حرب أكتوبر .. ذكريات تستعصي على النسيان (6–9) يوم 10 أكتوبر “هدوء ما قبل العاصفة”
-
مصطفى بدر
بطل من أبطال الدفاع الجوي في حرب أكتوبر المجيدة .. لواء أركان حرب سابق بالقوات المسلحة المصرية
يواصل موقع الميزان نشر يوميات حرب أكتوبر .. ذكريات تستعصي على النسيان
وهي مذكرات اللواء مصطفى بدر ضابط توجيه الكتيبة 431 التابعة للواء 98 صواريخ دفاع جوى، أثناء حرب أكتوبر.
أول ضوء يوم 10 أكتوبر
هرول الجيش إلى خارج الحجرة بعد ذلك الإنفجار العظيم وحمدنا الله أنه لم يصب أحد ووجدنا أن السواتر الرملية قد سقطت، وجلس الجميع لالتقاط الأنفاس، وفي الخارج وجدنا حفرة عميقة مملوءة بالمياه مكان سقوط وانفجار القنبلة.
وجمعنا الأفراد وأكدنا عليهم جميعًا بضرورة الراحة نهارًا لأن العمل الشاق سيبدأ بعد آخر ضوء وعلمنا أن هوائي الاتجاه وكابينة التوزىع قد وصلا إلى منطقة الانتشار ولم يبقى غير كابل إرسال الأوامر والذي أكد كبير المهندسين الرائد الحفناوي أنه موجود في الاحتياطي، واستمرت الغارات طوال النهار ولكن ليست بكثافة يوم 8 أكتوبر.
اقرأ أيضًا
حرب أكتوبر .. ذكريات تستعصي على النسيان (1–9) قبل العبور بساعات
تبين أنه تم الهجوم في ثلاث موجات الأولى بقوة 20 طائرة والثانية والثالثة بقوة 55 طائرة وأعتقد أن الهدف كان عزل بورسعيد واستغلال النقاط التي لم تسقط في قطع بورفؤاد في عمل إنزال بحري أو إسقاط جوي والاستيلاء على المدينة كرد اعتبار للعبور المصري العظيم ولرفع الروح المعنوية المنهارة للشعب الإسرائيلي؛ ولكثرة الخسائر والاستعادة الجزئية للصواريخ المضادة للطائرات جعلته يستبدل هذه المهمة بثغرة الدفرسوار، هذا من محض تفكيري.
بعد كل هذه السنوات الطوال علمت أيضًا أن كتيبة عصمت بشير والذي كان رئيس عملياتها قد وصلت إلى بورسعيد وقد تم استبدال قائد الكتيبة بالرائد الحسيني عبدالحميد قائد الكتيبة 434 وسيقوموا باحتلال موقع قطع بورفؤاد وهو شرق المدينة بعشرة كيلومترات وطريق الوصول إليه غاية في الصعوبة وتبعد فقط عشرة كم عن المواقع المحصنة المعادية.
كما أن موقع المزرعة في مقابر بورسعيد والذي كان محتلاً بواسطة الكتيبة 463 كتيبة صلاح عامر ومحمد عبدالعظيم وأحمد سعد تم احتلالها بواسطة كتيبة احتياطي قائد القوات الكتيبة 418 بقيادة الرائد أيمن سيد أحمد حب الدين، وفقهم الله جميعًا في حماية سماء هذه المدينة المصرية الباسلة.
وقولة حق وشكر أتوجه بها إلى الأطقم الإدارية فرغمًا عن كوننا شرق القناة فلم يتأخر التعيين يومًا، ورغمًا عن الغارات المستمرة لم ينضب أو يقل الماء لحظة، إنهم جنود مجهولون ولولاهم ما كانت مهمة ستنفذ أو انتصار يتم الحصول عليه.
اقرأ أيضًا
حرب أكتوبر .. ذكريات تستعصي على النسيان (2–9) يوم العبور
أشكر الملازم أول احتياط مصطفى كامل ابن الشرقية وضابط شئون إدارية الكتيبة، وشكر خاص لعبدالله عبدالستار ومحروس أبو التسعة، وضباط 431 بالقطع سيعرفون من هم، وقبيل العصر أعدنا بناء سواتر الشكاير داخل الدشمة وتأكد مجدي يسري من سلامة توصيل كابلاته وراجعنا دشمة الهوائيات حتى نتأكد أنه لا توجد موانع للاحتلال وكانت الوجوه باسمة مشرقة وكانوا يتبادلون القفشات والنكات سعادتهم لا توصف كانهم يجهزون لحفل عرس لأحد الأحباب.
آخر ضوء في يوم 10 أكتوبر
انتهى الصائمون من الإفطار والمدخنون من التدخين وصلى الجميع المغرب يوم 10 أكتوبر أمام الدشمة وانضمت إلينا سرية الرشاشات بكامل رجالها إلا أطقم قتال مخفضة وأطقم الحراسة، وتحت قيادة عبد العزيز العابد رئيس عمليات الكتيبة وصل رتل الهوائيات ومن خلفه المولدات وكابينه التوزيع.
اقرأ أيضًا
حرب أكتوبر .. ذكريات تستعصي على النسيان (3–9) يوم 7 أكتوبر “بطولة مراد”
كان إحساسي وأعتقد إحساس جميع الضباط والأفراد هو السعادة وأدخلنا كابينة الهوائيات مكانها وصعد على ظهرها مصطفى درويش ومجدي فؤاد وإبراهيم وعبدالحي ومصيلحي شباب زي الورد، واكتملت الصحبة بوصول الونش وبعده مقطورة الشبكة.
وبدأ العمل كما تعودنا وانتهى الفريد وارتينا وسعودي سريعًا من إدخال معداتهم وبدأ توصيل الكابلات وفي خلال ربع ساعة كانت القوى موصلة إلى كابينتي القيادة والتوجيه والمعلومات، الحلم أصبح حقيقة، وأنهى رجال السرية بمعاونة سرية الرشاشات رص شكاير فتحات دشمتي مولدات القوى.
ووصل مندوب من اللواء وسلم الكتيبة عدد 2 مولد دخان لإطلاق ستارة دخان وإعماء العدو عن الكتيبة وسلمهم أيضًا عدد كبير من قنابل الدخان وشرح لضابط كيما الكتيبة كيفية عمل خطة الدخان، وبعد الانتهاء من تركيب الهوائيات صعد الأفراد وأخذوا يرصون ساتر الشكاير وكأنهم يبنون قصرًا لأنفسه.
اقرأ أيضًا
حرب أكتوبر .. ذكريات تستعصي على النسيان (4–9) 8 أكتوبر “يوم القتال الأكبر”
لا يمكن إلا أن تلاحظ ذلك، وجوه مرهقة للغاية وسعيدة بإرهاقها، سعيدة بتعبها، لأن فرحة إسقاط طائرة تساوي الكثير، وتم توصيل الكابلات إلى الإرسال والاستقبال وقمت بإجراء الاختبارات الوظيفية والحمد لله المحطة جاهزة تلاته قناة وأربعة قواذف، وأخذنا نستعجل الكابل الذي تم إرساله على عربة كراز، وحلنا على ما توصل المعدية وتعدي ويعلم الله، كان لازم إحنا اللي نروح نجيبه … كنا حنركبه طيارة يعني … الساعة لسه عشرة يوم 10 أكتوبر …مستعجلين على ايه …. لسه بدرى … بدرى من عمرك …. كان القلق سائدًا .. .لدرجة أن مراد مسك بالكابل القديم وأخذ يلعن فيه وأخذ يبحث عن طريقة للحامية دون جدوى، ولمحنا ضوء صغير مقترب عن بعد ميزناه بأنه ضوء الكراز، وأخذ الأفراد يهللون، كان العريس الذي جهزوا لزفافه قد حضر.
سعت 2300 يوم 10 أكتوبر
أحضروا الكابل الموجود في صندوق خشبي فكرني لحظيًا بصناديق الموتى في الأفلام الأمريكاني، وفتح الصندوق، وإذا الكابل غير الكابل وقلت:
ـــ يا ليلة غبرة.
وكان كبير المهندسين موجود جاء مع العربة:
ــ دا أنا جايبة بنفسي ومفيش كابلات غيره ومكتوب عليه رقم العينه نفسها
ـــ دا كابل بيوصل بين ال ب12 وكابينة القيادة والتوجيه.
ـــ يافندم دوروا إعملوا حاجة.
وانقلب العرس إلى مأتم :
ـــ يا فندم إحنا عملنا كل حاجة وجاهزين
ـــ هاتو الكابل من الكتيبة 34
ـــ دي كابينة الإرسال والاستقبال بتاعتها أخذت إصابة مباشرة، إنه مصاب جلل.
أحسست أن جسدي يخور وقواى تضمحل، بعد كل هذا المجهود والعمل المستمر يضيع عرق الرجال ويخسر الدفاع الجوي عن بورسعيد ثلث قوته، عجز تفكيري وأصيب بالشلل لفترة ليست بالقليلة.
اقرأ أيضًا
حرب أكتوبر .. ذكريات تستعصي على النسيان (5–9) يوم 9 أكتوبر “خوذة أنقذتني”
وجلست أدخن كثيرًا وأنا على باب الدشمة وتخلصت من كل من حاول الوقوف معي، لم يكن لدي ما أقوله، لدي جند، أود استمرار حبل الثقة بيني وبينهم، وفجأه لمعت مجموعة من الطلقات الكاشفة في السماء، ما هذا ؟ وكأنه دلو من الماء البارد قد سقط على رأسي وجسدي.
الكاتب
-
مصطفى بدر
بطل من أبطال الدفاع الجوي في حرب أكتوبر المجيدة .. لواء أركان حرب سابق بالقوات المسلحة المصرية