عن قهوة فاروق
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
تقدمت السيدة “ماري بيانوتي ” ووقفت بثبات أمام الموكب المهيب واعترضته، ثم اقتربت من تلك العربة وانحنت وهي تقول:
يا جلالة الملك…اسمح لي أن استضيف سموك في مقهاي المتواضع.
كانت ماري تمتلك ذلك المقهي الذي أطلقت عليه اسم “كالميرا” وترجمتها صباح الخير باليونانية.
ترجل الملك عن موكبه بالفعل، وأشار لحاشيته ان يترجلوا من سيارتهم أيضًا إستجابة لطلب الحسناء ماري، ليجلس داخل المقهي وقد تجمع الآلاف من سكان الحي بالخارج وهم يشاهدون ملكهم يشرب الشاي وينفث دخان النارجيلة بداخل ذلك المقهي الشعبي.
وفي صباح اليوم التالي أوصت ماري بصنع عدة تيجان نحاسية وضعتها في مداخل المقهي وعلى أبوابه، وأوصت كذلك بتركيب منصة حيث جلس الملك، وزينت جدرانه بعدد من صوره، وقامت بتغيير اسم المقهي إلى “فاروق”.
حين تتنزه بشارع “إسماعيل صبرى” يختطف ناظريك فجأة تاج لملك، يمتثل أمامك، تتساءل عن هذا المكان، فيرد عليك المارة ” إنت إزاى متعرفهاش.. دى قهوة الملك فاروق “، ثم تكتشف من قصصهم و حكايتهم أنه ليس مجرد اسم، بل هو فعلاً أول مقهى جلس عليه الملك فاروق بعد جلوسه على عرش مصر.
حين تتعلق بمكان يتمسك المكان بك، فتزداد قيمته لما يحمله من ذكريات.
“قهوة فاروق” عمرها التاريخي 93 عام حيث أنشئت في عام 1928، ذلك المقهي الذي ابتسم كلما مررت من امامه وأنا أشاهد التاج الملكي يزين مداخله، تستقبلني جدرانه بترحاب فوق الترحاب، وتستقبلني صور الملك فاروق، يحتضني بناؤه المعمارى الذى مازال يحتفظ بفخامة وجمال الملكية، والذي يحكي كل ركن فيه عن ملك مصر، فضلًا عن جمال موقعه بحي الجمرك منطقة بحري، وأغاني أم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب التي يتردد صداها بداخله، أشعر منذ اللحظة الاولى لوجودي بداخله أنه جزء تاريخي أصيل منفصل عن الزمن الحالي، يحيط به المهابة وعبق التاريخ ويمتزج برائحة نسيم البحر، فيُشبع حواسي بالتراث ممتزجًا بالحداثة.
أفلتت “قهوة فاروق” من ثقافة فضة المعداوي التي لا تبالي بقيمة التراث، وظلت باقية كأثر ومزار سياحي يأتيه المصريين والسياح العرب والأجانب من كل مكان.
إقرأ أيضاً
رغم ارتفاع مستوى المياه .. اللاعبون “المجانين” يواصلون اللعب في المقهى المغمور
الكاتب
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال