كان محرمًا..كيف أجبرت ماري ستوبس الجميع الحديث عن حبوب منع الحمل؟
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
تخيل أنك ولدت منذ مائة عام، هل كان بإمكانك الحديث عن حبوب منع الحمل دون أن تعاقب؟، بالطبع، لا، فالأمر كان محرمًا ومكروهًا.
لكن من أول من تحمل المغامرة والمجازفة، وفتح الحديث عن حبوب منع الحمل، هي المرأة،لكن من هي؟
عام 1877 وقفت آني بيسان أمام المحكمة، لكن تم تبرئتها، لأنها كتبت حول خطط لتنظيم الأسرة، وفي عام 1914 نشرت مارجريت سانجر في مجلتها “ثورة المرأة” مقالًا دشنت فيه لأول مرة مصطلح “تحديد النسل”، لكن قضية ماري ستوبس كانت هي الأشهر في هذه القضية.
ولدت ماري تشارلوت كار مايكل ستوبس عام 1880، وكانت امرأة غير عادية، تتمتع بالجرأة والحيوية والذكاء، والإرادة القوية والعزم الأكيد دون مراعاة للحساسيات، درست علم النبات في جامعة مانشستر، انهارت حياتها الزوجية عام 1916، فابتعدت عن مشكلات الزواج بالكتابة حوله، فنشرت كتابها الذي أثار جدلًا بعنوان “married love”.
الجميع ضد ماري ستوبس
نُشر الكتاب بدافع البحث عن قضية السعادة الزوجية، دون الدخول في معترك القضايا الجنسية أو تحديد النسل، لكن الكتابة وقتها كانت جريئة، دون خوف، قالت:”إن الجنس ليس أمرًا يخص الرجل ومتعته فقط، فهو يخص المرأة أيضًا، كما أن المرأة لا تجد سعادة في الجنس لأنها تخشى الحمل”، من هنا كان تأييدها ودفعها عن قضية منع الحمل.
أثير الجدل وصب الغضب على ماري ستوبس، ورفضت جريدة تايمز أن تعلن عن الكتاب، لكنها باعت منه خلال أسبوعين أكثر 2000 نسخة، وأعيد طبع الكتاب ما يقارب 26 مرة، واستخدمت “ماري” عوائد الكتاب المادية في افتتاح عيادة شمال مدينة لندن عام 1921، لتقدم النصح مجانًا للأمهات حول وسيلة منع الحمل التي كانت تقتصر وقتها على تحميلة مهبيلة تباع بسعر التكلفة.
رغم الجدل والهجوم على الكتاب، لكنها حققت مبيعات هائلة، كما أن النساء أقبلن على عيادتها، خاصة من الأحياء الفقيرة في لندن، في الوقت الذي شن عليها رجال الدين والأطباء هجومًا كثيفًا، وكان على رأسهم أستاذ جامعة إدنبرة الكاثوليكي الدكتور هاليداي جبسون سوذلاند، الذي ألف كتابًا خاصًا حول قضية تحديد النسل.
استشهد “سوذلاند” في كتابه بقول البروفيسور “ماكلوري” الذي أكد على أن وسيلة منع الحمل الرائجة وقتها خطيرة للغاية، كما اتهم ماري ستوبس بأنها تقوم بإجراء تجارب على النساء الفقيرات في عيادتها، وحرض ضدها يقول :”ومن العجيب أن وزارة الداخلية تقف مكتوفي الأيدي إزاء هذه الحملة الشنيعة التي تقوم بها ماري ستوبس التي تؤمن بالفلسفة الألمانية”.
ماري ستوبس لم تقف مكتوفة الأيدي، رفعت قضية ضد “سوذلاند” تتهمه بالتشهير، استمرت المحاكمة لمدة 9 أيام، بعد أن بدأت في 21 فبراير 1921، تبادل كل منهم الاتهام ضد الآخر في حضور الشهود والمختصين من الأطباء.
لكن الغريب أن القاضي كان ضد ماري ستوبس وأفكارها وكتاباتها، وكان واضحًا في ذلك خلال تعليقاته ومناقشاته، فعندما قال الشاهد الدكتور ميريديث يونج، بأن النساء يستفدن من معرفة وسائل منع الحمل، أجاب القاضي:”ما هي الفائدة التي يمكن للفتيات الصغيرات أن يجنيها من التعرف على كيفية التحاميل المهبلية؟، فرد الطبيب: ” إن لم يتعلمنها من الكتاب بطريقة علمية نظيفة، فسوف يتعلمنها بطريقة قذرة”، فعاد القاضي متسائلًا:” ولكن لماذا؟”، ثم أوضح أن الملايين يعيشون حياة طبيعية بدون حاجة إلى التعرف على وسائل منع الحمل.
غير أن الدفاع قال: بأن هذه الأمور لا تهم الرجل، ولكنها تهم المرأة والأمهات، ووازنت “ستوبس” نفسها بين المنع العلمي والحكيم، وجرائم الإجهاض الفظيعة التي تمارس في الأحياء الفقيرة، وقالت:” هل نحن نجري تجارب على الفقراء؟ أن وسيلة منع الحمل نوصي بها مستخدمة على نطاق واسع منذ أكثر من 40 عامًا، فأين التجريب والتجارب؟”.
ورغم أن المحكمين كانوا من الرجال، لكنهم أقروا بصحة التشهير وحكموا للمدعية بتعويض قدره 100 جنيه ضد “سوذلاند”. لكنه استأنف ضد الحكم ورفع الأمر إلى مجلس اللوردات، وحكم له بالبراءة من تهمة التشهير واسترد المبلغ كاملًا، وخسرت ماري ستوبس دعواها من الناحية القانونية.
لكنه في النهاية، فتحت آفاق جديدة، مستباحة، وجلعت أمر الحديث عن حبوب منع الحمل وتنظيم الأسرة، أمرًا عاديًا.
الكاتب
-
محمد احمد
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال