قصة شارلوت أميرة موناكو التي أنقذت عرش أبيها “أصولها جزائرية وأمها غسالة”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
عادةً الفتيات هن اللواتي يتحملن نتائج فساد آبائهن، وهذا هو الذي حدثَ مع شارلوت أميرة موناكو ذات الأصل الجزائري والتي تنتمي للطبقة الفقيرة إذ أن والدتها تعمل غسالة !.
الحب في زمن المحتل !
بدأت القصة من مدينة الجزائر حينما كان البرنس لويس ولي عهد موناكو ضابطًا في الجيش الفرنسي، وذهب مع فرقة الضباط إلى قارة إفريقيا، وصادف أن رأى فتاة مالبث حتى وقع بحبها، وكانت تلك الفتاة تدعى جوليت لوفيه.
اقرأ أيضًا
حكاية مروحة اليد التي أوقعت العشاق وكانت السبب في احتلال الجزائر
جوليت لوفيه من مواليد مدينة الجزائر من أصل أم فرنسية، وكانت والدتها تعمل كغسالة، وفي ذلك الوقت كانت جوليت تساعد أمها في الغسيل فرآها الأمير، وأيقن المحب الوله أنه لن يحظى بحياة هانئة حتى يمتلك قلب الفتاة الجميلة، فحاول أن يصل إليها بوعوده ظناً منه أنها يتستطيع الحصول عليها كأي فتاة، ولكنها كانت فتاة شريفة فأيقن أنه لن ينالها كما تُنال المرأة المبتذلة.
اقرأ أيضًا
تاريخ رؤساء الجزائر “نهايات رسمتها الاستقالة مع الدماء وأحدهم ببيجامة النوم”
قرر التزوج بها بقران شرعي في الكنسية، ولم يكون الزواج مدني بسبب والده أمير موناكو ألبرت تشارلز جريمالدي، الذي اعترض على إتمام هذا الزواج، فأصبح الزواج غير معتمد أمام المحكمة الفرنسية حتي لو كان شرعيًا.
عاشا الحبيبان حياتهما بعيد عن كنف الأب، ووضعت الزوجة طفلة في غاية الجمال تدعى شارلوت بعد عام من زواجهما، وكتب لهذا الحب أن ينتهي بطلاق الزوجين وافتراقهما، ولكن الزوج أبقى الطفلة الجميلة معه، وعندما رجع كنف والده الأمير ألبرت بالطفلة، خطفت تلك الطفلة أيضا قلب الجد فأحبها وشغف بها، وبسبب حبها قرر أن يعفو عن أبيها العاق له، واعترف بزواجه بأم الصغيرة، وعهد أن يتولى نشأتها من تربية صالحة لائقة بابنة ملك، وعندما بلغت شارلوت أشدها أرسلها جدها إلى مدرسة عالية، وأينعت الفتاة وبلغت من الجمال ما يلفت الأنظار، فرأى جدها أن يزوجها بالكونت بير دي بولنياك وهو من وجهاء وشرفاء فرنسا، وأعد لهما احتفالاً تحدثت عنه فخامته أوروبا، وكان عمرها في ذلك الوقت 18 عاماً.
وفاة الجد .. وصعود الأب
خيم الحزن على أرجاء القصر بعد وفاة أمير موناكو البرنس ألبرت، وبعدها صعد ولي العهد لويس إلى العرش، وبذلك أصبحت الحفيدة شارلوت أبنة الغسالة، ولية عهد موناكو الشرعية.
اشتهرت أمارة موناكو في أنحاء العالم آنذاك، بنقطة تمركز نوادي القمار، وكانت تعرف بنادي قمار مونت كارلو فيها وكان المأمول أن كل هذا الفساد ينصلح على يد الأمير لويس ولكن من المؤسف أنه كان ظالماً فاسداً، مستخدمًا أسلوب القمع على الرعية الذين بلغ عددهم 23418 شخصًا.
ازادات النكبات والفواجع وأعداد الجرائم في موناكو، فأرادت ولية العهد الصغيرة شارلوت أدراك السر وراء كل هذه النوائب التى تمر بها الإمارة، وصُدمت عندما علمت أن إيراد الإمارة إنما هو من الضرائب التي تدفعها نوادي المقامرة، وهي أموال ملطخة بدماء الضحايا والمنكوبين، وأخذت بعدها تبحث في شؤون مونت كارلو فلا تجد إلا المآسي المؤلمة والأحزان ولذلك كرست وقتها وجهدها في تخفيف هذه النكبات وتخفيف وطئة الألم عنهم، ومن هنا أحبها الشعب وتعلق بها لرحمتها وعطفها.
ومما جعل الأميرة شارلوت تصبح في حالة من الحزن، أنها في صباح ذات يوم كانت تسير فى حدائق الإمارة فرأت امرأة صغيرة مطروحة على الأرض فاقدة الحياة، وبجانبها زجاجة سم، وتفقدتها فوجدتها إحدى زميلاتها في المدرسة، وبحثت عن السبب وراء ما آلت إليه فعلمت أنها تزوجت زواجاً موافقاً، ثم حلت بهم نكبت أن زوجها فقد ثروته في الكازينو فضاقت بها الأرض بما رحبت واختارت الموت على الحياة.
ثورة الشعب وتدخل شارلوت أميرة موناكو
لم يدرك الأمير أن الشعب في قمة ثورانه، وأن الشعب لن يتحمل أكثر من ذلك فأرادوا إسقاطه عن العرش، فتدخلت الأميرة لإصلاح الوضع، فرضخت الجموع أمام الأميرة الصغيرة، وتراجعوا على أن يقوم الأمير بإصلاحات سريعة، فهدأ الوضع وكل ذلك من أجل الأميرة شارلوت، ولكن الأمير استخدم حيلة المماطلة بغرض أن يجمع الضرائب، وثار الشعب مرة أخرى ولكن هذه المره قرر الزعماء أن يرفعوا إنذارًا أخيرًا بمنح الشعب حقوقة الكاملة، أو يتنازل عن الملك، وتضم موناكو إلى فرنسا، وبلغت وقتها الفتنة أقصى حدودها، وزحف الثوار إلى القصر.
كانت الأميرة شارلوت طريحة الفراش فكانت تقاسي آلام حمى شديدة، فخرجت للجموع وهي شاحبة الوجه هزيلة الجسم تترنح من شدة مرضها، وعندما رأها الثائرون هتفوا بأسمها واختفت علامات الهياج والشر من على وجوههم، وأصغوا إليها كانهم يصغون إلى ملاك رحيم، فوعدتهم أن تحصل في الحال على الموافقة على مطالبهم.
بالفعل سافرت في نفس الليلة إلى مرسيليا حيث فر أبوها هاربًا من غضب الشعب، وعادت في اليوم التالي ومعها قرار الأمير بقبوله مطالب الشعب، وهكذا كان لفتاة صغيرة وولية عهد وأبنة شعب إنقاذ عرش أبيها من غضب الشعب.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال