رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
156   مشاهدة  

لا يصح التعميم.. رسالة إلى المتهكمين على دعاة السوشيال ميديا

دعاة السوشيال ميديا


عودتنا الصحافة دائمًا أن حق الرد مكفول للجميع، فنحن كصحفيين مؤمنين بمبدأ أن “اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية”، لذا فأنا رأيت أنه من واجبي أن أطرح رأيي من خلال هذه المقالة ردًا على ما طرحته زميلتي أو بالأحرى أستاذتي “مي المرسي” في مقالتها تحت عنوان “دعاة السوشيال ميديا ظاهرة شديدة التطرف“، و التي في الحقيقة اتفق معها بشدة في إحدى النقاط التي ذكرتها ألا وهي أن العلم الشرعي لابد وأن يُدرس دراسة محققة ومنضبطة في أماكن مخصصة مثل كليات وأروقة الأزهر الشريف والتتلمذ على يد كبار العلماء، حتى يصبح طالب العلم مؤهلًا ومتعمقًا بأصول هذه العلوم بعد إطلاعه على المناهل الصحيحة لها.

 

أما عن اختلافي مع ما ذكر في المقالة هو من محض رؤيتي كأحد مستخدمي السوشيال ميديا ولاقتناعي الشديد بالمثل الشعبي “كل شيخ وليه طريقته”، فكما نختلف في الفكر والطباع كبشر حتى ولو كنا أخوة نشأنا وتربينا في بيت واحد، ويختلف أسلوب أي معلم في شرحه عن آخر، فهم أيضًا كدعاة قد لا يتطابقون مع الصورة الذهنية لصاحب العلم في عقل كلٍ منا فهناك ثلة ستقبل ما يطرحوه وهناك أخرى ستختلف معه أو تنبذه، وأفضل أن أذكر وجهة نظري في نقاط واضحة حتى تكون أكثر سلاسة:

 

-في ظل التطور الرقمي واقتحام السوشيال ميديا لحياتنا بشكلٍ ملحوظ، أرى أنه من العبث أن تظل الدعوة مقتصرة على المساجد والكليات الشرعية وبعض القنوات التلفزيونية التي أصبح بإمكاننا عدها على أصابعنا فمُحيَّ أثرها تقريبًا، لذا فمن الطبيعي بل من الواجب على الدعاة السعي للدخول إلى هذا العالم الذي يجذب عقول معظم الشباب الذين تنمو عقليتهم ومعارفهم كما ذكرت “المرسي”، وهذا من باب التذكير بالله والنصح والحث على الخير، في عُقر ساحة افتراضية تغمرها التفاهات.

 

– بمجرد الدخول لعالم السوشيال ميديا يجب على منشيء المحتوى الالتزام بضوابط وخوارزميات هذه المواقع حتى يتثنى له الانتشار والوصول للجمهور بالإضافة إلى استمرارية الإنتاج حتى يحقق المستوى المطلوب من المتابعات والمشاهدات، فطلبكِ من “أمير منير” على سبيل المثال أن يقلل تواجده على السوشيال ميديا أو كم الفيديوهات المنشورة فهذا ليس منطقيًا، ويكأنكِ تطلبين منه إفشال دعوته بنفسه في مواجهة كمٍ هائل من القنوات والصفحات لا آخر لها تحقق من السفه والمقالب الساذجة ومظاهر العري وما قد يخالف عاداتنا كمجتمع شرقي عدد كبير من المشاهدات والتفاعلات.

 

– اختلاف “مي المرسي” في مقالتها مع تبسيط الدين واللغة المستخدمة من قِبل مثل هؤلاء الدعاة أرى أنه نقد غير موفق، فنحن بطبيعة مهمتنا نعلم أن طبيعة المحتوى المُعد للنشر على مواقع التواصل تختلف عن طبيعة المحتوى الخاص بموقع صحفي أو جريدة أو أحد البرامج، كذلك العلم الشرعي أو دعونا نسميها النصائح الدعوية يجب أن تطرح بطريقة مبسطة ومحببة للقلوب وبلغة جزلة حتى يتوافق ما يقدموه مع جميع الفئات المستخدمة للسوشيال ميديا وتواكب جميع الأعمار فيعم النفع، لذا ليس صائبًا أن يخرج علينا أحد الدعاة في هذه المواقع متحدثًا اللغة العربية الفصيحة حيث يكون بذلك أقتصر على الفئة المثقفة فقط.

ولعل أنجح مثال على تبسيط العلوم الشرعية هو الشيخ محمد متولي الشعراوي الذي لا خلاف عليه مطلقًا، بل إن مشاهدة برنامجه كل يوم جمعة هو أمر أساسي في جُل البيوت المصرية، دعونا نفكر لما أحبه الناس وانجذبوا لسماع حلقاته في حين أنه يشرح عِلمًا واسعًا به آلاف الكتب والمؤلفات ألا وهو علم التفسير الذي يعد من أهم العلوم الشرعية!

الإجابة الوحيدة بلا منازع تكمن في بساطة الإلقاء وسهولة الألفاظ التي يعتمد عليها في شرحه، وبهذا نصل إلى أن التبسيط أمرٌ محبذ.

 

– أرى أن القول بأن مجال الدراسة أو الشهادة الجامعية هي التي نحكم بها على الشخص الذي نشاهده هذا يحمل بعض الخطأ، فالنموذج الأسمى وقائد الدعوة إلى الإسلام إمام المرسلين -صلى الله عليه وسلم- كان أميًا لا يعرف القراءة والكتابة، بل إن الأجيال التي سبقتنا لم يكن الاهتمام بالتعليم فيها أمرًا هامًا فكان الابن في الغالب يرث مهنة أبيه التي ورثها أبًا عن جد ومع ذلك إذا جالسنا الأجداد سنرى في حديثهم الحكمة والفطنة التي استقوها من تجارب الحياة، وهناك من رجال الأعمال الذين نجحوا في إدارة الكثير من الأعمال وتأسيس ثرواتهم الطائلة غير حاملين لشهادات جامعية، فالحكم بمجال الدراسة على أي أحد حكمٌ ظالم.

ناهيك عن أنه في بلادنا ليس كل من تخرج من الجامعة وإن كان يدرس بإحدى الكليات المرقومة يعمل بمجاله، فقد يشق في طريقه وينجح في مجال آخر وهناك من الأمثلة الكثير وهذا ليس عيبًا، كما أن كلٌ منا له هوايته أو شغفٌ بمجالات متعددة يطمح بها بجانب وظيفته، فمثلًا هناك الكثير من حفاظ القرآن الذين يعملون بشتى المجالات من طبٍ وهندسة وإعلام وغيرها يرون أن خدمة القرآن وأهله إلى جانب عملهم أمر واجب بل ومواظبين على حضور مجالس القرآن في سبيل إتقان تجويده أو التوسع في علومه وهذه الاهتمامات ليس معناها التخلي عن دارستهم ووظائفهم، كذا هؤلاء الدعاة منهم الطبيب والصيدلي والمهندس لكن الدعوة تمثل الاهتمام الشغوفين به في حياتهم، حيث لا يقتصر تعلُم العلم الشرعي والتوسع فيه على علماء وخطباء الأزهر فقط بل هو من حق كل مسلم.

 

وكحال البشر جميعًا لم يخلق أحد كامل الأوصاف أو راسخ الإيمان فإيماننا كبشر يزيد وينقص، وكذلك عِلمُنا فهناك من أوتي من العلم الكثير حتى صار أحد فطاحل هذا العصر، كذا الدعاة أيضًا فهم درجات فهناك من رُزق علمًا وفيرًا حتى أصبح صاحب مدرسة شرعية ويتتلمذ على يديه الكثير، وهناك من هو أقل منه علمًا لكنه يجاهد في سبيل نيل هذه المكانة بحرصه على الاستزادة من طلب العلم الشرعي، إضافة إلى ذلك أنه رأى تمتعِه ببعض القدرات التي تمكنه من إنشاء محتوى ديني بفكر شبابي جديد فسعى لذلك، كما كتب “أمير منير” في تعريف صفحته الرسمية “فيديوهات دينية شبهنا.. بلغتنا.. بطريقتنا احنا الشباب”.

ومن أسباب انتشار أمثال هؤلاء الدعاة هو الحرص على الاحتكاك والتواصل مع الشباب والتواجد بينهم وسماع تجاربهم الحياتية والعملية وقصص توبتهم ورجوعهم إلى الله وكذلك انتكاساتهم، واعظين إياهم بالموعظة الحسنة محاولين إنشاء بيئة مناسبة لشباب صالحين في ظل انتشار الخبائث وسهولة الوصول إليها بنقرة زر، فليسوا مقتصرين على النصح من خلال الشاشات والميكرفونات بل اندمجوا مع الناس، وهذا ما كان يفعله الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلم يقتصر في دعوته على أصحابه أو رواد مسجده بل كان ينزل بين الناس في الأسواق داعيًا إياهم لاتباع أمر الله ناصحًا لهم وموجههم إلى فعل الخيرات.

 

– بعض الانتقادات التي ذُكرت ترجع للذوق الشخصي والذي يختلف بطبيعة الحال من شخص لآخر فقد وَصَفتْ في المقالة “محمد الغليظ” بالطلة العجيبة والأسلوب المستفز، فهذا لا يلومه بل إنه يرجع إلى الذوق الشخصي لكِ فطريقته يقبلها ما يقرب من ٢.٥ مليون متابع، وليس من الطبيعي أن يتفق كل الناس على حب أي شخص داعية أو غيره، فهناك الكثير من الفنانين الموهوبين يحب البعض تمثيلهم والبعض الآخر لا يقبلهم و بالطبع لكل شخص مطلق الحرية فيما يفضله، أما عن الاتهام بأن حديث ” الغليظ” لايستند إلى دليل أو مصدر أمرٌ عجيب في حين أن غالبية فيديوهاته شروحات لكتب ابن القيم ويأتي مفصلًا ما فيها، ويهتم “منير” بالإرشاد في القيام بالعبادات بشكل صحيح والتعريف بالأذكار والسنن المهجورة، أما “ياسر ممدوح” فهو لا يُقدم نفسه بكونه داعية بل يتصف بأنه مخاطبًا للعقول ويقتصر على الحديث بالمنطق والدلائل عن بعض الظواهر الغريبة في مجتمعاتنا أو الأحداث التي تنال من ديننا.

والانتقاد الثاني الذي يمثل ذوقًا شخصيًا أيضًا هو مظهرهم الخارجي الذي لا يخصنا ألبتة، فكل إنسان حرٌ في شكله و ملابسه ما دام لا يضر بأحد، كاللحية أو ارتداء هؤلاء الدعاة للبراندات وهو أمر يعود لميولهم، وأتعجب حقيقةً فقد كان هناك فئة ممن يسميها البعض “الملتزمين” وهو اللفظ الذي ارفضه تمامًا فكل منا عليه أن يكون ملتزمًا بما أمر به الله ورسوله ويسعى جاهدًا لينول رضى ربه، فكان منهم من يرتدون الجلباب القصير والعمامة فتعرضوا لانتقادات لاذعة ووسِموا بالرجعية، فماذا يرتدي هؤلاء الناس إذًا حتى لا يتم انتقادهم!

إقرأ أيضا
هند نوفل

 

– اللوم الموجه إلى الدعاة على مواقع التواصل الاجتماعي في كسبهم للأموال مقابل ما يقدموه لوم لا غاية له، فبالتأكيد كلنا ندرك كمَ الجهد المبذول حتى تخرج مثل هذه الفيديوهات بهذه الجودة من الصوت أو الصورة، وكذلك الوقت المستهلك في الإعداد المسبق لمحاور اللقاءات، وتكلفة المعدات المستخدمة من كاميرا وإضاءات وغيرها، أليس من حقه بعد كل هذا الجهد أن يرى منه مقابلًا ويساعده أيضًا على التطوير فيما يطرحه!، إضافة إلى أننا بطبعنا البشري نحب أن نرى أثر جهدنا ونتيجة مرجوة لما نتعب فيه كإعجاب من حولنا والمتابعين ولا بأس من مكسب مالي، فلعل هذا المكسب تعويض عن كل ما انفقوه في سبيل إيصال بعض المعلومات أو النصائح الدينية.

 

– ورأت “مي المرسي” أنهم لا يقدمون غير الترند، لكن إذا نظرنا إلى قائمة التشغيل الخاصة بالبرنامج الذي انتقدته “ايه المشكلة” ما رأينا اسم حلقة يعبر عن ترند أو عبارة محيرة تجذب الجمهور بل هو برنامج يميل إلى الحديث عن الأمور الدينية بلسان حال الشباب، على سبيل المثال “ايه المشكلة لو مفيش دين، خطر السوشيال ميديا وضياع العمر، ايه المشكلة في علاقتنا بأهلنا، وهكذا”.

ولو فرضنا جدلًا أنهم يتبعون الترند فهي خطوة جيدة حتى يكون محتواهم أكثر انتشارًا، وبالتالي أكثر تأثيرًا من خلال آية أو حديث ذُكر خلال الحلقة فيكون دافعًا لأحد المتابعين للتوبة وعمل الصالحات، ونحن الصحفيون نتفهم طبيعة الترندات ونلتزم دائمًا بمتابعتها لحصر المعلومات والحديث عنها لإفادة الباحث عن المعلومة ولتصدر موضوعاتنا على محركات البحث ما قد يجلب لنا النفع بشهرة أسماءنا أو اهتمام القراء بكتاباتنا ومتابعتها بانتظام.

 

قوّلي في الختام.. أعلم أن هناك بعض المتحدثين في الدين غير المؤهلين لكن لا أحب تعميم المسألة على كل دعاة السوشيال ميديا، فعسى أن يكون ما يقدموه على مواقع التواصل الاجتماعي جُهد المُقلِّ لكن لا بأس به فقد تُؤثر كلمة نُصح صادقة على أحد المستخدمين فتحثه على الاستقامة، كما رأينا الكثير ممن ضلوا الطريق أو كانوا غارقين في وحل السيئات والذنوب قد انقذتهم كلمة دينية من هؤلاء الدعاة قيلت بحُب وذَّكرتهم بربهم الغفور الرحيم فمست قلوبهم ليتبدل حالهم إلى الأفضل، فلقد أصحبنا في هذا الزمان بأمس الحاجة إلى تأصيل شرعي لكل ما يحدث في المجتمع.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان