“إبراهيم أدهم باشا” تمنى قتل أحمد عرابي ولما فشل نفذ ما هو أبشع
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تناثر اسم إبراهيم أدهم باشا في سطور متعددة داخل كتب تاريخ متنوعة تناولت فترة الثورة العرابية، دون أن تظهر أي ترجمة كاملةٍ عنه.
إبراهيم أدهم باشا .. رحلة صعود قويت بأمنية قتل عرابي
ليس هناك تاريخ ميلاد محدد لإبراهيم أدهم باشا، لكن بدأ اسمه يظهر عندما أعتقه إسماعيل صديق المفتش وزير مالية مصر زمن الخديوي إسماعيل، ثم ضمه الخديوي توفيق إلى حرسه الخاص بعد توليه حكم مصر مباشرةً.
اقرأ أيضًا
“وقائع الاحتفاء بالخيانة” قصص حفلات الترحيب بالاحتلال الإنجليزي في مصر
ومع تفاقم أحداث الثورة العرابية يشير أحمد شفيق باشا رئيس الديوان الخديوي، أنه مع تفاقم أحداث الثورة العرابية أراد العربان حماية الخديوي من غدر العرابيين، ثم جاء إبراهيم أدهم وقال للخديوي أنه سيضحي بنفسه في خلاص سيده من غدر أعداءه بقتل عرابي رئيسهم، وهو مالم يوافق عليه الخديوي توفيق.(1)
واقعة منزل سلطان باشا بين روايتين
بحسب مذكرات شفيق باشا فإن الدافع الذي عزز رغبة قتل أحمد عرابي في نفس إبراهيم باشا أدهم هي الواقعة التي جرت داخل منزل رئيس مجلس النواب محمد سلطان باشا في 27 مايو عام 1882م، فما هي تلك الواقعة ؟.
بدأت المشكلة عندما أعلن الخديوي توفيق موافقته على المذكرة البريطانية – الفرنسية في 25 مايو 1882م والتي طلبت الدولتين فيها عزل أحمد عرابي عن نظارة الجهادية، ليجتمع عدد من رموز الدولة حينها داخل منزل سلطان باشا للتشاور بعد قبول الاستقالة.
يروي شفيق باشا عن تلك الواقعة فيقول حضر عرابي ومعه عدد عظيم من الضباط يقودون 500 جندي وحاصروا المنزل، ثم قام عرابي وألقى خطبة كلها مطاعن ومثالب على الخديوي وهدد النواب والأعيان المجتمعين وأعلن خلع الخديوي وقال أن في إمكانه محاصرة السراي وعزل الخديوي ثم صاح في الحضور وقال من مع الثورة فليقم، ليقوم الضابط محمد عبيد بتجريد سيفه من جرابه ويقسم بالطلاق أنه سيقطع رأس من يرفض على قرار خلع الخديوي، ليكن الحل هو تشكيل وفد برئاسة سلطان باشا ويحاولوا إثناء الخديوي عن قبول المذكرة لكنه قال أن هذا أمر بيد الباب العالي.(2)
من ناحيته فإن أحمد عرابي حكى قصة أخرى عن تلك الواقعة تتفق مع مسألة عزل الخديوي توفيق، لكنها تختلف في مسألتين الأولى مداهمة بيت سلطان باشا إذ تظهر من مذكرات عرابي أنه دُعِي للحضور، والثانية مع تهديد الحضور بالقتل، فيقول عرابي «في ليلة السبت 27 مايو 1882م دعيت إلى منزل محمد سلطان باشا رئيس مجلس النواب، فذهبت إليه ومعي إخواني علي باشا فهمي وعبدالعال باشا حلمي ومحمد بك عبيد وغيره من الإخوان فلما وصلنا المنزل المذكور وجدناه غاصًّا بأعضاء مجلس النواب ومعهم قاضي قضاة مصر الشيخ عبدالرحمن أفندي نافذ والشيخ عبدالهادي الإبياري إمام المعية وحصل الاتفاق على ملازمة الراحة والسكون وأن الخديوي يرفض اللائحة الثنائية ويأمر برجوعي لنظارة الجهادية والبحرية أو أن يتم عزله عن الحكم، وفي أثناء ذلك حضر بحديقة المنزل جماعة من الضباط والنبهاء وصاحوا بعزل الخديوي».(3)
ثقافة الرغبة في الاغتيالات كانت موجودة ومتبادلة من طرفي الصراع، فمثلها عرض إبراهيم باشا أدهم على الخديوي اغتيال عرابي، عرض عبدالله باشا فكري الذي كان مربيًا للخديوي في طفولته على أحمد عرابي فكرة قتل الخديوي وقال عرابي عن ذلك «إن قتلتموه، فقلت له من تعني ؟ فقال أعني الخديوي ألم يقتل ؟ فقلت له إننا لا نقتل أحدًا بغير حكم شرعي فلا يليق بك أن تتكلم بهذا الكلام».(4)
إبراهيم باشا أدهم وجرائمه
صعد إبراهيم باشا أدهم درجة عالية في المناصب فوصل إلى منصب مدير عام الغربية، وتزامنًا مع تسلمه لمهام منصبه كان أسطول الاحتلال البريطاني نجح خلال 72 ساعة في ضرب الإسكندرية ابتداءًا من 11 يوليو 1882م حتى 13 منه، وجراء قصف الإسكندرية حدثت مقتلة للأجانب إذ قام أهالي طنطا بملاحقة الجالية الأجنبية المقيمة هناك فقتلت 80 رجلاً والأمر نفسه تكرر في منطقة المحلة والتي قُتِل فيها 9 أجانب.
يتحمل إبراهيم باشا أدهم تلك المجزرة بسبب تمارضه وإهماله، ويقول عبدالرحمن الرافعي في ذلك «ساعد على وقوع هذه الحوادث إهمال مدير الغربية إبراهيم أدهم باشا الذي تمارض في هذا اليوم ولزم داره، وإعمال وكيل المديرية محرز بك، وكان من عواقب هذا الإهمال أن اشترك في القتل بعض خفراء المديرية، وبذل المرحوم أحمد منشاوي باشا أريحية تذكر له بالخير في إيواء الأوروبيين والمسيحيين وحمايتهم وبلغ عدد من آواهم في داره 300 وظلوا في رعايته».(5)
لم تكن هذه هي الشناعة الأولى التي فعلها إبراهيم باشا أدهم في زمن الخديوي توفيق، بل كانت هناك شناعة أخرى وهو عدم شهادته في محاكمة اليوزباشي يوسف أبو دية، الذي كان ياورًا لعبدالعال باشا حلمي، وحُكِم عليه بالإعدام بتهمة أنه منفذ مذبحة طنطا.
محاضر التحقيق التي أجريت مع يوسف أبو دية تشير إلى أنه لم يمكث في طنطا سوى ساعة إلا ربع بمأمورية من أحمد عرابي وهو إيصال جواب منه إلى عبدالعال باشا حلمي، ولما سأله المحقق أنه هو المسؤول عن مذبحة طنطا قال «القول بذلك بناءًا على نفسانية سابقة بيني وبين وكيل المديرية وهو الذي حرض الشهود وتكلم في حقي للمدير أيضًا».(6)
لم يجد يوسف أبو دية أذنًا صاغية ولا أذهانًا تحقق في اتهامه لوكيل إبراهيم أدهم بالتحريض على الشهادة الزور، بل حكم عليه بالإعدام، ورغم عفو الخديوي توفيق عنه لكن الحكم نفذ قبل وصول أمر العفو أو حدث تعمد في تأخير وصول العفو.(7)
ليس هناك أي إشارة عن نهاية إبراهيم باشا أدهم أو تفاصيلها، بعد انقضاء حوادث الثورة العرابية، لكن الثابت أنه مات وفي رقبته أرواح كثير من الناس بإهماله خسروا حياتهم، فضلاً عن إعدام بريء وهو يعلم أنه بريء.
(1) أحمد شفيق باشا، مذكراتي في نصف قرن، ج1، ط/1، مطبعة مصر، القاهرة، 1352هـ / 1934م، ص143.
(2) المرجع السابق، ص142.
(3) أحمد عرابي، كشف الستار عن سر الأسرار في النهضة المصرية المشهورة بالثورة العرابية، ج2، ط/1، تحقيق: عبدالمنعم إبراهيم الجميعي، دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة، 2005م، ص496.
(4) المرجع السابق، نفسه
(5) عبدالرحمن الرافعي، الثورة العرابية والاحتلال الانجليزي، ط/2، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1368هـ / 1949م، ص370.
(6) سليم خليل النقاش، مصر للمصريين، ج7، ط/1، مطبعة جريدة المحروسة، الإسكندرية، 1884م، ص ص226–229.
(7) عبدالرحمن الرافعي، الثورة العرابية والاحتلال الانجليزي، ص ص491–492.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال