“معركة غطفان” غزوة منسية وقعت بين بدر وأُحُد وأظهرت رحمة النبي مع دعثور
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
اشتهر عند أغلب الناس خطأ في السيرة النبوية أن غزوة أُحُد وقعت بعد غزوة بدر بعامٍ واحد، والصحيح وقعت 5 معارك بعد بدر وقبل أحد أشهرها غطفان .
قصة معركة غطفان
إن غزوة غطفان أو غزوة أنمار، وهي أكبر غزوة قادها النبي صلى الله عليه وسلم قبل معركة أحد، وكانت في السنة الثالثة من الهجرة، حيث وصلت الأنباء إلى المدينة المنورة أن جمعاً غفيراً من بني ثعلبة ومحارب تجمعوا بغية الإغارة على أطراف المدينة، فسار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في أربعمائة وخمسين مقاتلاً ما بين راكب وراجل، ليشعرهم ويُشْعِر الأعراب بقوة المسلمين، واستخلف على المدينة عند خروجه عثمان بن عفان رضي الله عنه.
اقرأ أيضًا
هل قيل للنبي صلى الله عليه وسلم خليك في البيت ؟
وفي أثناء السير في الطريق أمسكوا برَجُلٍ يقال له جُبَار من بني ثعلبة ، فأُدْخِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاه إلى الإسلام فأسلم، فتولاه بلال رضي الله عنه ليعلمه الإسلام، وصار جُبَار دليلاً لجيش المسلمين إلى أرض العدو، وقد علم المشركون من بني ثعلبة ومحارب بمسير المسلمين إليهم، فتفرقوا وفرّوا إلى رؤوس الجبال، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد وصل بجيشه إلى مكان تجمعهم، وهو الماء المسمي بذي أمر، وبقي في نجد مدة تقارب الشهر دون أن يلقى كيداً من أحد، وعاد بعدها إلى المدينة المنورة.
بعث المشركون رجلاً شجاعاً منهم، يقال له غورث بن الحارث أو دُعْثور بن الحارث، فقالوا: قد أمكنك الله من قتل محمد، فذهب الرجل ومعه سيف صقيل، حتى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف مشهوراً، فقال: يا محمد! من يمنعك مني اليوم؟ قال: الله، ودفع جبريل في صدره، فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من يمنعك مني؟ قال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والله لا أكثر عليك جمعا أبداً، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه، فلما رجع إلى أصحابه، فقالوا: ويلك! مالك؟ فقال: نظرت إلى رجل طويل، فدفع في صدري، فوقعت لظهري، فعرفت أنه ملك، وشهدت أن محمداً رسول الله، والله لا أكثر عليه جمعاً، وجعل يدعو قومه إلى الإسلام، قال: ونزل في ذلك قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ } (المائدة:11)”.
وفي موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع دعثور بن الحارث في غزوة ذي أمر تَجَلَّى حب النبي صلى الله عليه وسلم للعفو والصفح عمن أساء إليه، قال ابن حجر: ” فعفا عنه لشدة رغبته صلى الله عليه وسلم في استئلاف الكفار؛ ليدخلوا في الإسلام”. وقد ترك هذا الموقف النبوي الكريم أثراً كبيراً في أعراب هذه المنطقة من غطفان، وبين لهم أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس رجلاً شجاعاً وكريماً وعفواً فحسب، وإنما هو أيضاً نبي مرسل؛ لأنه ليس من عادة الملوك والقادة أن يتركوا من وقف على رؤوسهم بالسيف مهدِّداً بقتلهم دون أن يقتلوه، وليس من عادتهم الرحمة والتسامح إلى هذا الحد، مما كان لذلك أبلغ الأثر في تفكير هؤلاء الأعراب جديًّاً في الدخول في الإسلام.
وقد ظهر في غزوة ذي أمر خصوصية من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم، وهي عصمة وحفظ بدنه الشريف من القتل، فالسيرة النبوية مليئة بالأمثلة الدالة على ذلك.
وقد كانت غزوة غطفان وما شابهها من غزوات أنها كانت تربية عسكرية عملية، تربَّى من خلالها الصحابة الكرام على السمع والطاعة، واكتسبوا منها خبرات عسكرية جديدة، أعانتهم على الوقوف أمام أعداء الله في المعارك الكبيرة بعدها، كما نرى من خلالها قدرة النبي صلى الله عليه وسلم في رصد تحركات العدو، وحكمته في مبادرته بالخروج لغزو أعدائه، الذين يكيدون له قبل أن يشتد ويستفحل أمرهم، ويصبحوا خطراً على الدولة المسلمة، وفيها أيضاً إظهار لقوة المسلمين، وأنهم ليسوا قادرين على هزيمة من تحدّثه نفسه بالاقتراب من المدينة المنورة فحسب، بل نقل المعركة إلى أرضه ومحاربته في عقر داره عملاً بالقول المشهور “إن الهجوم خير وسيلة للدفاع”.
الكاتب
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال