همتك نعدل الكفة
812   مشاهدة  

محمد عبدالوهاب (3) لماذا غضب موسيقار الأجيال من أمير الشعراء

أمير الشعراء


أهلا بكم أعزائي القراء في ثالث حلقات موسيقار الأجيال النابغة محمد عبدالوهاب والتي ستتناول صلته مع أمير الشعراء بعد أن كنا قد انتهينا في الحلقة السابقة إلى استماع أحد أعضاء فرقة فوزي الجزايرلي للفتى محمد عبدالوهاب وهو يغني بتياترو دار السلام وأعجب بفنه وصوته وقرر أخذه للجزايرلي كي يضمه للفرقة.

اقرأ أيضًا 
قصة فيلم غزل البنات التي لا يعرفها أحد .. أستاذ حمام نحن الزغاليل

غمرت محمد عبدالوهاب السعادة حين علم بذلك، فادعي ذات يوم أنه ذاهب للاستماع إلى الشيخ محمد رفعت وذهب للجزايرلي وغنى أمامه، وما أن بدأ محمد عبدالوهاب في الغناء حتى نهض الجزايرلي واقفا، مذهولا من جمال صوت محمد، وقرر أن يضمه لفرقته فهو مكسب لا شك سيضيف الكثير للفرقة، وتلك كانت أولى خطوات محمد عبدالوهاب في طريق الفن.

كان ذلك في عام 1917م، وكانت فرقة فوزي الجزايرلي تقدم أعمالها على مسرح الكلوب المصري بحي سيدنا الحسين، أما محمد عبدالوهاب فكان يغني بين فصول الرويات التي تقدمها الفرقة القصائد التي كان قد حفظها من الشيخ سلامة حجازي وعبد الحي أفندي حلمي وغيرهما، وقد خصص له الجزايرلي مرتب خمسة قروش لقاء كل ليلة يغني فيها تلك القصائد، إلا أن محمد عبدالوهاب لم يكن قد أخبر أحدا أنه بالفعل قد بدأ في امتهان الفن، فكان يظهر على المسرح تحت اسم مستعار هو “محمد البغدادي” مخافة افتضاح أمره أو أن يصل الخبر لأسرته، إلا أن مظاهر الثراء والنعمة بدأت تظهر عليه، فافتضح أمره وعلم بذلك أخوه الشيخ حسن فقابل فعله بالضرب والتوبيخ أكثر من مرة لدرجة أثارت الشفقة في نفس أبيه وأمه، إلا أن ذلك لم يثن محمد عن رغبته في اتخاذ الفن والغناء طريقا له، فازداد شغفه بالفن أكثر وأكثر وقويت عزيمته وازداد إصراره على مواصلة مشواره الذي بدأه.

محمد عبدالوهاب يهرب من البيت وينام إلى جوار حيوانات السيرك

أمير الشعراء
لم تجد تهديدات حسن عبد الوهاب ولا سخط الأسرة على فعل محمد نفعا في إبعاده عن الطريق الذي اختاره برغبته وآنس في نفسه القدرة على مواصلة المسير فيه، بل كانت النتيجة على عكس التوقع تماما، لم يجد رد تلك الأسرة لابنها إلى الكتاب اعتقادا منهم أن في ذلك سترا لعاره، وتحرك محمد عبدالوهاب متخذا قرار الهرب، فهرب مع فرقة منشدين كانت تعمل في سيرك إلى دمنهور أملا منه في تحقيق حلمه بمواصلة الغناء، إلا أن أصحاب السيرك أمروه بأن يلعب دور البلياتشو فرفض محمد عبدالوهاب، وغني بالسيرك أربع ليال كان يبيت خلالها مع حيوانات السيرك، إلا أن صاحب السيرك يئس منه لإصراره على الغناء فقط دون غيره من الأعمال فطرده، وأصبح محمد مشردا في شوارع دمنهور يبحث عن مخرج فلم يجد، فقرر العودة إلى القاهرة، إلا أنه لم يعد للمنزل ولكنه قررأن يشفّع في أمره حسن حلاوة صديق أخيه الشيخ حسن، فذهب إليه وطلب منه أن يتوسط له عند الأسرة لضمان عودة كريمة له، وبالفعل عاد محمد إلى المنزل، وبدأت الأسرة تفكر بشكل أكثر حكمة في مصير ذلك الإبن المولع والمغرم بالغناء، وبالفعل بعد مشاورات كثيرة قررت الأسرة أن تسمح له بالغناء في فرقة عبد الرحمن رشدي على مسرح فندق برنتانيا، فغنى محمد وكان قد خصص له مبلغ ثلاثة جنيهات شهريا وهو مبلغ معقول حينئذ، وأصبح محمد عبدالوهاب مطربا بشكل رسمي في العلن لأول مرة في حياته.

عبدالوهاب يلتقي بـ أمير الشعراء أحمد شوقي بك للمرة الأولى: “لقاء مثّل سلاحا ذو حدين”

موسيقار الأجيال
موسيقار الأجيال

بعد أن تهيأت الفرصة لمحمد أفندي عبد الوهاب للعمل مع فرقة عبد الرحمن رشدي، بدأ مشواره بمسرحية الشمس المشرقة، فاكتسب خبرة كبيرة ومرانا ومعرفة أهلته لأن يحسن تعامله مع الجمهور ومع طبيعة هذا الفن، خاصة وأنها التجربة الأولى له في مواجهة الجمهور بشكل علني وباسمه الحقيقي الذي سيعيش معه للأبد.

ظل محمد عبدالوهاب يغني لفرقة عبد الرحمن رشدي وازدادت ثقته بنفسه وبدأ يري في نفسه ما حلم به منذ زمن، وذات ليلة كان من ضمن جمهور الحاضرين أمير الشعراء شوقي بك، فجلس يستمع لذلك الفتى الصغير وأعجب به وبصوته، إلا أنه تعجب من سهر فتى بحداثة سنه يوميا لساعات الفجر في الكازينو، وقرر أن يتصرف بحكمه وحرص شفقة منه عليه.

بالفعل اشتكى أمير الشعراء شوقي بك إلى الحكمدار أن فتى صغيرا يغني في المسرح كل ليلة حتى الفجر، فأمرت السلطات إدارة المسرح بوقف استخدام محمد عبدالوهاب.

اشتاط محمد عبدالوهاب غضبا من فعل أمير الشعراء شوقي بك معتبرا أن في فعله حكما عليه بالضياع والتيه فضلا عن حرمانه من ماهيته التي كانت تعينه على متطلبات الحياة وقتها، يقول محمد عبدالوهاب في أحد اللقاءات: حقدت على شوقي بك وكرهته وقتها، ذلك أنه حرمني من أعز شيء على قلبي وهو الغناء، لكنه بصدق دفعني إلى التعلم، فدخلت نادي الموسيقى الشرقي الذي تحول فيما بعد إلى معهد الموسيقى الشرقي.

محمد عبدالوهاب ينضم لنادي الموسيقى الشرقي

أمير الشعراء
كان اختيارا صائبا من محمد عبدالوهاب أن انضم لنادي الموسيقى الشرقي لما ترتب على ذلك من إثقال موهبته وإمداده بكثير من علوم الفن والموسيقى التي ما كان ليحظي بمعرفتها لو أنه استمر في الغناء على سجيته بمسرح برنتانيا، فتعلم علم الموشحات على يد أستاذه درويش الحريري الذي ظل يردد اسمه إلى السنوات الأخيرة في حياته وظل مقرا بفضله عليه حتى بعد أن أصبح نقيبا للموسيقيين سنة 1954م، كذلك أخذ عن محمود رحمي الكثير من علوم هذا الفن، وبات محمد حاملا لعلم الموشحات والإيقاعات في جعبته، وأراد أن يثقل موهبته أكثر وأكثر فتعلم العزف على آلة العود على يد المرحوم محمد القصبجي، كذلك تعلم اللغة العربية على يد علي عز الدين الشعراني نظير خمسة قروش شهريا؛ ليحسن ذلك مخارجه ويضفي اللباقة على كلامه، ولم يكن الأمر عسيرا، فتعلم محمد بسرعة ولا عجب فقد سبق وأن تلقى علم التجويد بالكتاب حين كان صغيرا مما أسهم في تلقيه علوم اللغة والنطق فيما بعد بسهولة.

عُين محمد عبدالوهاب أثناء دراسته بالمعهد مدرسا للأناشيد الدينية والوطنية، فكان يلقن التلاميذ الأناشيد الوطنية التي كانت مشهورة وقتئذ كنشيد “بلادي بلادي” للشيخ سيد درويش ونشيد “اسلمي يا مصر” لصفر بك علي وكان من تلاميذه آنذاك مصطفى أمين وعلي أمين وصالح جودت وإحسان عبد القدوس.

إقرأ أيضا
السمع

كذلك تلقى محمد عبدالوهاب بعض الدروس في الموسيقى العالمية بمعهد برجرين على يد الموسيقي الروسي شتالوف، وكانت دراسة شخصية تركت في نفسه أثر التطلع إلى الموسيقى الأوروبية، ولكنه اعتمد حينئذ على عصاميته ونبوغه الخاص وترك التدريس واقتصر على موهبته في الغناء والتلحين.

محمد عبدالوهاب وثورة 1919م

أمير الشعراء

أثناء ثورة 1919م، اشترك محمد عبدالوهاب في تظاهرة الفنانين التي خرجت تأييدا للزعيم الشعبي سعد زغلول، وترك ذلك في نفسه أثرا عظيما، خاصة إذا عرفت عزيزي القاريء أن محمد عبدالوهاب كان قد قتل مع اثنين من رفاقه رجلين أجنبيين من حي الأرمن وقت الثورة؛ انتقاما للشيخ عبد السلام أحد مشايخ حي سيدي الشعراني الذي قتله جنود الاحتلال ظلما وعدوانا، فمثل ذلك نضالا في حياة الشاب محمد عبدالوهاب شاهدا على وطنيته وحرارته وحبه لأبناء وطنه الذين شربوا الويلات من ظلم الاستعمار، كذلك أصيب محمد عبدالوهاب أثناء تظاهرة الفنانين تلك بجرح في رأسه، وسال الدم منه حتى أن أحد الجنود رآه ملقى على الأرض فعطف عليه وسانده وأرجعه لمنزله، وكاد محمد أن يلقى حتفه يومها، يقول أحد رفاق محمد عبدالوهاب أنه ظل في البيت قرابة الأسبوع بعدها غير قادر على الخروج جراء ما أصابه.

إلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية الحلقة الثالثة من قصة موسيقار الأجيال محمد افندي عبد الوهاب، على أن يتجدد اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله ..
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان