة الآن لمدة شهر واحد، ستعرف كيف يتم اختيار الأغاني، بل وكيف تعمل الإذاعة، وكأنها تدار من المنزل، حتى من قبل “حظر كورونا” الذي نعيشه منذ عام.
ما وراء الطبيعة 06 (العودة للبيت)
لابد أن تعرف أولا أن الجدول اليومي للإذاعة، هو كالتالي، في التاسعة صباحيا يوميا أغاني فيروز.. والواحدة ظهرا الموعد المقدس للموسيقار محمد عبد الوهاب لمدة نصف ساعة أيضا.. ونصف ساعة أخرى لأم كلثوم، وفي الخامسة مساء لمدة نصف ساعة فريد الأطرش، ثم عبد الحليم حافظ نفس المدة يوميا في السابعة.. قم محمد فوزي في التاسعة.. وفي العاشرة الميعاد المعروف لحفلات كوكب الشرق لمدة ساعة.. وقد تم إضافة نصف ساعة يوم الأربعاء في التاسعة صباحا لأغاني ليلى مراد، ونصف ساعة أخرى لأغاني “صباح”.. وموعد يومي ثابت للبرنامج العظيم “غواص في بحر النغم” للموسيقار الراحل “عمار الشريعي” في الثانية بعد منتصف الليل.
شُك وتساءل كما تبتغي..أنت لست زنديقًا!
ولا أرى عيبا أو مللا من هذه الفقرات بالطبع، بل أتابعها وانتظرها بشغف، لكنك ستلاحظ أن نفس أغنيات هذه الفقرات تتكرر باستمرار.. والكارثة الأكبر في باقي الإغاني التي تعاد وتكرر طوال النهار والليل لنفس الطربين.. وأهمهم بالنسبة لمعدي هذه الفقرات هو المطرب “محرم فؤاد”.. تشهر أن الراحل له قريب في الإذاعة موصي عليه.. وهكذا أيضا “هاني شاكر”، ومعروف طبعا مين موصي عليه ده “النقيب” ولابد من مجاملته، حتى أنهم وضعوا فقرة ثابتة يوميا له بعد فقرة “العندليب” مباشرة، دون أن ينوهوا للمستمعين عن ذلك، وبعد ردود أفعال المستمعين على صفحة الإذاعة على فيسبوك ، واستفسارهم لماذا هاني شاكر تحديدا من مطربي جيل الوسط له فقرة ثابتة، دون الأخرين، مثل علي الحجار أو محمد منير مثلا، ، بدأوا في التراجع عن فكرة الفقرة الثابتة يوميا، واصبحت يوم ويوم، وحلت مكان هاني شاكر المطربة ماجدة الرومي في نفس الفترة أيضا في السابعة والنصف مساء، وأيام يكون علي الحجار أو محمد منير بالفعل.. في أي وقت وكل يوم وفي أي مكان ستسمع أغنية “عمري ما دقت الحب غير لما حبيتك”.. أو “قاعد معاي وبيشرب شاي ” لفايزة أحمد.. وغيرها من الأيقونات الخالدة في قلوب مقدمي ومعدي الفقرات فقط.. يبدو أنه اختيار عشوائي تماما.
لكن الأزمة الكبرى بالنسبة لي، ولغيري كثيرين، هو تجاهل عدد رهيب من مطربي ومطربات مصر، طوال المائة عام العام من الموسيقى المحفوظة في مصر.. لا يعرفون في إذاعة الأغاني “سيد درويش” تقريبا.. ولا “زكريا أحمد”.. أو “صالح عبد الحي”.. ولا “بدرية السيد” مثلا أو “بحر أبو جريشة”.. تتجاهل الإذاعة أغاني مطربين عظام ولا نعرف السبب.. لا يوجد مطرب صعيدي واحد رغم كثرة عددهم طوال التاريخ، سواء في المواويل الشعبية أو السير.. مثل “علي الجرمون” و “مكرم المنياوي” أو “يوسف شتا” وغيرهم كثيرين جدا.
ربما نفهم سبب تجاهل بعض المطربين بسبب حياتهم السياسية، مثل “الشيخ إمام” و “محمد حمام”، الذي لا يتذكرونه سوى في العيد القومي لمحافظة السويس، بسبب أغنيته الخالدة “يا بيوت السويس”.. لكن أين باقي مطربي مصر في الإذاعة؟.. الأمر ليس صعبا على الإطلاق أن يتم تنظيم إذاعة الأغاني وتنوعها عل المحطة لإسعاد وإمتاع المستمعين.. هذا لو كانت هذه هي مهمة الإذاعة في الأساس، ولم تتحول إلى “هيئة حكومية” وموظفين يؤدون عملهم على طريقة “أهو بنعمل اللي علينا وعلى الله ماحدش ينخرب ورانا”.
الكاتب
-
محب سمير
كاتب نجم جديد