منذ متى ورأس السنة الهجرية أجازة في مصر؟ .. مسيحي وأديب ولاعب كرة كانوا السبب

تتعطل المصالح الحكومية كل يوم 1 محرم لأنه رأس السنة الهجرية أجازة في مصر لكن فكرة جَعْل الأول من محرم عطلة رسمية تكتنفه تفاصيل تاريخية باتت الآن في طي النسيان.

قبل أن تبدأ .. الهجرة النبوية لم تكن في 1 محرم

بدأت رحلة الهجرية النبوية في يوم الجمعة 27 صفر بتحرك النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى غار ثور ومكث به 3 أيام حتى غادره يوم 1 من شهر ربيع الأول، ودخل المدينة يوم 12 ربيع الأول؛ أي أن رحلة الهجرة النبوية استغرقت 15 يومًا.

لم يعرف المسلمين فكرة تقويم السنة إلى أن جاء عهد عمر بن الخطاب، حيث أتاه رجل وقدم له نصيحة بالتأريخ قائلاً «أرخوا» فسأل عمر بن الخطاب عن المعنى ليجيبه الرجل «شيء تفعله الأعاجم في شهر كذا من سنة كذا، فقال عمر: حسن، فأرّخوا».

اقرأ أيضًا 
حقيقة قصة عمر بن الخطاب في الهجرة “مناهج الدراسة تخدعنا أحيانًا”

تباينت اقتراحات الصحابة في تحديد بداية السنة، فالبعض رأى أن تبدأ السنة الهجرية بـ شهر رمضان لاعتباره مقدسًا بنص القرآن الكريم والسنة النبوية، وآخرون رأوا أن تكون في شهر ربيع الأول لأن به مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن تم الاستقرار على شهر المحرم.

يعلل بن حجر العسقلاني في كتاب فتح الباري سبب تحديد بداية السنة بشهر المحرم قائلاً «لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم؛ إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم، فناسب أن يجعل مبتدأ».

طرف الخيط .. متى صارت رأس السنة الهجرية أجازة في مصر ؟

بدأ اعتبار رأس السنة الهجرية أجازة في مصر رسميًا لأول مرة في تاريخها يوم السبت 23 يناير 1909 م، الموافق 1 محرم سنة 1327 هـ؛ المتزامن مع 15 طوبة 1625 ش.

أما صاحب فكرة جَعْل رأس السنة الهجرية أجازة في مصر فكان التلميذ مصطفى راشد رستم (الأديب فيما بعد) مع إبراهيم نجاتي (لاعب الكرة) واللذان كانا يتزعمان حركة طلابية أقامت حفلاً في دار التمثيل العربي بمناسبة رأس السنة الهجرية سنة 1908 وبسبب ذلك قررت الحكومة المصرية بعدها بعام أن يكون يوم 1 محرم أجازة رسمية.

طرف الخيط الذي قادنا إلى هذه النتيجة هو ما ذكره كمال الملاخ في ص 9 من عدد الأهرام الصادر بتاريخ 17 فبراير 1972 م، وقد ذكر كمال الملاخ تفاصيل مختصرة للغاية عن أول أجازة لرأس السنة الهجرية في تاريخ مصر.

من هو صاحب فكرة تخصيص أجازة رأس السنة الهجرية في مصر

لا توجد ترجمة كاملة عن مصطفى راشد رستم، فالمؤكد أنه من مواليد سنة 1900 م وكان أديبًا ودبلوماسيًا في نفس الوقت.

ويؤكد ذلك أن الصحفي كمال الملاخ أخذ تصريحًا منه عن الهجرة النبوية ونشره في ص 6 من عدد الأهرام يوم 13 يناير 1975 م، وكان مكتوبًا أن عمر راشد رستم هو 75 عامًا ويعمل دبلوماسيًا.

في عشرينيات القرن الماضي ترأس راشد رستم الجمعية المصرية في باريس ويدلل على ذلك أنه كتب أنه كتب مقالاً بعنوان شخصية الأفراد والجماعات في العدد 4 من مجلة المقتطف بتاريخ 1 أبريل 1925 م وكان يناقش فكرة الأحزاب من اللوحات الفنية في متحف اللوفر وفي هامش المقال عُرِّف رستم بأنه رئيس الجمعية المصرية في باريس، وإلى الجانب القصص كتب عددًا من الدراسات الفكرية والفلسفية، وترجم كتاب أشعة خاصة بنور الإسلام لـ إتيان دينيه (ناصر الدين دينيه بعد إسلامه).

وعن الهجرة النبوية كتب راشد رستم مقالاً في مجلة الرسالة عدد 9 فبراير سنة 1942 بعنوان على ذكرى الهجرة .. القوة والدين وتناول فكرة ربط الحق بالقوة والإستدلال على ذلك بالهجرة النبوية.

بين روايتين :-
صاحب فكرة أجازة رأس السنة الهجرية هل راشد رستم أَمْ مصطفى كامل ؟

بعد 17 سنة من كلام كمال الملاخ على الأهرام في ص 9 من عدد الأهرام الصادر بتاريخ 17 فبراير 1972 م الذي أكد أن راشد رستم هو صاحب الفكرة، نشر الصحفي الكبير حافظ محمود مقالاً بعنوان ذكريات حافظ محمود أول احتفال اجتماعي بعيد الهجرة في ص 2 من جريدة الجمهورية عدد 3 أغسطس 1989 م وقال أن مصطفى كامل باشا هو السبب في جَعْل رأس السنة الهجرية أجازة.

حكى حافظ محمود القصة قائلاً « أن مصطفى كامل حين كان في آخر سنة بالمدرسة الثانوية طرق باب ناظر المدرسة في رأس السنة الهجرية وقال له أستأذن حضرتك في دعوة الطلبة إلى تعطيل الدراسة وكان طبيعيًا أن يسأله الناظر لماذا ؟ فأجاب مصطفى كامل لأن اليوم عيد رأس السنة الهجرية، ولأن الناظر كان أجنبيًا واسع الصدر قال له أن المسألة ليست من اختصاصه وإنما من اختصاص وزير المعارف، فأخذ إذنًا لزيارة وزير المعارف حينها علي باشا مبارك».

ويتابع حافظ محمود تفاصيل لقاء مصطفى كامل بـ علي باشا مبارك قائلاً «قابل مصطفى كامل سكرتير الوزير وقال له قل لسعادة الباشا أن ابنك مصطفى يريد مقابلتك، ومن فوره قام السكرتير للوزير ليخبره بأن ابنه يريد مقابلته فاندهش الوزير لأنه ليس له ولد اسمه مصطفى، فطلب لقاءه وسأله عن السبب في قوله أنه ابن الوزير فأجابه مصطفى كامل بقوله ألست القائل أن جميع الطلبة أبناءك، فأعْجَب به علي مبارك وعرف طلبه فاستجاب الوزير لطلبه وعطل الدراسة في جميع المدارس وكانت تلك بداية اعتبار يوم الهجرة من أعياد الدولة».

إقرأ أيضا

أغرب ظواهر تصيب العقل قد لا تعرفها

رغم الثقل الذي يتميز به حافظ محمود كصحفي ومؤرخ لكن روايته خاطئة تاريخيًا
لأن المصادر التاريخية الموثقة تناقض تلك الرواية بالكُليَّة

أولاً المصدر الرئيسي لمعرفة تاريخ مصطفى كامل هو موسوعة مصطفى كامل باشا في 34 ربيعًا التي كتبها شقيقه علي فهمي كامل في 9 أجزاء وظهرت طبعتها الأولى بعد وفاة مصطفى كامل بأشهر ومحفوظة في مكتبة تورنتو بكندا، وتلك الموسوعة فيها قصة حياة مصطفى كامل ورسائله وكتبه ومقالاته، وتفاصيل الطفولة حكاها علي فهمي نقلاً عن مصطفى كامل شخصيًا.

خصص علي فهمي كامل فصلاً كاملاً عن مرحلة الدراسة الثانوية لمصطفى باشا كامل في الفترة من عام 1887 حتى سنة 1891 م بدايةً من ص 111 وحتى  ص 137 بالجزء الأول، وروى بالتفاصيل على لسان مصطفى كامل كل المواقف التي جمعت بينه وبين علي باشا مبارك وزير المعارف، ولم يكن فيها على الإطلاق أي ذكر لقصة أجازة رأس السنة الهجرية.

وأول مقابلة التي قال فيها مصطفى كامل للسكرتير أنه ابن الوزير حدثت بالفعل لكن سبب المقابلة كان شكوى من ناظر المدرسة الثانوية حملها مصطفى كامل للوزير لأن الناظر ظالم في تقييم الطلبة وكان يحضر الجلسة الشيخ هارون عبدالرزاق.

ثانيًا جريدة مصر الفتاة قامت بالتغطية الإخبارية لأول أجازة رأس سنة هجرية بمصر قالت في ص 2 من عدد 23 يناير 1909 أن زهرة طلاب مصر كانوا السبب في ذلك  حين قاموا عام 1908 م بإحياء رأس السنة الهجرية سنة 1908 م وصدر قرار من رئيس مجلس النظار (الوزراء) بطرس نيروز غالي في العالم التالي يقول «بمناسبة أول السنة الهجرية الجديدة ستُقْفَل نظارات الحكومة ومصالحها في يوم السبت أول محرم سنة 1327 ـ 23 يناير 1909 م».

بالتالي لو كان مصطفى كامل باشا سببًا في ذلك لقالت الجريدة هذا الأمر، خاصةً وأنها كانت اللسان الثاني الناطق للحزب الوطني وكانت تتبنى مبادئه العشرة، ولم تشير الجريدة من قريب أو بعيد أن المدارس أخذت أجازة قبل تاريخ 1909 م (بعد وفاة مصطفى كامل بسنة وعقب مولد حافظ محمود بسنتين)، ولا يمكن التغاضي عن أن راشد رستم الذي تكلم عنه كمال الملاخ سنة 1972 أجرى معه تصريحًا صحفيًا بعدها بـ 3 سنوات بصفته أنه صاحب فكرة رأس السنة الهجرية كأحد زعماء الطلبة الذين تزعموا المطالبة.