حكاية آية (2) .. يا أيها المدثر
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
“زملوني.. زملوني”..
هكذا كان يصيح النبي محمد وهو عائد إلى بيته بعد أن زاره الوحي للمرة الثانية.. فحسب رواية جابرالأنصاري يقول رسول الله: “فـبينما أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجثثت منه رعباً، فرجعت، فقلت: زملوني زملوني”.
استقبلته خديجة واحتوته، وصبت عليه الماء ودثرته بشال من القطيفة. كان يقول لها: “إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء وقد والله خشيت أن يكون هذا أمراً!”..
وكانت هي تطمئنه: “معاذ الله.. ما كان الله ليفعل بك، فوالله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث”.
كانت خديجة نعم الزوجة الصالحة، المتفهمة، القادرة على احتواء زوجها عند الفزع، والتي تعرف خصال رجلها وتقدرها.. أضف إلى ذلك إيمانها الفطري.. بأي إله كانت تقسم السيدة خديجة؟ أي الله تقصد إذا كان الإسلام لم يظهر بعد؟!
وهو ما يجرنا إلى علاقتها بورقة بن نوفل وهو ابن عمها، وقد اعتادت أن تستشيره حين تزورها رؤيا أو ينتابها حلم غامض.. وهو أيضاً أو من استعانت به ليكشف عن واقعة الغار الغامضة وسر الملاك الذي يتنزل على زوجها.. وهو كذلك أول من آمن بمحمد من الرجال كما أن خديجة أول من آمنت بزوجها من النساء..
والسيدة خديجة لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، خاصة وأنها أهم حجر أساس لهذا الدين.. فـ هي المرأة الغنية الجميلة ذات الحسب والنصب والتي قررت أن تتزوج من شاب يصغرها بعشرين عام تقريباً، وأن تمنحه ثقتها الكاملة بعد اختباره.. تلك الثقة التي لم تتوقف عند التجارة بل شملت عواطفها وعواطفه.. فـ هي حبه الكبير.. لعل ذلك ما دفعه لأن يبقي عليها ولا يتزوج أو يعاشر غيرها أثناء معاشرته لها، حتي في سنوات مرضها لم يتأثر حبه للحظة.. وهو ما دفع عائشة أن تقول عنها: “ما غِرت من امرأة ما غرت من خديجة، من كثرةِ ذِكر النبي لها، ومن كرامتها عليه أنها لم يتزوج امرأة قبلها، وجاءه منها عدة أولاد، ولم يتزوج عليها قطّ، ولا تسرّى إلى أن قضت نحبها، فوجد لفقدها، فإنها كانت نعم القرين، وكانت تنفق عليه من مالها، ويتجر هو لها. وقد أمره الله أن يُبشِّرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب”..
أما الرسول نفسه فقد كان يقول لـ علي بن أبي طالب “خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة”.
وكان يذبح الشاه ويخرجها صدقة على روح خديجة.. إنه الحب العظيم الخالد والمتبادل بين زوجة دعمت زوجها وآمنت به وزوج أخلص وكان على قدر الثقة. تلك الثقة هي بوابة الإيمان وحجر أساسها..
في تلك الليلة، وبعد أن أغتسل الرسول وتدثر واستعد للدخول في النوم عسي أن يتخلص مما يطارده فإذ به يتنزل عليه الوحي مجدداً بسورة المدثر..
(يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)
نداء للمدثر بفرشته وخمس أوامر إلهية.. قم: انهض من فرشتك. فأنذر: حذر الناس وأبلغهم. وربك فكبر: تخصيص (ربك) ربك أنت وليس ربهم كبره أي بلغ عنه بتقدير.. ثم يأتي الطهارة الخارجية فالمدثر أغتسل ولا يبقي له غير اختيار ثياب طهارة وأن يبتعد عن الرجز.. ولكن، ما هو الرجز الذي يجب أن يبتعد عنه؟
بعد ذلك سيأتي لفظ (الرجز) في عدة آيات متناثرة بالقرآن حيث يعبر على أكثر من دلالة.. مثلاً في سورة البقرة: 59(فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء).. هنا الرجز بمعني العذاب الذي ينزله الله على الظالمين..
وفي سورة الأعراف 134 (ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك)..
يؤكد ابن الطبري أن المقصود بـ الرجز: المرض، تحديداً مرض الطاعون..
بينما في سورة الأنفال 11 (ويذهب عنكم رجز الشيطان)..
يقول مجاهد رجز الشيطان هو وسوسته. ويقول ابن الطبري أنه شك الشيطان. بينما يؤكد ابن عاشور – ابن عاشور دا مش أنا- أن المقصود بالرجز في تلك الآية الوسخ الحسي النجس..
أما في سورة المدثر (والرجز فأهجر)..
فقد رجح العلماء بأن المراد به الأصنام. وإن كنتُ أعتقد أنها تشمل جميع ما سبق: فالإنسان عليه أن ينهض من فرشته، ويهجر الخوف من المرض، والعذاب، وسوسة الشيطان، وأن يتجنب النجس وبالطبع لا يعبد الأصنام ليبدأ في تحذير الناس وبداية دعوته..
وبذلك يكون الميلاد الذي بدأ مع التكوين والعلقة والمعرفة ثم انتقل إلى نفض الخوف والتطهر لتدشين عهد جديد وميلاد جديد..
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد