همتك نعدل الكفة
434   مشاهدة  

الرمان.. فاكهة الموتى الأحياء

فاكهة الرمان


هل تأملنا يوما فاكهة الرمان؟ شاحبة كوجه غابت عنه الدماء وكره الشمس، منبعجة السطح ومليئة بالندوب، فلو لم نكن نعرف ما بداخلها لنفرنا منها فقط بسبب شكلها، هي شحيحة تظهر أياما في السنة، رخيصة الثمن أحادية اللون، عكس التفاح على سبيل المثال فهو متاح طول العام، غالي الثمن، متوافر بألوان وأشكال مختلفة ويسر الناظرين، ولكن لماذا نحب الرمان بعد كل ذلك؟

في رأيي أن أول من اكتشف الرمان كفاكهة صالحة للأكل، كان رجلا وحيدا يجلس تحت شجرة، وفي غمرة من ملل قرر أن يركل تلك الشجرة لتسقط على رأسه ثمرة الرمان، ولكنه لم يصيح مثلما صاح أحدهم “وجدتها” ولكنه ظل يتأملها، لكي يدرك كم يشبهها من الخارج فقد جعلته الوحدة مليء بالإنبعاجات والندوب، روحه أصبحت جريحة لا يداويها شيء، واعتقد انه بدافع الفضول أو الملل قرر أن يخوض مغامرة كسر القشرة السميكة الشاحبة لعل في الأمر سر.

شيئا فشيء اتضح ان خلف تلك القشرة الشاحبة، حبات غاية في الرقة والحلاوة، ذات طعم لا يمكن وصفة أو تخيله، فاكهة مستقلة بذاتها لا تشبه أي نوع اخر لا في الطعم ولا الشكل ولا تلاحمها متراصة بجوار بعضها البعض تؤكل كلها مجتمعه حبات تلو حبات حتى تنتهي، اعتقد انه اقنع الأخرين بها بمجرد أن أذاقهم ما بدخلها دون أن يريهم أصلها الشاحب وجلدها السميك وبعدما عرفوا حلاوتها أصبحوا يبذلون الجهد في تقشيرها واستخراج ما بها، بل تطرف البعض وقرر ان يصنع منها عصير، كل هذا لان احد قرر ان يجازف ويغامر ويقشر القشرة الصلبة الباهتة، ليهدي للعالم كلها فاكهة تسمى “الرمان”.

كذلك البشر، بيننا يسير الملايين ممن شحبت روحهم وانبعجت وامتلأت بالندوب والكدمات، يسيرون في الحياة موتى أحياء، يحلمون بأخر يستطيع ان يرى ما خلف تلك القشرة الباهتة الحزينة، ما وراءها من أشياء جيدة وطعم لا يشبه أخر، ولكن لان هذا العالم لم يعد فيه مجال للمغامرة، فلم يعد يشتري أحد الرمان، لم يعد أحد يطيق صبرا بالجلوس لتقشيره واستخراج ما به.

الوحدة تقتل، ليس القتل المادي المعروف بخروج الروح من الجسد وشعائر الدفن وزيارات المقابر، ولكنه قتل من نوع اخر، قتل بالبطيء كصورة كل يوم يختفي منها جزء، يختفي منها لون، حتى تصير ابيض واسود ثم تتحول إلى صفحة بيضاء ليس فيها من الملامح شيء فكل من يراها يعرف أنها صفحة ويعتقد أنها خاوية، ولكنها فقط تحتاج للمسة من روح، ولكن هل يمكن أن تعيد رسم الملامح مرة أخرى، للأسف لا.

حولك دائما أناس مثل الرمان، فقط عليك أن تبذل جهدا كافيا إذا كنت تريد الاستمتاع، جهد بسيط، بدلا من ان تترك أحدهم يذبل حتى الموت، عليك ان تستخرج ما به من جمال، تستمتع به، ربما كان هو ما تبحث عنه، ربما كانت مغامرة النفاذ من تلك القشرة الباهتة هو ما تحتاج إليه لتجديد حياتك او الشعور بقيمة ما تفعل، ربما لا تحتاج إلى كل هذا ولكنه هو يحتاج، تلك المحاولة الصغيرة التي لن تكلفك الكثير ستكون كافية لأن يعود شخصا أخر من الموت حيا إلى الحياة.

لذلك إذا شاهدت شخصا يشبه الرمان باهتا شاحبا حزينا، حاول أن تزيح تلك القشرة عنه، حاول أن تبقي على روحه، حاول أن تجده، فالمغامرة لن تصيبك بشيء ولكنها ستجعله حيا، وربما تجعلك أن الأخر سعيدا، تخيل كم ان الرمان لذيذ وربما كان هذا الشخص هو الأخر لذيذ كالرمان.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان