حرب أكتوبر .. ذكريات تستعصي على النسيان (7–9) يوم 11 أكتوبر “القائد يسألنا”

مصطفى بدر
بطل من أبطال الدفاع الجوي في حرب أكتوبر المجيدة .. لواء أركان حرب سابق بالقوات المسلحة المصرية

يواصل موقع الميزان نشر يوميات حرب أكتوبر .. ذكريات تستعصي على النسيان 
 وهي مذكرات اللواء مصطفى بدر ضابط توجيه الكتيبة 431 التابعة للواء 98 صواريخ دفاع جوى، أثناء حرب أكتوبر.

نحن نقترب من الفجر ولا داعي لتكرار ماحدث قبلاً وعلينا فك المعدات ونشرها قبل أول ضوء وإلا كان دمارها أكيدًا وجريت إلى المقدم منير أسكنه الله فسيح جناته على صبره وجلده وحسن قيادته للرجال، وابتسم عندما رآنى وقال:
ــ فاكر أول صاروخ حبيت تطلقه ؟
ــ لم ينطلق يافندم.
ــ طيب فاكر آخر صاروخ حبيت تطلقه
ــ لم ينطلق يافندم.
ــ دي مشيئة الرحمن، الأول والأخير مايطلعوش وبينهم ٢٧ صاروخ ناجح، ربنا عايز كدا، طاقم الدفاع الجوي جاى في الطريق، وإحنا نجهز للتحرك والانتشار لكل المعدات عدا الكابينتين اللي في الدشمة.

جمعنا الكتيبة بالكامل وشكر الرجال وسألهم:
ــ حد فيكم قصر بحاجة ؟ حد فيكم حاسس بتأنيب ضمير؟ إنتم عملتم في 48 ساعة اللي محدش عمله، و .. و .. إحنا حننتشر وننتظر أوامر القيادة، اتوفر الكابل حندخل وأجب العمليات، كل واحد ايده في إيد زميله فات الكتير وباقي القليل.

يوم 11 أكتوبر 1973م

وفي أقل من ساعة زمن كانت المعدات المحددة خارج موضعها القتالي ومقطورة وجاهزة للتحرك، وقبيل أذان الفجر تحرك القول للانتشار في مدىنة بورفؤاد انتظارًا لمفاجآت جديدة، وحضر إلينا كثير من ضباط الوحدات المجاورة يتمنون أن نبقى وكأن الأمر بأيدينا.

ورفض غالبية الضباط قضاء ساعات الراحة في غرفة الدشمة وكأنها أصبحت مسكونة، وامتلئت الدشمة عن آخرها بالأفراد للراحة وطلبًا للأمان من السماوات المفتوحة خارجها، وتم التنبيه عليهم بعدم الجلوس أو النوم قريبًا من الشكاير التي قد تنهار عليهم.

وجدت الفريد ومصطفى درويش قد انتخبا مكانًا عجيبًا للراحة وقضاء اليوم، ولا أعرف كيف وجداه؛ دشمة خرسانية قديمة يحتمل أنها كانت مخزنًا للذخيرة، مكعب ينقصه سطح ومغطى تمامًا بالرمال والأتربة عدا فتحة الدخول، وكان يمكن لعشرة أفراد الجلوس فيه بحرية، وكان واضحًا أن الملل قد بدأ يتسرب إلى نفوس الشباب.

وفي حوالى السابعة صباحًا تم استطلاع الموقع بواسطة طائرتين على ارتفاع منخفض، حاولت سرية الرشاشات الاشتباك معهما، وأرسل منير في طلبي مع باقي قادة السرايا ورئيس العمليات حوالي منتصف النهار وأخبرنا أن الكابل غير متوفر، وأننا سنتحرك إلى المصنع في القاهرة لرفع الكفاءة، وفور صدور الأوامر سنتحرك دون جهاز ال ب١٢ وسيتم تحرك الإداري بجميع عناصره، وبالطبع لم نكن نستطيع إجراء أي تحرك إلا ليلاً، ولكن يمكننا التجهيز، وأخبرنا أن معدية واحدة هي التي يمكن استخدامها للعبور غربًا إلى بورسعيد وعلينا البدء بعد آخر ضوء حتى يتثنى عبور كل المعدات والأفراد والتحرك خارج بورسعيد قبل أول ضوء.

ملاحظة عامة

اللامركزية مطلوبة في كثير من المواقف وخاصة تلك الغير متعلقة بعناصر أخرى أو وحدات فرعية أخرى والتي لا تتخطى حدودًا أو تكسر قيودًا، ولكن النظام الأبوي المصري الضارب بجذوره في التاريخ سيطر على أسلوب صنع القرار وحد من مرونة القادة المحليين في اتخاذ القرار، والمشكلة ليست في إعطاء السلطة، المشكلة في تركيب العقلية وفقا للمعطيات السابقة وعدم قدرتها على التفكير خارج الصندوق مما جعل كل مستوى يفكر للمستوى الأدنى منه ويتخذ القرار مستوى أو مستووين أعلى.

أقول ذلك حانقًا وبائسًا ومغتاظًا …ماذا لو فككنا الهوائيات وانتشرت هي والمولدات يوم 8 أكتوبر بعد آخر ضوء؟

إقرأ أيضا

فاكراني بحبها.. الجون اللي دخل في الإعادة

لا تقولوا لي أن لو من عمل الشيطان، أنا لا أقولها اعتراضًا على المشيئة الإلهية، وإنما أقولها اعتراضًا على أسلوبنا المركزي في التفكير؛ وقدر الله وما شاء فعل، ويكفي ما رزقنا الله به من اشتباكات وحفظه لأفراد الكتيبة واستشهد فقط جندي في الحربي و6 آخرين مستجدين في الإداري سقط عليهم سور المدرسة أثناء الضرب المساحي، عليهم رحمة الله جميعًا.

كما أثبتت هذه الفترة وبما لايدع مجالاً للشك أن التفكير في المشاكل التي قد تعترض العمل القتالي والتفكير في حلول مناسبة لها مقدمًا يحول تصرفاتك إلى أفعال مدروسة وليس مجرد ردود فعل قد تحتمل الخطأ قبل الصواب نتيجة الظروف المحيطة من إجهاد وتوتر ـ أقصد بذلك موضوع كموضوع الشكاير ـ والذي قد يقول مراقب، ما هذا الذي يفكر فيه وهناك مشاكل كثيرة تحدث عند التحركات ويجب على القائد الواعي تربية ضباطه على مثل هذه الموضوعات، ماهو تصرفك إذا حدث كذا ؟