همتك نعدل الكفة
1٬097   مشاهدة  

حكايات الموسيقار محمد عبد الوهاب وثومة…قصة كوكب الشرق “أم كلثوم”(24)

الموسيقار محمد عبد الوهاب


أهلا بكم أعزائي القراء في حلقة جديدة ومهمة للغاية، هي الحلقة الرابعة والعشرين من قصة كوكب الشرق أم كلثوم، وفيها نتحدث عن التعاون الفني بينها وبين الموسيقار محمد عبد الوهاب، كنا قد تحدثنا من قبل عن المنافسة الفنية ومحاولات التعاون بين قطبي الغناء في مصر والتي لم تر النور وظلت مجرد مشاريع وأفكار على الورق، واليوم نتكلم عن التعاون الحقيقي بينهما، ولكن قبل أن نبدأ الحديث عن هذا التعاون نمهد بما جاء على لسان محمد عبد الوهاب في كثير من لقاءاته ومقابلاته عن أم كلثوم.

 

 

رأى الموسيقار محمد عبد الوهاب أن في أم كلثوم ملامح عصر في طريقة الغناء والسلوك والشخصية والخلق، وهو ما قاله عنها حرفيا ونقله مؤرخي الموسيقى العرب، يقول عبد الوهاب: قدمت فنا بلا ابتذال، وسمت بأخلاق المهنة، وفي ذكرى وفاتها التاسعة قال عبد الوهاب لإذاعة القاهرة الكبرى: إن في أم كلثوم عشر مغنيات معا، فكل ميزة تجعل منها مطربة كبيرة، ومن أهم مميزاتها التعبير بالجسم وباليدين وبالحركات والإيماءات وبالوجه وبالعبوس والضحك، كانت ممثلة قديرة، ولا أعني أنها كانت تفتعل، بل كانت تحس، وهذه سمة الفنان العظيم، تحس الغضب والفرح والعتاب فتؤديه، كانت مجموعة عظيمة من عطايا الله السخية، أما الصفة العظيمة العظيمة العظيمة “وكررها ثلاث” فيها، فهي أنها ظلت هاوية حتى آخر رمق فيها، وكانت مستمعة عظيمة من الطراز الأول، فتبكي حين تتأثر بأغنية تعجبها، ولو لم تكن مستمعة عظيمة لما كان في مقدورها أن تكون مطربة عظيمة.

 

التعاون الكبير بين أم كلثوم والموسيقار محمد عبد الوهاب

 

كان تعاون أم كلثوم و الموسيقار محمد عبد الوهاب بمثابة حلم لدى محبيهم من المستمعين، حلم تمنوا طويلا أن يروه واقعا، ولا أخفيكم سرا فأنا أحد الذين تمنوا ان يكون هذا التعاون باكرا في الثلاثينيات أو الأربعينيات، صحيح تأخر هذا التعاون حتى عام 1964م، إلا أنه حقق ما حقق من ضحة فنية كبيرة بين الجماهير العريضة المحبة للإثنين، ولعل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان سببا رئيسيا في هذا التعاون، فهو الذي طلب منهما تقديم عمل فني مشترك وقد حكى وقائع ذلك الموسيقار محمد عبد الوهاب.

 

إقرأ أيضًا….

العلاقات المصرية الإفريقية…هل غيرتها محاولة اغتيال مبارك في”أديس أبابا”؟

 

وعنه يقول الموسيقار: كنت قد تعودت خلال أعياد 23 يوليو أن أقدم عملا فنيا، نشيدا من تلحيني أو مقطوعة موسيقية، وتصادف وجود أم كلثوم لتحية الزعيم جمال عبد الناصر، وكان بجواره في نادي الضباط المشير عبد الحكيم عامر، وقال الزعيم جمال عبد الناصر موجها الكلام لي ولأم كلثوم: لن أغفر لكما عدم اشتراككما في عمل فني واحد حتى الآن، أين مجنون ليلى التي سمعت أنك لحنتها؟، وقال المشير عبد الحكيم عامر: المهم أي عمل فني تشتركان فيه، فقالت أم كلثوم: لا مانع، وقلت: أنا أتمنى، وانتهى الحديث عند هذا الحد.

 

وفي أحد الأيام زارني الفنان أحمد الحفناوي وقال لي أن أم كلثوم لديها استعداد لتغني لحنا لك، وفي هذه الفترة كنت ألحن أغنية انت عمري لأغنيها بصوتي، وبعد أن انتهيت من تلحين بعض مقاطعها، اكتشفت أن هذه الأغنية مع بعض التعديلات في اللحن تصلح كبداية للعمل الفني المشترك بيني وبين أم كلثوم، فأسمعتها بداية اللحن في التليفون فأعجبت به.

 

وكعادة أم كلثوم في اختيار الألحان والكلمات والتعديل عليها إذا اقتضى الأمر، عدلت أم  كلثوم مطلع أغنية انت عمري من شوقوني عينيك لأيامي اللي راحوا إلى رجعوني عينيك لأيامي اللي راحوا، وغنتها أم كلثوم في أول خميس من شهر فبراير من العام 1964م، وكانت الجماهير تترقب هذا الحدث وتنتظرة على أحر من الجمر.

 

 

أحدثت الأغنية ضجة كبيرة وكانت ثورة في المجال الفني كله، وعنها تقول الدكتورة رتيبة الحفني في كتابها عن أم كلثوم

 

أذيعت أغنية انت عمري عبر موجات الإذاعات العربية، وأبدعت أم كلثوم في غنائها، واستغرق غناء اللحن قرابة الساعتين، حيث انتهى الحفل في تلك الليلة مع الفجر، والتقت الصحف على تسمية العمل” لقاء السحاب”، ونشرت جريدة الأهرام في الثامن من فبراير من العام نفسه مقالا تحت عنوان: لقاء مع الملايين، تصف فيه أم كلثوم وهي تغني انت عمري، والاستعدادات للأغنية والحفل، وانفعالات الجماهير مع كل مقطع من الأغنية، وفي باب حديث الناس من العدد ذاته تحدثت عن الأغنية تحت عنوان: التقاء العملاقين، إلى جانب عنوان آخر يقول: الأغنية تعطل المرور في شبرا ساعتين، وجاء تحته: فشلت محاولات رجال المرور في تفريق الجمهور الذي احتشد على ناصية شارعي مسرة وشبرا، يستمع إلى الأغنية من ميكروفون استأجره تاجر خردوات سجل الأغنية على شريط.

وفي ليلة الحفل ذهب الموسيقار محمد عبد الوهاب للمسرح قبل الجميع، يردد الآيات القرآنية خائفا، داعيا الله أن يكلل سعيه بالنجاح، وأجرى بروفات عديدة قبل رفع الستار لدرجة أنه ظل يعيد إلى أن وصلت الساعة إلى العاشرة والنصف، فيما دق القلق والخوف على قلوب مذيعي الإذاعة والتليفزيون، حتى أم كلثوم، فقد تعجبت وصاحت: جرى إيه يا محمد، انت مش عايزنا نرفع الستارة ولا إيه، وبالفعل تنحى محمد عبد الوهاب ورفع الستار وبدأت المقدمة الموسيقية فتفاعل معها الجمهور ولاقت تصفيقا حارا منهم.

إقرأ أيضا
مقام الكُرد

 

أما محمد عبد الوهاب فظل يقول عن هذا العمل: لقد أورثتني أم كلثوم الوسوسة طوال عملي في أغنية انت عمري، فهو أول تعاون فني بيني وبينها، وأم كلثوم ليست أي مطربة أخرى، ولذلك كان لزاما عليّ أن أغربل الكلمات واللحن، وهذا ما أخر الأمر بعض الوقت.

 

قد يرى البعض أن الاشتراك في عمل فني واحد من العملاقين أمرا سهلا بالنظر إلى موهبة كل منهما، إلا أن ما تخفيه الكواليس أكبر بكثير، فبقدر النجاح والموهبة تكون المسئولية، ولك عزيزي القاريء أن تتخيل أن عملا مثل هذا يخرج للنور دون أن يكون على مستوى الموهبتين، وقتها ستكون صدمة ومعضلة كبيرة، لذلك لا تقاس المسألة بالشهرة ولا الوضع الذي يحتله النجم، بل بالنتاج الذي بكل تأكيد قد كلفهما الكثير والكثير.

 

بعد النجاح الكبير الذي حققته أغنية انت عمري توالت ألحان محمد عبد الوهاب لأم كلثوم فلحن لها عشر أغنيات خلال تسع سنوات منها انت الحب، وأمل حياتي، وفكروني ودارت الأيام وليلة حب، وكان محمد عبد الوهاب يطمع في تلحين قصيدة لأم كلثوم بعد نجاحه في أغانيها العامية، فكانت قصيدة هذه ليلتي أولى القصائد التي لحنها لها، وفيها اتجه عبد الوهاب بعيدا عن أسلوب المرحوم رياض السنباطي في تلحين القائد ليضع بصمته الخاصة، فجاء اللحن بالإيقاعات الراقصة، وللأسف كان ذلك سببا في توجيه بعض النقد للحن، فمثلا يقول المؤرخ كمال النجمي: “قصيدة هذه ليلتي كانت قصيدة للمرح والرقص والغزل الجريء، ومثل هذه القصيدة لا تتحمل الجزالة والوقار”، لذلك حاول محمد عبد الوهاب في قصيدة أغدا ألقاك أن يخفف من الإيقاعات الراقصة، فجعل اللحن يدور في فلك التعبير الموسيقي والطرب وكذلك خفة الظل والرقص والعذوبة، لذلك تحدث كمال النجمي فيما بعد عن تلحين عبد الوهاب للقصائد بطريقة تحمل مدحا له فقال: إن نجاح عبد الوهاب في تلحين الشعر الفصيح لأم كلثوم كان في مستوى نجاحه الجماهيري المدوي في تلحين الأزجال الدارجة، وقد شرح لي عبد الوهاب وجهة نظره في ألحانه لأم كلثوم فقال: إنه استطاع أن يقرب أم كلثوم من أذواق الشباب، وإنه لو لم يتجنب الطريق التقليدي لألحان أم كلثوم، لما استطاع أن يبلغ هذا الهدف الذي كان وقتئذ يحمل أهمية كبيرة، ولا شك أن وجهة نظر عبد الوهاب كانت تستحق التأمل والاعتبار.

 

وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة، على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.

دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان