يوميات غرائب رمضان زمان (2) صراع بين دار العلوم والأزهر “تكفير من ارتدى البدلة”
-
منتهى أحمد الشريف
منتهى أحمد الشريف، باحثة شابة في العلوم الإسلامية، تخرجت من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
نواصل تقديم سلسلة يوميات غرائب رمضان زمان والتي ستتناول في حلقتها الثانية الصراع الفكري بين دار العلوم والأزهر في الربع الأول من القرن العشرين وصل إلى حد الصدام الديني.
اقرأ أيضًا
يوميات غرائب رمضان زمان (1) رسول الله في الأزهر وحركته بدأت من الدقهلية
وكنا شرحنا خلال الحلقة الأولى من سلسلة يوميات غرائب رمضان زمان قصة الرجل الإفريقي الذي أعلن نفسه نبيًا، وأشرنا إلى أن السلسلة في مجمل أحداثها تستند إلى مراجع تاريخية وصحف قديمة.
في 2 رمضان 1344 هجري | من ارتدى البدلة والبورنيطة كافر
شهدت مصر في مثل هذا اليوم 2 رمضان سنة 1344 هـ الموافق 16 مارس سنة 1926 م، فتنة فكرية بين طلبة دار العلوم والأزهر الشريف والتي كان سببها الزي الدراسي.
تعود جذور الأزمة بين طلبة دار العلوم والأزهر أن المؤسسة الدينية الأزهرية لم يكن نظام الدراسة فيها مثل الآن بمعنى أن الأزهر لم يكن له جامعة قد تأسست في هذا الوقت وكانت الدراسة تقتصر على الجامع فقط، وباعتبار أن جامعة القاهرة في ذلك الوقت هي الجامعة المدنية في مصر، قامت بإضافة مواد شرعية دراسية قررتها على كلية العلوم، وبالتالي استعانت جامعة القاهرة بالعلماء الأزهريين لتدريس تلك المواد الدينية.
صارت كلية دار العلوم أشبه ما تكون بفرعٍ للأزهر يسري عليها قوانين المؤسسة الأزهرية إداريًا على اعتبار أن المواد الشرعية والعربية التي يقوم العلماء الأزهريين بتدريسها في دار العلوم تمثل 90 % من ثقل منهجها الدراسي، خاصةً وأن جزءًا من طلبة دار العلوم أزهريين بمؤهل ثانوي فضلاً عن طلبة كلية الحقوق الذين سيلتحقوا بالقضاء الشرعي.
أشعل طه حسين فتيل الأزمة بين دار العلوم والأزهر حيث أيقظ ثائرة «الدرعميين (اسم طلبة دار العلوم كما أطلقه الأزهريين)»، إذ كان طه أزهريًا منذ ميلاده حتى تخرجه من الجامع الأزهر، وحين تعين داخل جامعة القاهرة بعد تخرجه تجرد من الزي الأزهري والعمامة ـ وكما هو معروف أن الأزهري (معمم) باعتبار أن العمامة رمزًا علميًا ـ وارتدى البدلة والبورنيطة والطربوش الأحمر بعد التحاقه بجامعة القاهرة.
طرأت على طلبة دار العلوم أفكار حول التجرد من الزي الأزهري الذي كانوا يرتدونه، حيث كانت قناعتهم مبنية على أن طه حسين (الأزهري) تخرج من الأزهر والتحق بجامعة القاهرة فالتزم بزيها بعدما خلع العمامة الأزهرية، فلماذا هم أيضًا لا يتجردون من الزي الأزهري خاصةً وأن كليتهم دار العلوم تتبع جامعة القاهرة إداريًا لا الأزهر، ومن هنا بدأ الصدام الفكري.
قرر طلاب دار العلوم تنظيم مسيرة تطالب بتغيير الزي الأزهري المفروض عليهم والتجرد منه واستبداله بالزي الإفرنجي (البدلة والطربوش أو البورنيطة)، وقام الأزهر برفض مطالب طلبة دار العلوم، لدرجة وصلت أن الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي «شيخ الأزهر»، ومفتي المملكة المصرية الشيخ عبدالرحمن قراعة، أصدرا فتوى بكفر من يرتدي الزي الإفرنجي من طلاب دار العلوم، بعد حربٍ فكرية دامت لمدة 3 سنوات وافق الأزهر على مطالب طلاب دار العلوم بجامعة القاهرة، كما تشير مجلة المصور والتي استند عليها المؤرخ جمال بدوي في كتابه «شاهد عيان على الحياة المصرية».
يبدو من تلك الفتوى أنها تكفيرية وهنا يطرح السؤال نفسه «هل للفتوى أصل في التراث خاصةً وأن الأزهر الذي لا يكفر إلا في حالة إنكار أمر معلوم من الدين بالضرورة، أعلن كفر من ارتدى البدلة والطربوش والبورنيطة لطلبة دار العلوم».
الإجابة أن لهذه الفتوى أبعاد أخرى ليس لها أدنى علاقة بالتراث الإسلامي، وإنما ترتبط بظروف سياسية ، وهي أن قبل هذا الحدث بعامين (أي عام 1924) سقطت الدولة العثمانية والتي كانت تمثل رمزًا للخلافة الإسلامية «وبغض النظر عن الجدليات حول أن الخلافة انتهت بعد الدولة الراشدة أو العثمانية» إلا أن سقوط الدولة العثمانية جعل البورنيطة والطربوش رمزًا علمانيًا يناقض العمامة باعتبار أنها رمز علمي، وخاصةً أن أتاتورك ـ الذي أسقط الدولة العثمانية ـ هو من تبنى تصدير فكرة ارتداء البدلة والبورنيطة للدارسين في العالم الإسلامي.
الكاتب
-
منتهى أحمد الشريف
منتهى أحمد الشريف، باحثة شابة في العلوم الإسلامية، تخرجت من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال