“تناقضات سعد الهلالي” مسيرة بدأها في هواء البرامج قادته لبلاتوهات فاتن وإبراهيم عيسى

تحلت مسيرة الدكتور سعد الدين الهلالي بالفتاوى المثيرة للجدل، لكن الجدلية لم تكن وفق منهج علمي وإنما بسبب تناقضات سعد الهلالي نفسها والتي بدأها قبل 10 سنوات من الآن.

ما قبل مرحلة مسلسل فاتن أمل حربي .. تناقضات شرسة

التناقضات هي السمة الغالبة في مسيرة الدكتور سعد الدين الهلالي والتي في أغلب الأحيان توقعه في التحايل، وفي بعض الأحيان تذهب به إلى الكذب، وهناك نماذج صارخة على ذلك.

حق السعاية .. من النفي إلى الإدعاء

في فبراير من العام الجاري أعلن شيخ الأزهر عن إحياء فتوى الكد والسعاية، والذي بدوره يساهم في حفظ حقوق المرأة العاملة التي ساهمت في تنمية ثروة الزوج ولا يشاركها أحد في ذلك المال ويكون بعيدًا عن الميراث، وحينها ذكر سعد الهلالي ترحيبه بتلك الفتوى خاصةً أنها جاءت بعد عام من سلسلة مقالات نشرها على الأهرام وطُبِعَت في كتاب أصدره المجلس القومي للمرأة بعنوان حق السعاية في الوظيفة المنسية

من التناقضات أن الدكتور سعد الدين الهلالي نفسه سنة 2013 ذكر أنه لا يوجد أثر عن ما يسمى بـ حق السعاية، وذلك ذلك في الحلقة 21 من برنامج استفت قلبك على قناة دريم وذكر أن حق الكَدّ والسِّعاية انفرد به المتأخرين من المالكية المغاربة وقال نصًا «طبعاً أنا حقلّب الستات على الرجالة بس حقهم يعرفوا، والفقه ده مش في مصر، واستندوا إلى أثرٍ عن سيدنا عمر، فتشْت عنه فلم أجدْه”، ثم ربط مشروعية الكد والسعاية بالقانون الأمريكي الذي يقسم الثروة بين الزوجين مناصفةً؛ بالتالي وطبقًا لما ذكره سعد الهلالي فإن دليل حق السعاية غير موجود.

تكفير المسيحيين بين زمان والآن

من مراحل تناقضات سعد الهلالي كانت بعد ثورة 25 يناير 2011 وتنامي الصوت السلفي الإخواني في مصر، وحينها عقد الإعلامي علاء بسيوني لقاءًا مع الشيخ خالد الجندي والدكتور سعد الهلالي، وحينها قال سعد الهلالي «كلمة كافر ليست شتيمة، ويجب تحديد المعنى، فمعنى الكفر إنكار العقيدة وهذا موجود عند المسلمين والمسيحيين، والحساب عند الله، لكن ما يتعلق بالعقائد المسائل فيه واضحة، واختلاف العقائد لا يؤثر سلبًا على المعاملة».

وبعد 3 سنوات ناقض سعد الهلالي نفسه فقال مع الإعلامي عمرو أديب حول تلك المسألة «المسلم هو “من سالم”، وليس من نطق بالشهادتين، بل إن من نطق بشهادة واحدة وهي أشهد ألا إله إلا الله صار مسلما بقول الكثير من أهل العلم، فهل سنحترم هذا الرأي أم نهمشه؟ إذا همشناه سنصبح أوصياء على الدين، فنحن مع القول الذي يرى أن من قال ’لا إله إلا الله‘ صار مسلما، وكونه يؤمن بسيدنا محمد أو بسيدنا عيسى ويكتفي فهذا أمر يعود لقناعته ويُحاسب عليه يوم القيامة وعلى سلامة نيته»

وفي 14 ديسمبر 2014 وجه الأزهر بيانًا فند فيه ما ذكره سعد الهلالي، واصفًا إياه بـ (أحد المنتسبين) وفند فيه بشكل علمي وديني ما قاله.

وعقب بيان مؤسسة الأزهر عن ما قاله الهلالي تراجع فيما قال مع عمرو أديب خلال تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط، ليعود في 17 مايو 2017 مع نفس الإعلامي ويقول «ربنا قال لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، ربنا قال بس أنا مقولش لإن دي مسألة بالنوايا، بس إشراك أحد مع الله هو تصرف شيطاني».

حديث الآحاد في مسلسل إبراهيم عيسى .. خطأ قديم/جديد من الهلالي 

كتب الإعلامي إبراهيم عيسى مسلسل فاتن أمل حربي وخلال أحد المشاهد تعرض لمعنى حديث الأحاد، حيث قامت فاتن بسؤال الشيخ يحيى حول معنى حديث الآحاد، فقال «يعني حديث رواه واحد بس عن النبي، تخيلي المدينة المنورة اللي مليانة صحابة بالآلاف النبي اختار واحد بس دونا عن كل الناس دي علشان يقول الحديث.. اشمعنى الواحد ده بالذات؟ أكيد لسبب يخصه مش لكل الناس».

هذا خطأ فادح وقع فيه إبراهيم عيسى، ومن المنطقي أن يقع فيه فالرجل ليس صلة بالعلوم الشرعية، لكن أن يقع فيه ومعه سعد الهلالي مراجعًا فتلك مشكلة عظمى، لأن حديث الآحاد لا علاقة له بالعدد 1 وإنما معناه وإنما معناه الحديث الذي يقل عدد رواته عن عدد رواة الحديث المتواتر، وله 3 أنواع “آحاد مشهور وهو ما رواه ثلاثة فأكثر، وعزيز وهو ما لايقل رواته عن اثنين، وغريب وهو ما يرويه واحد».

والهلالي في مسيرته ضعيف في علم الحديث، يكفي أنه قال أن البخاري في مقدمة صحيحه ذكر أنه استبعد آلاف الأحاديث، وكان ذلك فيه كذب وجهل لأن البخاري ليس له مقدمة أصلاً، ومسألة تناقضات سعد الهلالي ذكرها الشيخ علي جمعة مبكرًا حيث قال ردًا على كتاب سعد الهلالي الإسلام وإنسانية الدولة «الحاصل أن طريقة المؤلف تقوم على عقدالتناقض في القضية التي يتناولها بين طريقين بينهما غاية البعد، أحدهما يتبناه المؤلف ويريد أن يثبته، والثاني يقف ضده ويرفضه».

أبرز أشكال تناقضات سعد الهلالي في مسلسل فاتن أمل حربي 

أوشك موسم مسلسلات رمضان 2022 أن ينتهي دون أن تظهر أفكار سعد الهلالي في مسلسل فاتن أمل حربي بشكل لافتٍ، خاصةً وأنه يراجع المسلسل فقهيًا، وطوال 27 حلقة حتى الآن لم تظهر أفكار سعد الهلالي في مسلسل فاتن أمل حربي لم تظهر أي أطروحة فقهية واحدة في صراع فاتن أمام المحكمة، فهي ترفض قانون الأحوال الشخصية وفقط، ولم يتم تقديم مقترح واحد لتعديل القانون وفق أصول الفقه، وتلك مشكلة تمثل لغزًا.

الفقه في مشاهد الولاية التعليمية والرؤية بعد الطلاق

مثلاً يرى الفقه في مسألة الولاية التعليمية – إحدى أوجه الخلاف بين فاتن وطليقها ـ أن الضابط هنا هو ميزانية الأب فإن كانت ظروف الوالد ماليًا تسمح فلا بأس، وإن كانت ظروفه لا تسمح وظروف الزوجة هي ما تسمح فللزوجة الحق في مسألة تعليم أولادها من مالها، لأن مدار الحكم في ذلك على تحقيق مصالح المحضون، فإذا بقي النزاع بين الأب والحاضنة قائمًا فالأمر متروك للقاضي، فلماذا لم يذكر سعد الهلالي تلك الجزئية ؟.

مسألة الرؤية للأطفال بعد الطلاق هي الأخرى مشكلة قانونية لا فقهية فالفقه يرى أنه يجوز انتقال الحضانة إلى الأب بعد الأم و أم الأم، ويجوز رؤية الجد والجدة للمحضون سواء أكان ذلك في حضور الأبوين أم في غير حضورهما، ومن صدر له حكم يقضي بحقه في رؤية المحضون إذا تخلف عن الحضور للرؤية في الموعد المحدد ثلاث مرات متتابعات رفع أمره إلى القضاء لحرمانه من الرؤية لمدة يحددها القاضي، يجوز للطرف غير الحاضن استضافة الصغير بمسكنه في العطلات إذا أذن الحاضن بذلك.

مسألة الـ 3 ساعات الأسبوعية لم تأتي في كتابٍ واحدٍ من كتب الفقه وإنما حددتها المادة 5 من قرار وزير العدل الصادر برقم 1087 لسنة 200 والذي حدد مدة الرؤية على الا تقل عن 3 ساعات أسبوعيًا.

موقف الفقه من سجود المرأة لزوجها

في إحدى حلقات المسلسل انتقد الشيخ يحيى (محمد الشرنوبي) حديث حديث لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة تسجد لزوجها وقال أنه “حديث ضعيف أو آحاد، يعني الرسول اللي كان بيعامل زوجاته بمنتهى الرقة والجمال هيقول كده على (محمل الجد)؟!  هو الزوج ده إله؟ وبأمارة إيه تسجد له؟”.

والرد على هذا الكلام أن الحديث الذي ذكره الشرنوبي لا يحض على قمع المرأة أصلاً وإنما سياقه أن معاذ جاء من الشام وكان قد رأى المسيحيين يسجدون لأسقافتهم فروى في نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم، فلما قدم، قال: يا رسول الله، رأيت النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها، فروأت في نفسي أنك أحق أن تعظم، فقال: لو كنت آمر أحدا أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، وهنا المقصود بالحديث ليس الحض على قمع المرأة أصلاً، بل النهي عن السجود لغير الله.

إقرأ أيضا

القصة المروعة لجرائم قتل فأس فيليسكا التي لم يتم حلها لأكثر من قرن

وفي هذا المشهد جهل بأصول اللغة العربية فكلمة (لو) هنا شرطية تفيد التعليق في الماضي أو المستقبل، ويتم استعمالها في الامتناع أو في غير الإمكان وليس له عمل، بالتالي فليس هناك دليل واحد على قمع المرأة أصلاً.

قال المناوي في “فيض القدير” (5/ 329): “لو كنت آمر أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها فيه تعليق الشرط بالمحال؛ لأن السجود قسمان: سجود عبادة ، وليس إلا لله وحده، ولا يجوز لغيره أبدا، وسجود تعظيم؛ وذلك جائز، فقد سجد الملائكة لآدم تعظيما، وأخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن ذلك لا يكون “.

أفكار سعد الهلالي في مسلسل أمل فاتن حربي بالتلميح

في أحد المشاهد التي تكلم فيها الشيخ يحيى (محمد الشرنوبي) تمت الإشارة إلى أنه يجوز التوقف عن العمل ببعض آيات القرآن، وهذا صحيح لأن ذلك فعله الصحابة وعمر بن الخطاب في عام الرمادة، لكن مالم يتناوله سعد الهلالي أن هذا الأمر يعود إلى السياسة الشرعية، وليس تابعا للأهواء، ولا يعني إبطال الأحكام الشرعية أو إلغاءها بالكلية، بل يعني وقفها لحالة أو لظرف، ثم عودتها إلى  العمل بعد انتهاء الحالة أو الظرف، مثلما يدرأ الحد بالشبهة، أو بعدم استيفاء شرط إقامته.

والدكتور محمد إبراهيم العشماوي ساق ردودًا على فكر سعد الهلالي، مثلاً يقول المسلسل أن آراء الفقهاء فقه بشري فيه خطأ وصواب، ورأي سعد الهلالي صحيح والفقهاء هم من قالوا هذا قبل سعد الهلالي.

مع تصاعد حدة الهجوم على سعد الهلالي قال «أرفض أن يوصف القرآن بأنه دستور أو قانون لأن الوصف ينتقص من قدر القرآن الكريم، ككتاب مقدس، ثم تناقض سعد الهلالي وقال «القرآن حمال أوجه، بينما الدستور والقانون أحادي الدلالة»، والخطأ الذي وقع فيه هنا كما يرى العشماوي، أن مصطلح قانون ودستور وغيرها هي مجرد تسميات اصطلاحية عصرية، وبشأن حمولية الأوجه وأحادية الدلالة فهذا غير صحيح إلا فيما دلالته ظنية من نصوص القرآن، أما النصوص القرآنية ذات الدلالة القطعية فهي أحادية الدلالة، أما أن الدستور والقانون أحادي الدلالة؛ فهذا كلام يردُّه فقهاء القانون، الذين يختلفون حول تفسير النصوص الدستورية والقانونية، ولا يتعارض هذا مع طبيعة تلك النصوص من كونها صيغت بطريقة حاسمة، مانعة للاختلاف؛ لأن ذات الصياغة يمكن أن يقع الاختلاف في فهمها، والدليل على ذلك اختلاف فقهاء القانون في تفسير كثير من النصوص، وما يترتب عليه من اختلاف الأحكام القضائية، التي قد تصل أحيانا إلى حد التناقض!.

وهناك مشهد حول الاجتهاد في النص القرآني وقمنا بالرد عليه هنا.