قراءة في القمة المصرية الجنوب سودانية

زيارة سالفا كير، رئيس جنوب السودان، لمصر جاية في توقيت مهم للدولتين داخليًا وخارجيًا، داخليًا الأتنين داخلين على انتخابات رئاسية، وخارجيًا الأتنين من دول حوض النيل ومن أكتر دول الجوار تأثرًا وتأثيرًا في الأزمة السودانية.

كلمة الرئيس المصري

كلمة الرئيس السيسي في المؤتمر الصحفي مقسمة على 3 محاور أو أزمات رئيسية، أزمة السلام في جنوب السودان ثم أزمة الحرب السودانية ثم أزمة مياه النيل.

انتخابات الرياسة والسلام في ج. السودان

التأكيد على الدعم المصري لجنوب السودان في مجال بناء القدرات وتقديم الخبرات الفنية في مختلف المجالات، وكمان دعم “كافة الأطراف السياسية” هناك لتنفيذ الاستحقاق الانتخابي وتحقيق السلام، أمر إيجابي جدًا رغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة في اللي إحنا عايشينها، فدعم جنوب السودان وغيرها من دول حوض النيل مش ترف ولا رفاهية، إنما خطوات لابد منها بعد تفريط استمر عقود طويلة، وشبب آثار سلبية كتير علينا.. وتعتبر أزمة المية واحدة من أبرز تجليات الآثار دي.

بالتالي تفعيل النقاط اللي وردت في المحور ده هو خطوة على طريق إحياء دور مصر في دعم أشقائها من حوض النيل، كإقليم بيشكل عمق استراتيجي كبير وخطير بل أقدر أقول “وجودي” لمصر وشعبها.

أزمة الحرب السودانية

الحديث عن تضامن أو شراكة (مصرية – جنوب سودانية) بوصفهم من دول الجوار المباشر، ثم إنطلاقًا من النقطة دي مناشدة طرفي الصراع في السودان “بتغليب مصالح السودان كدولة على أي مصالح ضيقة أو تدخلات خارجية”، يعتبر تغير في السياسة الخارجية المصرية تجاه الأزمة السودانية والنظر ليها من زاوية كونها قضية أفريقية لها أبعاد إقليمية متنوعة، مش قضية واحدة من الدول الناطقة بالعربية بالتالي يمكن الاكتفاء بالعمل على حلها عبر جامعة الدول العربية.

ودي خطوة فيها مخاطرة “شجاعة” من الإدارة بتاعتنا خصوصًا مع الأزمة الاقتصادية بتاعتنا، لإنها رسالة واضحة لتلك الأطراف، مش إن الإدارة المصرية عارفة دور القوى دي في تسخين الصراع لخدمة مصالحها، في الثروة الغذائية أو المعدنية السودانية أو لضمان إن البحر الأحمر يفضل من غير مواني عملاقة، لإنها أمور معروفة للكل.

إنما خطورتها في التأكيد على استحالة إدارة الملف السوداني من بره القارةعموما وإقليم حوض النيل خصوصًا، والتشديد على أهمية إن أي حل عشان يكون عملي لازم يبقى مُنطلق من مُخرجات مؤتمر دول الجوار، اللي إنعقد في القاهرة، يوليو 2023، مش من أي مكان تاني.

لإن محاولة إغفال دور دول الجوار عمومًا، ومصر أو ج. السودان خصوصًا، في صناعة الحل، بكل ما يشكله البلدين (حكومة وشعب) من تاريخ مشترك شديد العمق لدرجة التجذر في خلفية تكوين الشعب السوداني ودولته وجيشه ومؤسساته المدنية وأحزابه السياسية وحتى فصايله المسلحة، مهياش أكتر من غطرسة سياسية منطلقة من خزنة الدولة دي مش من تُقلها السياسي المبني على فعل سياسي واجتماعي وثقافي وتاريخ من النضال المشترك.

“لا سيما وأن الدولتين هما الأكثر فهمًا لطبيعة الأزمة وتشابكاتها القبلية”، جُملة اختصرت لتلك القوى الإقليمية دراية الإدارة المصرية بعدم إلمامهُم بخطورة خيوط النار اللي بيلعبوا بيها. وإن الجانبيين المصري والجنوب سوداني من أكتر دول المنطقة دراية وتعاطي مع الوضع السوداني سياسيًا وديموغرافيًا.

أزمة مياه النيل

كلمة الرئيس تبدو مقتطبة لكن حملت رؤية إيجابية، مفادها إن على حكومات دول حوض النيل أن تنظر للنيل كدافع ومُحرِك للتعاون المشترك مش كسبب للصراع. أمر أتمنى يكون فعلًا هو مؤشر بوصلة الدولة المصرية بمختلف مؤسساتها ومنابرها، حتى تتمكن بتُقلها السياسي وقدراتها على الدعم، رغم الأزمة الاقتصادية، من نشر الرؤية دي في مختلف دول الإقليم؛ بالشكل اللي يساعد على تأسيس تحالف إقليمي هام وحيوي – بل وحتمي في هذه اللحظة التاريخية – يحمل اسم “منظمة دول حوض النيل”، وطبعًا أتمنى أن تكون المبادرة مصرية.

كلمة الرئيس سيلفا كير

غالبية كلمة الرئيس الجنوبي كانت تأكيد على ما ورد في كلمة نظيره المصري، زاد عليها حديثه عن أوضاع التعليم لأبناء جالية جنوب السودان عندنا، وده بالبداهة كده يوضح مدى أهمية الملف ده دولته.

فياريت الأجهزة المعنية تنتبه له وتأخذه بعين الاعتبار، فمن معرفة شخصية أقدر أقول إن طلاب جنوب السودان لهم صوت مسموع في كتير من سفاراتهم حول العالم.

إقرأ أيضا

تحريم التصوير 2) من المفسديون إلى شاشة تأخذنا للجنة

ختامًا

عارف إن كل ما سبق ضاغط جدًا على الاقتصاد الداخلي المأزوم أساسًا، لكنه في نفس الوقت حتمي، فبدون المياه مش هيبقى فيه حياة أساسًا عشان نكون حريصين على تحسين شروطها.