هل هناك أوحال في توحيد الله ؟ “مصطلحات لا زالت تثير الجدل حتى الآن”
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
يخصص الصوفية أورادًا وأذكارًا في توحيد الله عز وجل والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، كصلاة الفاتح ودلائل الخيرات والصلاة المشيشية، وأثارت الأخيرة جدلاً بسبب جملة “وانشلني من أوحال التوحيد”.
ماهية الصلاة المشيشية ومقولة أوحال توحيد الله ؟
الصلاة المشيشية هي صيغة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، تنتسب إلى عبد السلام بن مشيش العلمي أحد أبرز علماء الصوفية في المغرب وأستاذ الشيخ الصوفي أبو الحسن الشاذلي.
اقرأ أيضًا
ياسين التهامي .. حكاية صوت الله الذي يسكننا
ونص الصلاة المشيشية هي “اللهمَّ صلِّ على منْ منهُ انشقتِ الأسرارُ، وانفلقتِ الأنوارُ، وفيهِ ارتقتِ الحقائقُ ، وتنـزلتْ علومُ آدمَ عليهِ السلامُ فأعجزَ الخلائقَ ، ولهُ تضاءلتِ الفهومُ فلمْ يدركهُ منا سابقٌ ولا لاحقٌ ، فرياضُ الملكوتِ بزهرِ جمالهِ مونقةٌ ، وحياضُ الجبروتِ بفيضِ أنوارهِ متدفقةٌ ولا شيءَ إلا وهو بهِ منوطٌ ، إذْ لولا الواسطةُ لذهبَ –كما قيلَ- الموسوطُ ، صلاةً تليقُ بكَ منكَ إليهِ كما هو أهلهُ، اللهمَّ إنهُ سِرُّكَ الجامعُ الدالُّ عليكَ ، وحجابكَ الأعظمُ القائمُ لكَ بينَ يديكَ . اللهمَّ ألحقني بنسبهِ وحققني بحسبهِ ، وعَرِّفْنِي إياهُ معرفةً أسلمُ بها منْ مواردِ الجهلِ ، وأكرعُ بها منْ مواردِ الفضلِ ، واحملني على سبيلهِ إلى حضرتِكَ حملاً محفوفاً بنصرتِكَ واقذفْ بي على الباطلِ فأدمغَهُ ، وزُجَّ بي في بحارِ الأحديةِ وانشلني منْ أوحالِ التوحيدِ ، وأغرقني في عينِ بحرِ الوحدةِ حتى لا أرى ولا أسمعَ ولا أجدَ ولا أحسَّ إلا بها . واجعلِ الحجابَ الأعظمَ حياةَ روحي ، وروحهُ سِـرَّ حقيقتي وحقيقتهُ جـامعَ عوالمـي بتحقيقِ الحقِّ الأولِ (يا أولُ يا آخرُ يا ظاهرُ يا باطنُ) ( ثلاثاً ) اسمعْ ندائي بما سمعتَ بهِ نداءَ عبدكَ زكرياءُ عليهِ السلامُ ، (وانصرني بكَ لكَ وأيدني بكَ لكَ ، واجمعْ بيني وبينكَ وحُلْ بيني وبينَ غيركَ) (ثلاثاً) ، اللهُ ، اللهُ ، اللهُ ” (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ القُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلى مَعَادٍ )” ربنـا آتنا منْ لدنكَ رحمـةً وهيئْ لنا منْ أمـرنا رشداً ” ( ثلاثَ مراتٍ).
معنى الأوحال في توحيد الله
وضح الشيخ محمد دمشقي في ردوده على انتقادات الوهابية لصلاة الشيخ عبدالسلام بن مشيش قائلاً ليس للتوحيد أوساخ ولكن قد يقع بعض الموحدين في بدع عقائدية وهذه البدع العقائدية هي التي سماها الشيخ عبدالسلام بن مشيش بالأوحال، فقد يقع الموحد بالحلول والاتحاد أو في عقيدة وحدة الوجود أو في اعتقاد القدرية أو المعتزلة أو عقائد أهل البدع الضالة فيهلك.
اقرأ أيضًا
اغتيالات صوفية .. أحدهم أشهر من صلى على النبي
أما معنى “وانشلني من أوحال التوحيد” أي خلصني يا الله من مخاوف ومزالق الاعتقادات الرديئة الباطلة ومن متشابهات الأحكام التي زلت فيها أقدام الكثيرين إلا من رحم الله تعالى ومما يعرض للسالكين المستدلين بالأشياء على الله تعالى من الشبهات ، فلا تسلك بي مسلك من شطح في كلامه واصطلم ، أو ممن لُبِّسَ عليه الأمر فقال بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود ، أو ممن غلبت عليه الحقيقة فادعى الجبر ونفى الحكمة والأحكام ، لأن صاحب الفناء إن لم تدركه العناية الإلهية أنكر ثبوت المخلوقات ومنها الرسل وما جاءوا به بل والعالم برمته ، وتخليصه من تلك الأوحال نقله من مقام الفناء إلى مقام البقاء، فمعنى الفناء بالله أن تحقق بوحدة الشهود لا أن تعتقد وحدة الوجود، فلا ترى في باطنك إلا الله، فبالله يسمع وبالله يبصر وبالله يبطش وبالله يمشي، فهو مع الله ولا يرى مؤثراً وفاعلاً إلا الله، وأما في مقام البقاء، فيرى في باطنه المخلوقات مع شهود الخالق فلا يرى الخلق وينسى الخالق، بل يرى الأثر والمؤثر.
ما في الجبة إلا الله !
وفي كتاب السلفية للشيخ محمد سعيد رمضان البوطي توضيح لمعنى أوحال التوحيد حيث قال “ولقد كان من تأثير التباس تلك الفلسفة الفكرية الجانحة بهذه الحالة الشهودية الوجدانية على كثير من الناس جهلهم بتلك التعابير والكلمات التي تطفح على ألسنة أصحاب تلك الأحوال كتلك الألفاظ التي اشتهرت عن أبي يزيد البسطامي رحمه الله فظنوا أن قوله (ما في الجبة إلا الله) عقيدة فكرية يتبناها الشيخ فهو يعتنق إذن عقيدة الحلول وينادي بها، ولو أنهم تمهلوا وأمعنوا في حقيقة الأمر وواقعه ووقفوا على تراجم هؤلاء الرجال وأحوالهم لما تسرعوا في الانجراف في هذا الفهم الباطل والتهمة الشنعاء! بل لعلموا أنه ما من مؤمن بالله حق الإيمان إلا وله حظ من هذا الفناء ولكنه ليس فناء الشعور عن كل ما سوى الله بل هو فناء الإرادة لكل ما عدا الله وهو يتمثل في اليقين بأن الله هو النافع والضار وفي صدق التوكل عليه والتفويض إليه واخضاع إرادته وحبه لما يحبه الله ويرضاه إلا أن هؤلاء الرجال رحمهم الله تعالى لما استرسلوا في هذا الحال وواصلوا مراقبتهم لله عز وجل وعودوا أنفسهم أن لا يبصروا شيئا من مظاهر الكون إلا وتتجلى لهم صفات الله من خلاله تجاوزوا مرحلة ذلك الفناء الإرادي إلى الفناء الشعوري فمنهم من استمر على منهج التنسيق بين الجمع والفرق وذلك هو المقام السامي الذي بعث به الرسل والأنبياء وتحلوا به وهو الذي يجب أن يكون مطمح أبصار السالكين إلى الله عز وجل”.
الكاتب
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال