مصر خلال أول يوم في الحرب العالمية الثانية .. قاتل ياسين عشيق بهية له أدوار
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
جاءت الساعة 5:35 صباح 1 سبتمبر 1939 لتعلن بداية أول يوم في الحرب العالمية الثانية رسميًا باجتياح الألمان لبولندا، وكانت أوروبا على شفا الدمار وأخذ الشرق الأوسط نصيبه.
معاهدة ڤرساي .. نواة الكارثة
وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها عام 1918 وبعد عام تم توقيع معاهدة ڤرساي والتي كانت في قسوتها السياسية أشد ضرواةً على ألمانيا من هزيمتها العسكرية.
ألزمت معاهدة فرساي أن تقوم ألمانيا بدفع كل تعويضات الحرب العالمية الأولى بتهمة أنها المسؤولة الأولى عن الحرب، فضلاً عن توزيع كل المستعمرات الألمانية في قارتي آسيا وإفريقيا والمحيط الهادئ لصالح الدول المنتصرة.
لم تتوقف عقوبات معاهدة فرساي عند هذا الحد، بل سُحِبَت الأراضي التي تخضع لألمانيا في الألزاس واللورين وأعْطِيَت لفرنسا، فيما أخذت بولندا كل المناطق الواقعة تحت سيطرة الألمان في بروسيا.
صعد أدولف هتلر إلى منصب مستشار الرايخ عام 1933 م وكان شغله الشاغل هو أن يخلص ألمانيا من معاهدة فرساي ثم تحالف مع بينيتو موسوليني، وباتت ملامح حرب عالمية ثانية تلوح في الأفق.
اتفقت بريطانيا وفرنسا على مبدأ ترضية هتلر بهدف تجنيب العالم تكرار سيناريو الحرب الأولى خاصةً وأن لندن وباريس اكتوت بنيران الحرب رغم انتصارها، فالتقى إدوار دلادييه رئيس الوزراء الفرنسي ونظيره البريطاني نيفيل تشامبرلين مع أدولف هتلر وبينيتو موسوليني في ألمانيا وتم توقيع معاهدة ميونخ يوم 30 سبتمبر 1938 م والتي بموجبها تم تسليم مقاطعة التشيك في السوديت إلى ألمانيا مقابل أن لا تطلب ألمانيا أي شيء آخر.
لم ينفذ هتلر بنود المعاهدة فقام في 15 مارس 1939 باجتياح تشيكوسلوفاكيا، وبعد 5 أشهر أعلن عن مقاومته لمعاهدة فرساي، فقرر اجتياح بولندا والاستيلاء على ممر دانزج في 1 سبتمبر 1939 الساعة 5 و35 صباحًا وكان ذلك هو أول يوم في الحرب العالمية الثانية.
مصر قبل 24 ساعة من أول يوم في الحرب العالمية الثانية
كانت الحكومة المصرية برئاسة علي ماهر تخضع تحت الاحتلال البريطاني وستتحول أراضي المحروسة فعليًا إلى مسرح يتصارع فيه القوى العالمية بالتالي كان الوضع فيها على أهبة الاستعداد والتوتر.
على الصعيد العسكري أجرى رئيس الوزراء علي ماهر ووزير الدفاع محمد صالح حرب اجتماعًا مع الجنرال ديفر رئيس هيئة أركان حرب الجيش البريطاني في مصر بهدف البحث حول بناء سفن حربية مصرية، وتقرر أيضًا حظر طيران الطائرات الحربية الأجنبية في الأجواء المصرية ومنع طيران الطائرات المدنية إلا بترخيص من وزارة الدفاع، أما طائرات الخطوط الجوية المنتظمة فيتم الترخيص لها بالطيران مؤقتًا بشرط الالتزام بحدود معينة في طيرانها، مع اتخاذ التدابير اللازمة.
ومحمد صالح حرب وزير الدفاع ورئيس جمعية الشبان المسلمين هو الرجل الذي قتل قاتل ياسين قاطع الطريق وخاطف بهية وأنجب منها رغمًا عنها طفلاً، وقد جاءت قصته في مذكرات محمد صالح حرب وحكاها المؤرخ جمال بدوي في كتاب مصر من نافذة التاريخ.
وتقرر الاجتماع أيضًا خلال إنشاء مصانع للأسلحة والذخيرة في إمبابة ليقوم بالتسهيل على مصر صنع أسلحتها لصالح بريطانيا محليًا بدلاً من استيراده، مع قرارٍ آخر بمد خطوط السكة الحديد إلى إمبابة تنفيذًا لمشروع المصانع ونقل الأدوات اللازمة لها، فضلاً عن قيام الوحدات الإنجليزية بعمل مناورات يومية على الشواطئ المصرية.
على الصعيد المدني فقد تولت وزارة الداخلية (التي كان علي ماهر يتولاها مع الخارجية ورئاسة الحكومة) مهمة تنظيم الرقابة على جميع الذين يفدون على القطر المصري، كما تم السماح لـ 150 ألمانيًا بمغادرة الأراضي المصرية.
أما وزارة المواصلات التي يتولاها محمود باشا غالب فقد طلبت من مصلحة الطرق والكباري بيانًا عن الطريق العسكري بين الدخيلة ومرسى ومطروح وإبقاء الحال على ما هو عليه، وكان الطريق العسكري حينها يبلغ 470 كم بتكلفة 564 ألف جنيه.
لم تهمل السلطات المصرية حماية المواطنين من التلاعب بالأسعار، إذ اجتمع سابا حبشي وزير التجارة والصناعة مع كبار التجار وتحدث معهم بشأن رفع الأسعار دون مبرر، وألقى التجار المسؤولية على صغار التجار، وإزاء ذلك تقرر وضع كافة الإجراءات اللازمة لمنع الغلاء.
أما مصلحة الآثار فقررت اتخاذ كافة التدابير اللازمة لنقل الآثار في مخابئ تكون بمنأى عن الخطر في حال حدوث حرب.
ولضمان استقرار الرأي العام المصري الذي سيتعاطف مع الألمان نكايةً في الإنجليز تقرر تعيين المؤرخ محمد صبري السوربوني مديرًا لإدارة الصحافة والنشر في وزارة الداخلية.
مصر خلال أول يوم في الحرب العالمية الثانية
قبل شروق شمس 1 سبتمبر 1939 جاء الضوء الأخضر للألمان بالهجوم على بولندا والذي انتهى في شهر واحد بانتصار الألمان والسوفييت ومقتل 66 ألف بولندي وأسر 694 ألف أسير.
تولى فيدور فون بوك قيادة الجيوش الشمالية النازية وصار أسطولها الجوي تحت إمرة ألبرت كسلرنج، أما الجيوش الجنوبية الألمانية فكانت بقيادة رونتشتيت، وتولى ألكسندر لوهر قيادة أسطولها الجوي.
فور وقوع الهجوم على بولندا أعلنت مصلحة وقاية المدنيين من الغارات الجوية عن انتهاءها من إحصاء سكان القاهرة من الشيوخ والشبان والأطفال والراغبين في الرحيل منها لتوزيعهم على باقي المحافظات، وجرت عملية إخلاء جزئية بالإتفاق بين وزارة الداحلية ومصلحة السكة الحديد عن طريق إعداد القطارات الخاصة التي تنقل سكان القاهرة إلى الريف ويكون السفر قاصرًا على من يحمل البطاقات التي وضعتها مصلحة الوقاية.
وأصدرت الحكومة المصرية قرارًا بتخزين كميات كبيرة من الفحم من أجل قطارات السكة الحديد مع حظر تصدير البترول والبنزين والمازوت والخشب والأدوية والمواد الطبية والأسمنت ومواد البناء وقطع غيار الماكينات والسيارات والمواد الغذائية والأقمشة.
وأجريت تجربة سد مدخل ميناء الإسكندرية بالشبكات المعدنية ومنع السفن التجارية من الاقتراب من مدخل الميناء، وفي مساء 1 سبتمبر قامت وحدات الأنوار الكاشفة بمناوات لاكتشاف الطائرات في جو الإسكندرية وحول مداخل الميناء وخرجت بعض وحدات الأسطول البريطاني إلى عرض البحر وقامت بجولات استكشاف ورقابة واسعة النطاق، كما دار البحث بين مدير مصلحة الموانئ ووزيري المواصلات والدفاع الوطني فيما يتم تخويله إلى مدير المصلحة من سلطات في حال الحرب.
وانتهت لجنة التموين من إعداد البيانات الخاصة بالوسائل التي تتخذ لتموين القطر المصري من السودان، وقرر عبدالقوي أحمد بك وزير الأشغال استعمال بواخر الوزارة وغيرها من الجرارات والصنادل في نقل المواد الغذائية وغيرها من الخرطوم إلى الشلال بطريق النيل ومن الشلال إلى القطر المصري بالسكة الحديد.
وقررت السلطة الإنجليزية مع أول يوم في الحرب العالمية الثانية اتخاذ كافة التدابير لمقاومة التجسس ومنع تسريب الأخبار إلى الجواسيس وتحذير الجمهور من إذاعة ما قد يصل إلى الألمان من أخبار عبر الإذاعة أو الإعلانات، وغادر موظفي شركة ريكاديه للملاحة الألمانية البلاد المصرية بناءا على تعليمات وصلتهم من قنصلهم.
كذلك أنهت السلطات الإنجليزية استعداداتها الحدودية من الناحية الغربية (التي وقعت فيها معركة العلمين لاحقًا) وتجهيز عدد من قوات القتال داخل البلاد والانتهاء من أعمال الدفاع المضادة للطائرات لصد أي هجوم بلا عناء، وامتنعت جمارك بورسعيد عن قبول الرسائل المصدرة إلى الخارج ووقف تموين السفن الراسية في الميناء.
وأجرى المدير العام لمصلحة السكة الحديد اجتماعًا مع وزير المواصلات وبحثا إعداد مركبات السكة الحديد لنقل الجنود من جبهات القتال إلى المستشفيات داخل البلاد وتحديد عدد القطارات عند الطوارئ لتحويل الكثير منها إلى العمل في نقل الجنود والمهمات، وقررت وزارة الدفاع دعوة فريق من الضباط الاحتياطيين إلى الانضمام لفرق الجيش.
فاتورة مصر في الحرب العالمية الثانية
خلال سنوات الحرب العالمية الثانية تكبدت مصر خسائر مالية وصلت لـ 200 مليون جنيه وقُتِل من المصريين بسبب الحرب 1125 عسكري و2092 مدني وأصيب من العسكريين 183 والمدنيين 3455 شخص، ونتيجةً للإهمال الصحي فتك التيفود بـ 21 ألف مصري ومات بسبب الملاريا 20 ألف.
تحتفظ مكتبة جامعة كولومبيا بوثيقة تاريخية شديدة الأهمية حول الخدمات التي قدمتها مصر لانجلترا ودول الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية بين عام 1939 و 1945م، والوثيقة تحمل رقم eg984 وهي عبارة عن تقرير أصدرته الحكومة المصرية وطبعته المطبعة الأميرية سنة 1947 م حول الخدمات السياسية والحربية والاقتصادية والمالية التي قدمتها مصر.
بدأت أولى مراحل نهب المصريين بقرار من الحكومة المصرية يقضي بتقييد استهلاك المدنيين من السلع الغذائية مع وضع تسعيرة للمواد الغذائية التي يستهلكونها، وإلى جانب هذا يتم اعتقال أي معارض لإنجلترا وتوضع أمواله تحت الحراسة، فيما يذهب كل هذا إلى الإنجليز.
لم يؤتي هذا القرار ثماره المرجوة فكانت ثاني مراحل عمليات النهب وأكثرها وقاحة وهو قرار الحكومة المصرية بتشكيل لجنة عُرِفَت باسم لجنة الاستيلاء الجبري بإشراف من السلطات الإنجليزية للحصول على كميات من الحديد والأخشاب والورق والمواد الغذائية.
أحصت الصفحة الحادية عشر من تقرير هيئة المستشارين في مجلس الوزراء المصري الكميات التي استولى عليها الإنجليز للحرب والداخل البريطاني فكانت «108 ألف طن أرز سنة 1942 م، و 450 ألف طن ذرة و 20 ألف طن قمح و 4 آلاف طن شعير و50 ألف طن سكر مكرر في عام 1943 م، و170 ألف طن أرز و9 آلاف طن قمح و 450 ألف طن بصل و30 ألف طن سكر في الفترة من سنة 1944 وحتى 1945 م».
لم تنهب انجلترا فقط خير المصريين زمن الحرب العالمية الثانية، بل دخلت اليونان على خط نهب المال المصري عندما أعلنت الحرب على موسوليني فأخذت في عام واحد 8 آلاف طن قمح و 5200 طن عدس و 4 آلاف طن شعير وذرة و 4100 طن فاصوليا و1000 طن فول.
أما ثالث مراحل نهب خير مصر بقيام الحكومة المصرية باتخاذ 5 قرارات اقتصادية ضد المصريين لصالح الإنجليز، فكانت أول تلك القرارات إعفاء إنجلترا من الرسوم الجمركية مع اعطاءها امتيازات مالية، فكان مجموع الرسوم الجمركية التي أعفيت منها انجلترا منذ سبتمبر 1939 وحتى ديسمبر 1945 م 72 مليون جنيه.
وجاءت ثاني قرارات الحكومة المصرية ضد المصريين لصالح الإنجليز بأن أعفت مصر السلطات الإنجليزية من دفع ضرائب المباني التي أخذتها في القاهرة والقناة والسويس والجيزة والمنوفية وكانت قيمة الضرائب 21 ألف جنيه، كذلك رفع ضرائب الملاهي التي كانت 41 ألف جنيه.
اقرأ أيضًا
“إلى الخلف يا روميل” كيف قادت نهاية الحرب العالمية الثانية بعلي ماهر إلى المعتقل
وجاءت ثالث القرارات المجحفة بأن أعطت الحكومة المصرية تراخيص البحث عن البترول لصالح الولايات المتحدة الأمريكية دون دفع أي رسوم على ما تم اكتشافه من البنزين والمازوت في الصعيد والصحراء الغربية، أما رابع القرارات فكانت تسليم مصلحة المناجم والمحاجر لكافة منشآءتها للإنجليز في المقطم وسوهاج دون مقابل مع إمداد القوات البريطانية بالعمالة المصرية، ولا يدفع الإنجليز مقابلاً للكميات التي أخذوها من المحاجر والمناجم.
بينما جاء خامس القرارات متمثلاً في إلزام الحكومة المصرية شركة مصر للغزل والنسيج وشركة الغزل الأهلية بأن تلبي طلبات السلطات البريطانية من الأقمشة وصنع كميات من البيادات للجيوش المتحالفة في مصر، وإلزام خريجي الدبلومات الفنية المصريين بالعمل في تلك الشركات لصالح الإنجليز.
اقرأ أيضًا
“الهايكستب” قصة ضابط أمريكي ساهم في تغيير مصير الحرب العالمية الثانية
المرحلة الرابعة والأخيرة من النهب تمثلت في قيام الحكومة المصرية بوضع الأراضي والمباني تحت تصرف السلطات البريطانية، وتسليم قشلاقات الحرس الملكي في رأس التين للسلطات الإنجليزية وبعض الشون والمباني دون مقابل، وكان عدد ما مُنِح لهم 597 فدان من الأراضي الزراعية و16 ألف متر أراضي سكنية و635 ألف فدان أراضي صحراوية وإغراق مالا يقل عن 400 فدان أرض زراعية.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال