هل عادت محاكم التفتيش وأصبحت أون لاين؟!
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
هل تعرف محاكم التفتيش؟ ربما مر عليك المصطلح أو ربما لا، ولكن أوروبا تعرف هذا المصطلح جيدًا خاصة محاكم التفتيش الإسبانية، صحيح أن البداية لم تكن من إسبانيا، ولكن تلك هي الأشهر على الإطلاق، باختصار شديد محاكم التفتيش هي سلطة قضائية كنسية منحت في القرون الوسطى لمحاربة البدع والهرطقة والخروج عن الدين، وهذا كان ظاهر الأمر.
أما باطنه فكان به من الرعب ما يفيض، يكفي أن يختلف أحدهم مع الأخر ليلقي عليه بتهمة الهرطقة، أو يرشو أحد رجال الكنيسة ليختفي هذا الرجل وراء الشمس، يكفي أن تعرف أن محاكم التفتيش الإسبانية لها العديد من الابتكارات في عالم التعذيب، اختراعات كفيلة بإصابتك بكوابيس لعشرات الليالي، ويقدر بعض المؤرخين ضحايا محاكم التفتيش في أوروبا ب 5 ملايين إنسان
ربما سمعت عن مصطلح المكارثية، أو لم تسمع، ولكن أمريكا تعرفها جيدًا، تلك الحركة التي دشنها عضو الكونجرس الأمريكي جوزيف مكارثي، لمحاربة الشيوعية في الولايات المتحدة الأمريكية في بداية الحرب الباردة مع مطلع الخمسينات، فكان يكفي أن يتهم أحدهم بالشيوعية ليجرد من كل شيء بلا أي دليل ويزج بالسجن أو على أحسن الفروض يطرد من وظيفته.
طالت المكارثية ما يزيد عن 10 آلاف أمريكي، من بينهم شخصيات بارزة مثل أرثر ميلر وألبرت أينشتاين وتشارلي شابلن ومارتن لوثر كينج، وأنتجت ما سمي بعد ذلك بالقائمة السوداء في عالم السينما والتي حظرت مئات الفنانين من العمل وعلى رأسهم السيناريست دالتون ترامبو، والذي لم يستلم أول أوسكار يربحها في حياته لأن الفيلم الذي كتبه كان منسوب لاسم مستعار واضطر لاستئجار كومبارس ليستلمها عنه، لأنه كان ممنوعًا من العمل.
ما يجمع كل تلك الصور من قمع الحرية والقضاء على المختلف معك في الرأي واغتياله سواء المعنوي أو المادي، أنا كانت تتم وسط تهليل وترحيب غير مسبوق من العامة وجموع الناس، والسبب كان أن ضحايا تلك الحركات والتيارات مختلفين عن الأخرين سواء في الاعتقاد أو الرأي أو التوجه العام أو حتى الأفكار.
وكأن تلك التيارات كانت تريد من الجميع أن يسير على كتالوج واحد، منافستو موحد على الجميع أن يلتزم به دون أي مواربة، متناسيًا عمدًا أن لكل إنسان أفكاره وقناعته وأهدافه وطريقته في التعبير عن الحزن أو الدعم أو التعاطف أو الفرح، هل يذكرك هذا بشيء؟
الحقيقة أن ما يحدث منذ بداية الجرائم في غزة هو صورة عصرية من محاكم التفتيش والمكارثية، صورة شديدة البشاعة حيث أصبح الجميع جلادين للأخرين، عليك أن تقول ما أقول، أن تفعل ما أفعل أن تؤمن بما أؤمن أو تقتنع بما أقتنع وإلا فأنت كل شيء سيء وكل شيء حقير.
في مصر هناك باب من أبواب القاهرة يسمى باب زويلة، هذا الباب كان يستخدم لشنق المجرمين ورجال السلطة المغضوب عليهم او المنقلب عليهم من السلطة الجديدة، ويبدو أننا كمصريين قد ورثنا تلك العادة، فصرنا نهوى تعليق المشانق للأخرين طالما اختلفوا عما يقتنع به البعض.
منذ بداية الجرائم في غزة، ومحاكم التفتيش منصوبة للجميع ومن الجميع، لدرجة أن دعم غزة وأخبار ما يحدث هناك لم تعد هي “التريند” الأول، بالهجوم على الآخرين هو السائد، هجوم لم يسلم منه أحد، ولن يسلم منه أحد، أنت مختلف معنا في الرأي لننصب لك محكمة تفتيش الآن ولنعلق رقبتك في حبال بوستاتنا وهاشتجاتنا على أبواب بروفايلاتنا، لنقتلك وننسفك ونسفهك ونخسف بك كل الأراضي، لتكون عبدًا للمال، أو مدعي أو متخاذل أو أي شيء سيء في الوجود لأنك مختلف معنا.
بالتأكيد هناك فارق بين الاختلاف والخيانة، فدعم العدو وتأييد جرائمه خيانة وفقًا لوعينا الجمعي كعرب خيانة وفقًا لتاريخنا وتضحياتنا في ذلك الصراع، ولكن لم يفعل أحد ذلك ممن قتلوا على أسنة كلماتكم، لما يفعل أحدهم أي شيء سوا أنه تحدث مثلما تتحدثون ولكنه قال ما لم يعجب بعضكم، ولكن هذا كافيًا للغاية لجعل بعضكم يهاجم وبضراوة وبدون تعقل أو تفكير أو احترام لاختلاف البشر ذلك الاختلاف الذي أقره الله وجعله طبيعتنا لنتعارف لا لنعيد إحياء محاكم التفتيش مرة أخرى أونلاين.
اقرأ أيضًا
إلى بيومي فؤاد: متحورش
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال