
الفطير صديقي

محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
المكان .. 3 شارع شامبليون .. فطير الزعيم
الزمان .. شتاء 2017
كنت أعمل في إحدى الصحف المجاورة لمحل فطير الزعيم ، وفي منتصف كل يوم كان هناك زميل يقف معلنًا أنه جائع ، فينتقل شعور الجوع والملل من الشغل إلى باقي الزملاء ، فتتعالى الهمهمات بسؤال واضح : هنجيب أكل منين ؟ .. تتكرر نفس المداولات يوميًا ، بين من يطلب من ماك فيصدر أحدهم صوت شهير من أنفه : ليه انت ابن مين ؟ ، ويخفض أحدهم صوته قبل أن يقترح الغداء من مطعم عدس شهير بوسط البلد فيصدر نفس الزميل نفس الصوت : دانا لو فلوسي حرام مادفعهاش في البتا عدا ! .. فتنتهي المداولات إلى الاختيار الأنسب : فطير الزعيم ، وكنت أول من يطلب النزول بحجة شراء الفطير .. لكن الحقيقة هي الهروب ولو قليل من مكان العمل ! والحقيقة الأكبر أنني كنت صاحب شغف دائم للشرود في وجه صبي الفطاطري ، أذنه كانت مطرطأة ، يشبهني كثيرًا في الطفولة .
كانت الوقفة أمام هذا المحل درسًا كبيرًا ربما لا تحصل عليه من الروايات والسينما ، فقد كان ملاصقًا لاستشاري العلاقات الشهير الذي يظهر على القناة ذات اللوجو الأزرق ، كنت تقف هنا فتلاحظ نظرات عتاب بين اثنين قد وصلا لطريق مسدود طلب أحدهما فطيرتين بالسكر ليكسر مرار الحلق التابع للحظة ، وتلاحظ سيدة أرستقراطية ارتعشت يدها فتكًا بالسيجارة طلبت فطيرة بالمش كسرًا لملل وجبات البراندات اليومية ، يبدو أن فقدت زوجها وتحاول هنا أن ترمم ما كسره الزمن .. تلاحظ رجلًا احتل الشيب لحيته وقد ارتسمت الابتسامة على وجهه ، يبدو أن الاستشاري قج أقنعه أن يصالح الدنيا بعد أن أدار لها ظهره ، من فرحته أخرج الفلوس من جيبه ولم يحضر لما يطلب : هات أي حاجه .
بما أنني أطلب حوالي عشرين فطيرة للزملاء فأنا أمامي ساعة إلا ربع تقريبًا تحضيرًا للطلب ، تلك المرة لاحظت سيدة أربعينية أحتلت الهالات السوداء تحت عينيها ، متوترة قليلًا ، طلبت فطيرة وحيدة بعد أن طلبت اثنتين ثم عدّلت الطلب ، فاجئها الماسنجر برنه فاضطربت وارتعشت شفتيها وأخذت جنب وفتحت المسانجر ، فرميت أذني وأخذت خطوتين ناحيتها .. صوت رخيم : أنا آسف يا هبة .. مش هعرف أنزل أجازة السنة دي .. تبللت عرقًا : ايه ؟
تحشرج صوتها : انت بتقول ايه .. سبع سنين بتقول جاي ومابتجيش ! ، رد : الشغل .. فقطعته : شغل ! انت لسه هتقولي شغل ؟ سبع سنين شايلة البيت ، مش عايزة فلوس .. انزل يا خالد ! ، رد : أنا آسف مش هينفع .. (صوت إغلاق المكالمة )
وقعت هبة من طولها – عرفت اسمها من المكالمة- لا أحد يعرف ما السبب غيري ، هرع الموجودين في الشارع ، أحدهم أحضر كرسي من المجهول ، وسيدة أخرجت من حقيبتها الصغيرة بيرفيوم وضربت خديها .. استفاقت بعد قليل وكان الناس قد اتلمّت بشكل عفوي ، وانهالت عليها الأسئلة :
- مالك يا بنتي ؟
- خير ؟
- ايه اللي حصل
تمتمت ، وتلجلجت ، حاولت أن تمسح دموعها وتضبط تون صوتها بشكل كبير .. وقالت : فلوسي وقعت من الشنطة ! فانطلقت عبارات الطبطبة : لا حول ولا قوة إلا بالله ! مايهمكيش يا بنتي نجمعهملك ! ، ندور عليها طيب !
لاحظت لمعة في عين صبي الفطاطري ، أذنه أحمرت قليلًا ممسكًا بضحكة فاضحة بداخله ، فنظرت إليه نظرة خبيثة فاقترب قليلًا ، فسألته : انت بتضحك على ايه ياض ؟ .. رد بصوت حِرك : أصلي عارف هي وقعت من طولها ليه .. كنت واقف وراك!
الكاتب
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ما هو انطباعك؟






سرد لذيذ للاحداث 😋
واسلوب جيد يذكرنى رغم الاختلاف بحديث عيسى بن هشام فى المحكمى 😅