عن أغنيات أم كلثوم لـ “الوطن”… سيرة كوكب الشرق (39)
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
أهلا بكم أعزائي القراء في حلقة جديدة من حلقات كوكب الشرق ودرة القرن العشرين الآنسة أم كلثوم إبراهيم، وفيها نتحدث عن غناء أم كلثوم الوطني والقومي، ثم نتحدث عن أغنيات أم كلثوم التي لم تلق رواجا وطواها الزمن بعد تقديمها مرة واحدة.
كوكب الشرق أم كلثوم والأغاني الوطنية والقومية:
كانت بداية كوكب الشرق أم كلثوم مع الأغاني الوطنية بل والمواقف الوطنية أيضا في عام 1927م، حين توفى الزعيم الراحل سعد زغلول، فقد صادف أثناء غنائها أن رأت الجمهور قد بدأ بالانصراف وحين سألت عن السبب أخبرها البعض بأن الزعيم سعد زغلول قد مات ولذلك انصرف الجمهور، وقتها انقطعت أم كلثوم عن الغناء كأحد أفراد الشعب الذي عبر عن حزنه الشديد لوفاة زعيم كسعد باشا، ولم تعد أم كلثوم للغناء إلا في ذكرى الأربعين ووقتها رثته بقصيدة كتبها المرحوم أحمد رامي ولحنها المرحوم محمد القصبجي، وتقول كلماتها:
إن يغب عن مصر سعد، فهو بالذكرى مقيم
ينضب الماء ويبقى، بعده النبت الكريم
خلدوه في الأماني، واذكروه في الولاء
واندبوه في الأغاني، أعذب الشكوى البكاء
أنشدوا الشعر ثناء، في سجاياه العذاب
أرسلوا الدمع وفاء، للذي لاقى العذاب.
إقرأ أيضًا…“الجلسة2”.. حكايات أمل الطائر مع أغاني الخُرس ونجاح الموجي
وبعد قيام ثورة 1952م، انفعلت أم كلثوم مع الأحداث مثلها مثل جميع المصريين وكثير من المطربين وعلى رأسهم الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، وغنت للشعراء أصحاب الموقف الوطني وعلى رأسهم شاعر الشباب أحمد رامي، فغنت من كلماته وألحان رياض السنباطي: مصر التي في خاطري وفي فمي أحبها من كل روحي ودمي، كذلك غنت من الشعر القديم للشاعر الكبير حافظ إبراهيم قصيدة: وقف الخلق ينظرون جميعا، كيف أبني قواعد المجد وحدي، وبدأت أغاني أم كلثوم الوطنية تنتشر في الإذاعة فغنت يا دعاة الحق هذا يومنا، وغنت طالما أغمضت عيني وتخيلت بلادي، وغيرها من الأغاني الوطنية التي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
يا شباب النيل، من كلمات رامي وألحان السنباطي
مصر التي في خاطري، من كلمات رامي وألحان السنباطي أيضا
يا مصر إن الحق جاء من كلمات رامي وألحان محمد الموجي
والله زمان يا سلاحي من كلمات صلاح جاهين، وألحان كمال الطويل
مشى المجد في يومه المرتقب، من كلمات طاهر أبو فاشا، وألحان رياض السنباطي
ثوار ولآخر مدى ثوار، من كلمات عبد الفتاح مصطفى وألحان رياض السنباطي
راجعين بقوة السلاح، من كلمات صلاح جاهين وألحان رياض السنباطي
على باب مصر، من كلمات كامل الشناوي، وألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب.
أم كلثوم وعقبتها الأولى في ميدان الغناء الوطني:
روى المؤرخ الكبير كمال النجمي ما تعرضت له أم كلثوم عقب الثورة من تضييق عليها من قبل بعض العسكريين، ففي بداية عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كانت أم كلثوم مستبعدة عن ثقة العهد الجديد، وقد استطاعت مجموعة صغيرة من العسكريين والمدنيين أن تدخل في روع بعض ذوي النفوذ أن أم كلثوم كانت أحد رموز العهد الملكي، وأن من واجب العهد الجديد أن يمنعها من الغناء، ونجحوا بالفعل في منع إذاعة أغاني أم كلثوم بعض الوقت، إلا أن أصحاب الحكمة من مستشاري العهد الجديد استطاعوا وقف تلك الحملة البلهاء وإعادة أغاني أم كلثوم إلى ميكروفون الإذاعة، وقد يظن البعض أن للموسيقار محمد عبد الوهاب يد في ذلك، إلا أن الحقيقة أن محمد عبد الوهاب لم يكن له دخل مطلقا لا من قريب ولا من بعيد، لأن هؤلاء البلهاء كان بإمكانهم أن يمنعوا أغنياته أيضا إن تراءى لهم ذلك كما منعوا أغاني أم كلثوم.
وبعد محاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في الاسكندرية سنة 1954م، سارع أصدقاء أم كلثوم إليها ونصحوها بانتهاز تلك الفرصة وتسجيل أغنية تعبر فيها عن ابتهاجها بنجاة الرئيس جمال عبد الناصر، وبالفعل استجابت أم كلثوم وسجلت أغنيتها ” يا جمال يا مثال الوطنية”، من كلمات المرحوم بيرم التونسي وألحان المرحوم رياض السنباطي، ونجحت الأغنية نجاحا كبيرا فأحبطت مخططات هؤلاء المفسدين الذين سعوا لتدمير مستقبلها، وبعد هذا النجاح صارت أم كلثوم هي مطربة العهد الجديد، بل وتحولت أغنيتها إلى ما يشبه النشيد القومي، وراح ميكروفون الإذاعة يبثها بلا ملل يوما بعد يوم.
في نوفمبر من العام 1967م، غنت أم كلثوم في باريس على مسرح أولمبياد، وكانت في غنائها ومقابلاتها الصحفية التي تبعت الحفل تعلن رفض الهزيمة، وعادت من سفرها بعد أن كانت خير سفيرة لمصر بل وللعرب كلهم، وأرسلت برقية إلى رئيس فرنسا جاء فيها: أحيي فيك وقوفك مع العدالة وفي جانب السلام.، ليرد عليها بعدها ببرقية جاء فيها: لقد لمست بصوتك قلبي وقلوب الفرنسيين جميعا، وفي العام نفسه اتجهت أم كلثوم إلى الغناء من أجل مصر متبرعة بالدخل لدعم المجهود الحربي، فسافرت للعديد من الدول وأصبحت سفيرة الفن العربي في أوروبا، تنشر وتدافع عن قضية العرب وتطالب بالسلام.
وعن ذلك تقول الدكتور نعمات فؤاد في كتابها عن أم كلثوم: بعد العدوان، أصبحت أم كلثوم عنوانا ثابتا في الصحف، فهي تدعو السيدات إلى التجمع الوطني وكانت تجتمع بالصياغ وتجار المجوهرات لحثهم على التبرع بالذهب، وتنتقل لجنة التبرعات بالذهب ببنك القاهرة إلى منزلها لتتسلم مجموعة المصوغات المتبرع بها من سيدات التجمع الذي ترأسه، ومن بينها إسورة كبيرة لها مرصعة بالماس، وعقد عبارة عن سلسلة ذهبية مجدولة طولها متران وساعة ذهبية وعقد آخر مرصع بالماس.
أغاني كوكب الشرق التي لم يكتب لها الخلود:
لاقت كل أغاني كوكب الشرق تقريبا نجاحا كبيرا وخلدها الزمان، فاستمع إليها وأحبها أجدادنا وآبائنا وها نحن نستمع ونستمتع بكل ما جاء فيها من فن وطرب، وسيستمع إليها أبناؤنا وسيحبونها كما أحببناها نحن، إلا أن هناك أغنيتين فقط من أغاني أم كلثوم لم يكتب لهما ذلك النجاح، الأولى هي أغنية وقفت أودع حبيبي من كلمات المرحوم أحمد رامي ومن ألحان فريد غصن، وقد غنتها أم كلثوم عام 1941م، وكانت مقتنعة تماما باللحن، إلا أنها صدمت من رد فعل الجمهور الذي قابل أغنيتها الجديدة بفتور شديد من بداية المقطع الأول، واضطرت أم كلثوم لإكمالها كيفما كان، ولم تعد إلى غنائها مرة أخرى، والثانية هي أغنية أكتب لي.. اكتب لي.. اكتب لي كثيرا، وهي من كلمات بيرم التونسي وألحان الشيخ زكريا أحمد وقد غنتها أم كلثوم بعد نجاح أغنيتيها أنا في انتظارك والآهات، وهي الأخرى لم تلق قبولا من الجماهير ولذلك لم تعد أم كلثوم إلى غنائها ثانية.
وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة، على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.
الكاتب
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال