الجامع المصري
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
جامع على الطراز الفرعوني في واحدة من قرى الفيوم، انتشرت للجامع حديث الإنشاء صور ع السوشيال ميديا وظاطت بقى الحياة وماهديتش، الموضوع يبدو طبعًا إنه يجيب ضحك وينفع مصدر لعشرات الإيفيهات اللفظية والبصرية وحاجة أخر مرح.
بس الفكرة دي في ذاتها موفقة جدًا، خصوصًا أن الجامع مبني بالجهود الذاتية والمهندس أحمد السيد زكي، مصمم الجامع، اشتغل بوعي للمنطقة السياحية المحيطة، فشغل متأسس على وعي مش أي هبد وخلاص.
الآثار الجانبية الهامة
الجامع بتصميمه ده، بشكل غير مباشر، هو خطوة مهمة على طريق سد الفجوة بين أصولنا وهويتنا وبين رؤيتنا لذواتنا في الحاضر.. فجوة تسبب فيها التضخم المرضي في الانتماء للإسلام وكمان إن الانتماء ده واخد منطلقات أو صبغة عروبية.
اللي حاسين أن كلامي صعب أو أني مضخم الموضوع يقدروا ببساطة يسألوا نفسهم سؤال:
– مصدر الضحك إيه؟
– إيه المشترك بين أغلب الإيفيهات؟
بالظبط.. أن المبنى جامع “دار عبادة إسلامي” والتصميم فرعوني “الاسم المشتق من أحد نماذج الكفر اللي قدمها الإسلام”.
يعني زي ما أنا شرحت.. النظر من منطلق أن ما هو مصري أصيل وثني مدنس لا يختلط بكل ما هو إسلامي عروبي مقدس، عشان كده الجامع ده مايقلش أهمية عن مواطن مسلم يسمي أبنه “مينا” أو “رمسيس” الاسمين المحليين تماما ومع الزمن تحولوا من أسماء مصرية لاسماء مسيحية، لأن المسلمين ببساطة تخلوا عن كل ما هو مصري في رحلة البحث عن التطهر العروبي الإسلامي. فكرة لو قعدت أشرحها عمر مش هتوصل زي ما صور الجامع ده عملت.
الجامع
اوعى الإيفيه يجرك
بلاش الاستغراق في الضحك والجري ورا الإيفيه يخلينا ناخد نفس مسار الإسلامجية، وبدل ما نستغل كل فرصة لسد الفجوة في هويتنا نشترك معاهم في توسيع الفجوة أكتر وأكتر، دي مواقف مهم فيها التمايز أو ع الأقل عدم تعلية موجتهم.. خصوصا لما يكون عندنا طرح قوي نتكلم عنه وعلى كذا محور:
– أجدادنا اسمهم كميتيين أو مصريين قدماء.. فرعون ده قصة توراتية غير مثبتة تاريخيًا.
– مافيش “معمار إسلامي” أصلًا.. وكل شعب بنا الجوامع حسب ثقافته.
– لو هنبني الجوامع على الطراز العربي يبقى حوطلي مستطيل وعرشلي على نصه ولا تلته.
– الجوامع حرام تتبني ع الطراز المصري بس حلال تتبني بالحجارة المسروقة من آثاراتنا؟
قدماء المصريين VS فراعنة
من أصعب الأمور تغيير المسميات، بس بيحصل لو فيه إرادة للتغيير، فين كلمة “سبوع” ومتى ترعرع في وادينا الطيب كل هذه “العقيقة”، وغيرها من الكلمات كتير.. ده الناس ع القهاوي دلوقتي بتقول “هدف” و”تسلل” و”ركلة جزاء”.
بلدنا بتعامل حاليا باسمين Egypt ومصر، الأولاني اخترع أصله المحتل الروماني وفضل يتطور لما خد شكله الحالي، ولما تم الكشف عن آثار حضارة وادي النيل العظيمة عن طريق محتل أوروبي برضك.. فأسسوا للحضارة دي علم خاص بيها واطلقوا عليه Egyptology.
الاسم التاني ده اخترعوه العرب مع غزوهم لينا في القرن السابع، ودول لا أكتشفوا حاجة ولا أسسوا علم.. دول بس في كتاب الدين قصتين بيدوروا في مصر، قصة الدخول “يوسف” وقصة الخروج “موسى”. الأولى يشار فيها لحاكم مصر باسم “العزيز” والتانية باسم “فرعون”، لآسباب أبسطها سهولة نطق تفعيلات كلمة “فرعون” وأشتقاقاتها عن نطق تفعيلات وأشتقاقات كلمة “عزيز”، وأهمها الكراهية العميقة اللي بتكنها الأديان الإبراهيمية لوادي النيل وحضارته، كلها أسباب ساهمت في تبنى اللسان العربي تعريف فراعنة على حساب حتى قدماء المصريين.
عزيز مصر + فرعون وهامان في مسلسل لا إله إلا الله
أسطورة المعمار الإسلامي
تاني تأكيد على أن مصدر الضحك هو الرؤية التكفيرية سالفة الذكر، هو أن بالأساس مافيش طراز معماري مقدس ولا حتى متواتر كنموذج لبُنا الجوامع، الجامع النبوي في المدينة كان حاجة كده شبه بيوت الفلاحين في الريف المصري.. حوش متحاوط بالحجارة ولا الطوب الني تلت سقفه له تعريشة.. مافيش لا مآذنة ولا قبة ولا أي شكل من أشكال الزخارف.
المآذن
ثابت تاريخيًا أن الجوامع ماخدتش شكل غير لما خرجت بره شبه جزيرة العرب، فكل شعب من الشعوب أصحاب الحضارة عندهم طرز معماري بنوا على أساسه الجوامع، بالتالي هتلاقي مافيش مقارنة بين الجوامع في الشام وأختها في مصر أو في المغرب أو الهند أو.. أو.. أو..
عمومًا مافيش آثار إسلامية جوه الحجاز، اللهم حاجات من سكة “هنا جلس فلان بن علان”.
فلما كل الطُرُز دي بيتبني بيها جوامع عادي، ماجتش ع الطراز المصري وركنت، خصوصا لما تكون أنت عديم الطراز.
النقش حاجة والمعمار حاجة تانية
الحالة الوحيدة اللي يبقى فيها مشكلة هي حالة الخلط في الرموز، فيكون مثلًا في عين حورس أو حورس نفسه أو أنوبيس أو بس أو ماعت.. إلى أخر الآلهة والرموز الدينية المصرية القديمة، وده هيبقى بنفس مبدء أن ماينفعش الجامع يبقى فيه تمثال لبوذا ولا معبد السيخ يبقى فيه نجمة داوود.
كل واحد يلعب قدام حضارته
طب لو أتفقنا (جدلا) أن الجوامع حرام تتبني ع الطراز المصري.. وأن الجامع ده لازم يتهد أو يتعاد تصميمه، طب بالنسبة للجوامع المبنية بحجارة مسروقة من معابد وآثار مصرية قديمة؟ خير يا جماعة.. الجوامع دي كمان تتهد وتتفكك عشان نرجع حجارة الكفار لأصحابها؟
عيب يا جماعة الهلس ده والله، أفتكر من قيمة كام شهر شوفت صورة لجامع على طراز ديزني لاند.. وماحصلش القلق ده كله.
بلاش نتسحب لمعادلة صفرية يإسلام بصيغة شبه الجزيرة في القرن السادس الميلادي يا إما فلا. مايصحش ولا ينفعش يبقى الدين الأكتر انتشارا في دولة ما مستعر من الدولة دي ومن تاريخها وحضارتها.. ده هيفضل يلففنا حوالين نفسنا إلى الأبد ومش هيخلص غير بدم كتير.. كتير أوي صدقوني.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال