قصة أول شيخ للأزهر تم نفيه خارج مصر “كرسي كان السبب”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يبدو الأمر غريبًا بعض الشيء حينما نقرأ أن هناك شيخ للأزهر تم نفيه خارج مصر، فما هي تفاصيل الحادثة، ومن هو ذلك الشيخ ؟.
اقرأ أيضًا
الأزهر ومحمد علي باشا “فرص ضائعة للتقدم أحزنت الإنجليز والعطار”
ما يثير الفضول في الأمر، أن كرسي مشيخة الأزهر الذي جلس عليه كان هو نفسه السبب وراء نفيه قبل جلوسه على كرسي الإمامة.
لماذا نفي محمد شنن ولماذا ؟
كان في ذلك الوقت من يتولى منصب مشيخة الأزهر هو الشيخ محمد النشرتي الإمام الثالث للأزهر الشريف، وقد تُوفي عام 1709م، وبعد أن شَغَرَ المنصب بوفاته كان الشاغل لبال بعض الطلاب من سيتولى منصب شيخهم الراحل.
أدى شغور منصب شيخ الأزهر إلى صدام قوي حدث بين علماء الأزهر، إذ تأسست طائفة عُرِفَت باسم النفراوية أرادت أن يكون شيخهم أحمد النفراوي إمامًا للأزهر بعدما تطلع لهذا المنصب، وهو الأمر الذي رفضه تلامذة الشيخ النشرتي الراحل والذين انضموا إلى جماعة القلينية الذين أرادوا أن يكون الإمام عبدالباقي القليني شيخًا مع توليه رئاسة المدرسة الأقبغاوية في الأزهر، وعلتهم في هذا أن القليني هو من التلاميذ النجباء للشيخ النشرتي.
لم يكن القليني موجودًا في مصر، فقاموا باستعجاله للحضور في أسرع وقت، ولكنَّ الشيخ النفراوي لم ينتظر، وتقدَّم لإلقاء دروسة بالأقبغاوية، وهنا ظهر طرف آخر وهو الشيخ محمد شنن حيث قام بمساعدة الشيخ النفراوي في تقدًّمهِ لإلقاء الدرس في المدرسة من أجل أن يكون شيخ للأزهر الشريف، أما الشيخ القليني استجاب لاستدعاء زملاءه له بسرعة الحضور، فحضرَ إلى الأزهر فانضمَّ إليه زملاؤه وأنصاره.
قرر القليني تسليح مريديه فوقعت اشتباكات بين النفراوية والقلينية داخل الأزهر وأدت إلى مقتل 10 من أتباع النفراوي، وقامت السلطتين (المملوكية والعثمانية) بالتحقيق في الأمر ليتبين أن الشيخ القليني هو الأحق بالإمامة، فتولى منصبي المشيخة والدرس، وَوُجِّه أمرٌ للشيخ النفراوي بالتزام منزله، وصدرأمربنفي الشيخ محمد شنن خارج العاصمة.
دائماً ما يكون بداخل المِحَن مِنَح، ولم يكن الشيخ محمد شنن يدري أنه سيرجع إلى الأزهر الشريف ولكنه إمامًا له بعد أن غادره بحكم كان بمثابة انتزاعًا لروحه من داخل جسدة ببطء.
من هو الشيخ محمد شنن ؟
ولد الشيخ محمد شنن بمحافظة البحيرة بقرية “الجدية” عام 1643م وأتم حفظ القرآن الكريم ، وبعدها التحق بالأزهر الشريف لتحصيل العلم الشرعي، وكان الشيخ من أكثر الناس ثراءًا في ذلك الوقت إذ كان يمتلك لكثير من الأطيان ومبالغًا من الذهب والفضة كما كان له عبيداً ومماليك، ومن مماليكه احمد بك شنن، الذي صار من كبار حكام المماليك، وعلى الرغم من كل الثراء لم ينصرف الشيخ عن تحصيل العلم، بل تبحر فيه وانهال منه ونال أكثر من الفقه المالكي، الذي كان فيه ضليعًا للغاية .
وكان توليه مشيخة الأزهر بعد وفاة الشيخ القليني الذي نفي بسببه، وأيضا وفاة الشيخ النفراوي الذي تلقى أمرً بالمكوث في منزله، ومن دوافع الحب الشديد من الشيخ شنن للأزهر الشريف، أنه بذل مجهودًا لإحداث نهضة للأزهر، فذات مرة رأى تصدعًا بأحد أركان مبنى جامع الأزهر، وخاف أن يتسبب هذا التصدع على كيان الجامع، فتوجه مباشرةً إلى الوالي العثماني في مقره الكائن بالقلعة، وقال له بعد إلقاء السلام “المرجو من حضرتِكم وعالي همتكم أن تكتبوا لحضرة مولانا السلطان – نصَرَه الله العزيز الرحمن – لينعم على الأزهر بالعمارة فإنه محل للعلم الذي ببقائه بقاء الدولة العثمانيَّة، وله ولك الثواب من المالك الوهاب، ووافق الوالي على الفور، واقترح أن يضع كبار المشايخ مذكرة تُرفَع للسلطان ويوقعوا عليها بأختامهم وأختام الباشا وكبار الأمراء والمماليك”؛ وتمت الموافقة على ما ذكر في المذكرة التي رفعت إليه، وأمر بإنفاق خمسين كيسًا ديوانيًا من مال الخزانة لتنفق على إصلاح الجامع.
وبذل الشيخ شنن مجهوداته في العمل على حركة نهوضه بالأزهر، ووسع اهتمامه فشمل تلاميذ الأزهر، واكتفي الشيخ بجانب إمامته للأزهرأن يتولى شئن التدريس للطلاب، ولم يشرع في التأليف مثل من سبقه، واستمر في منصبه وتدريسه حتى تُوفى في عام 1720.
وذُكِر أن الشيخ شنن عندما أحس بأقتراب أجله، قام بزيارة صديقه الشيخ محمد الجداوي وجعله وصيًا على ابنه موسى، وقام الشيخ الجداوي بحراسة هذه الأموال على خير وجه، وسلمها إلى موسى ابن الشيخ شنن بعد بلوغه سن الرشد، ولم يمض وقت طويل حتى ضيع الابن ثروة أبيه جميعها رغم ضخامتها، ومات بعد كل هذا الثراء مدينًا فقيرًا.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال