عن جيتار عمرو مصطفى اللي دخل في مصر
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
لو سألنا عن الشئ الوحيد الذي يبرع فيه الملحن عمرو مصطفى حاليًا؛ حتمًا ستأتي الإجابة هي إثارة الجدل، عبر برنامج حبر سري ظهر عمرو مصطفى بعد أن أصبح فقرة معتادة تتغذى عليها برامج التوك شو للحديث عن مشاكله التي لا تنتهي مع الوسط الفني كله.
كعادة مقدمة البرنامج اسما إبراهيم لم تستغل الحلقة في الحديث عن مشكلة هامة طرحها حول حقوق صناع الأغنية في مصر وتغول شركات الإنتاج ضدهم ، بل تفننت في غلق كل القضايا الهامة واكتفت بأن منحته اللقطة التي يريدها كما يحب في جملة قالها بشكل عابر “أنا اللي دخلت الجيتار مصر”.
رغم أن الحوار استمر لمدة ساعتين على جزئين إلا أن اللقطة كانت في تلك الجملة التي أدرك تمامًا أنه لا يعيها بل قالها في لحظة انتشاء كي يرضي بها الإيجو المنتفخ لديه، لكنها فتحت الباب حول منح بعض الفنانين أنفسهم ريادة مزعومة كأول من فعل كل شئ في الموسيقى ووصل الأمر إلي حد التناحر في أمور فارغة تمامًا كأول مطرب خلع البدلة وارتدى ملابس عادية على المسرح ولن اتفاجئ لو خرج علينا أحد المطربين أو أحد شبيحته لمنحه ريادة أنه أول من أمسك بميكروفون على المسرح.
ظهر عمرو مصطفى على الساحة الغنائية في عام 1999 وقبل ظهوره بثلاث سنوات كان سوق الغناء المصري قد انقلب تمامًا بعد نجاح أغنية “نور العين” التي فتحت الباب لعودة الشكل الغربي بشكل أوسع في أغاني الـ Hits بعد أن ظلت أسيرة المقسوم الشرقي فترة لا بأس بها، الأغنية كما نعرفها جيدًا كانت موزعة على نمط الفلامنجو الإسباني وتعج بالجيتارات التي عزفها كبار عازفي الجيتار في مصر و ظهروا جميعًا في الفيديو كليب الخاص بالأغنية.
لم تكن أغنية “نور العين” هي التي أعادت الجيتار إلي سوق الغناء مرة أخرى ولا حتى “ويلوموني” التي كانت إرهاصة مبكرة لها، لو استكملنا عودة إلى الخلف سنجد أن الجيتار كان حاضرًا وبقوة في تجارب “حميد الشاعري – مصطفى قمر ” وغيرهم الكثيرين سواء من الملحنين أو الموزعين الموسيقيين ولم يخرج علينا أحد يدعي أنه أول من أدخل الجيتار في أغنية مصرية أو حتى أعادها إلى سوق الغناء، بل أن الأغنية البديلة التي ظهرت أواخر السبعينات وحتى منتصف الثمانينات بنت مجدها على الشكل الموسيقي الغربي وكان الجيتار أحد أعمدة هذا المجد من خلال تجارب الفرق الغربية “الحب والسلام – طيبة – الجيتس” وحتى في التجربة الأهم مع محمد منير ووجود عازف مثل “عزيز الناصر” الذي يصنفه المتخصصون كأعظم عازف جيتار مصري، إذن الجيتار لم يختفي اصلًا من الموسيقى المصرية ولم يجلبه إلينا أحد.
أهم ما فجرته تلك الجملة العابرة هو محاولة البعض السير على نفس شاكلة عمرو مصطفى بمنح عازف الجيتار عمر خورشيد ريادة في إدخال الجيتار مصر ، لا ننكر أنه أشهر عازف جيتار مصري لكن الأشهر بالضرورة قد لا يكون الأول أو حتى الأفضل.
مسألة تطوير الموسيقى المصرية وإدخال الآلات غربية في نسيجها بدأت مع سيد درويش في إدخال البيانو والكمان الكبير ثم جاء القصبجي كي يفتح الباب لتطوير شكل التخت لأن موسيقاه بحسب المؤرخ إلياس سحاب مكتوبة كي تعزفها فرقة كبيرة الحجم وليس تخت بسيط، أما محمد عبد الوهاب فقد كان يسير خلف ثورة القصبجي ويعتبر الرائد في تطوير شكل الأغنية السينمائية كل هذا ولم نذكر اسماء موزعين موسيقيين مثل “إبراهيم حجاج – عزيز صادق – أندريا رايدر – فاروق الظاهري” قاما بتوظيف الآلات الموسيقية ومنها الجيتار الكلاسيكي في أغاني كثيرة صنعها عبد الوهاب منها مقدمة أغنية “يا ناسية وعدي 1939” ولو ذهبنا إلي منتصف الخمسينات سنجد أن عبد الوهاب وصل بالأغنية السينمائية القصيرة إلى أقصى تطور مع عبد الحليم حافظ في أفلام “بنات اليوم – أيام وليالي” ويمكن الرجوع إلي أغنيات الفيلم لنلمح التطور الذي صنعه عبد الوهاب صحبة فؤاد الظاهري واندريا رايدر والأهم أن أول عازف جيتار ظهر خلف أم كلثوم كان “عبد الفتاح خيري” في لقاء السحاب ثم ظهر لاحقًا خورشيد الذي انضم إلى فرقتها من فرقة لي بتي شاه وصنع شهرته بعدها.
صنعت تلك الجملة العابرة عاركة بها بعض ضيق أفق من بعض المدافعين والمهاجمين لكنها قد تكون بداية لتصحيح بعض مفاهيم الريادة المغلوطة لدى كثير من الجمهور وأن الأصل في الأمر هو أن استخدام اّلة موسيقية في أغنية من عدمها لن يصنع فارقًا إذا لم توظف بشكل جيد ينتج لنا في النهاية شئ يمثل أنقلابًا فنيًا في الوسط الغنائي ولا يكون الأمر على سبيل التفاخر بريادة لا فائدة منها.
رموا طوبتي أغنية جيدة تبحث عن مطرب.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال