همتك نعدل الكفة
318   مشاهدة  

شجر الدر..عندما يعبر الرقص عن لقطة من التاريخ

عرض شجرة الدر
  • إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



على من يحاول فهم الرقص الحديث متابعة عروض فرقة فرسان الشرق التابعة لدار الأوبرا المصرية، والتي تهتم بالتراث وتعبر عنه عن طريق الرقص المعاصر الذي بدأ في أوائل القرن العشرين كمحاولة للتمرد على الباليه الكلاسيكي وحركاته المحسوبة الصارمة، فتجد أن الرقص الحديث يستوعب ألوانا كثيرة من الرقص ويتحرر راقصيه من ملابس الباليه الكلاسيكي لتعبر عن رؤية المخرج وقصة العرض وفكرته.

ومن العروض التي يمكنك مشاهدتها على قناة يوتيوب لفرقة فرسان الشرق، عرض شجر الدر إخراج دكتور عصام عزت. وسوف  نحلل عناصره وكيف خدمت فكرة المخرج.

اقرأ أيضا…مسرحية الإمبراطور جونز مثال على المذهب التعبيري

الملابس

كانت الملابس متحررة عن شكل ملابس الباليه المعروفة من تنورة قصيرة للفتيات وبنطلونات ضيقة للرجال، فقد كانت تشبه طبيعة الرقص المعاصر في شكلها المتحرر ولكن ناسبت أيضا طبيعة العصر الذي يتحدث عنه العرض وهو عصر المماليك.

فيما ارتدت كل مجموعة راقصة نفس الملابس بنفس الألوان، فعلى سبيل المثال الجواري بالفصل الأول ارتدين ملابس صفراء اللون واسعة من الأسفل حتى تسهل الرقص والحركة، ومكشوفة البطن مثل ملابس الجواري.

فيما ارتدى الرجال سراويل واسعة  وقبعات تشبه قبعات خدم القصر. أما عن شجرة الدر فكانت ترتدي نفس تفصيلة ملابس الجواري، ولكن بلون وردي مختلف حتى يميزها الجمهور عن بقية الجواري.

واختلفت ملابس الرجال حسب شخصياتهم من ارتدائهم لقمصان إلى ارتداء السلطان لبدل فخمة، ولكن كانت الملباس بكل وقت مفتوحة بأكثر من جهة كي يشعر الراقص بأريحية في الرقص.

تنوعت ملابس شجر الدر والتي يدورها حولها العرض، فمرات ارتدت فساتين مفتوحة تناسب حركة الرقص وفي بنفس الآن تظهر انتقالها من مرحلة كونها جارية من الجواري، إلى زوجة السلطان نجم الدين أيوب الذي أعتقها وتزوجها.

فعبرت الملابس عن انتقال شجر الدر من حالة إلى حالة ومن طبقة اجتماعية إلى أخرى

YouTube player

الموسيقى

كانت الموسيقى تتماشى مع إيقاع الرقصات والدراما، فكلما ازداد الصراع على سبيل المثال بين شجر الدر وجارية أخرى دار صراع للفوز بالسلطان نجم الدين أيوب، سمعنا صوت الطبول تتسارع بشكل ملحوظ في استخدام سليم لها يوحي بالتوتر واندلاع معركة بينما استخدم المخرج أيضا موسيقى كلاسيكية مدعمة بغناء أوبرالي في توليفة مميزة ناسب عرض من التراث.

وقد استخدم المخرج أيضا بهذا العرض موسيقى عالمية ، فمثلا استخدم بمشهد البحر موسيقى فيلم “قراصنة الكربيبي” الفيلم الشهير لجوني ديب، كما استخدم موسيقى أفريقية في مشهد آخر وأغنية تركية بمشهد آخر.

فقد اعتمد على تنوع ألوان الموسيقى ولكن اختارها جميعا مثيرة للتوتر باعثة على القلق والترقب كي تعبر عن عرض مليء بالصراعات والمعارك والحروب.

استخدم المخرج موسيقى شرقية أيضا لمشاهد رقصات الجواري حتى تلائم أجواء رقصهن الذي كان مزيجا من الرقص المعاصر والرقص الشرقي

الحركة

نحن أمام عمل وظف الرقصات من أجل الدراما، فبمشاهد الصراع نجد رقصا سريعا عنيفا يناسب معركة بين امرأتين قررتا التحدي من أجل الفوز برجل.

بينما بنفس المشهد عندما خسرت جارية أمام شجر الدر، فقد رقصت رقصا يلازم الأرض يذكرنا بالعديد والندب، وكأنها تبحث عن تراب تضعه فوق رأسها في هذه الأرض التي ترقص عليها وكادت تتحد معها وتموت من الحسرة.

فقد كانت جميع الحركات تقريبا على الأرض بهذا المشهد مع أثر الموسيقى التي أوصلت مشاعر الحزن للجمهور.

كما كانت رقصات الجواري بمشاهد أخرى مزيج من الرقص الشرقي والرقص المعاصر، في بهجة تنشر أجواء ابتهاج السلطان بجواريه.

فيما كانت الحركات المتعلقة بمجيء الفرنجة لشواطىء مصر، كلها في الهواء وكأنها تتمايل مع الأمواج.

ونرى في معركة المصريين مع عساكر الفرنجة، تكوين هندسي استخدمته المخرج عصام عزت وهو تكوين الدائرة الذي يدل على الحصار.

فقد تجمع عساكر الفرنجة في شكل دائري، والتف حولهم العساكر المصرين.

الديكور

كان الديكور عبارة عن بانوهات لأكثر من منظر حسب خدمة كل مشهد. بانوهات لشبابيك بقصر من الأرابيسك تدل على العصر الإسلامي.

وكذلك بانوهات لأشرعة ومراكب تمثل الشواطىء، فيما كانت ألوانها دائما متماشية مع الإضاءة ومع دراما العرض.

فألوان الديكور كانت ساخنة مثلا بالمشاهد التي تمثل قتل وصراع مثل اللون البرتقالي والأحمر، ولكن معظم البانوهات كانت ثابتة على

شكل الأرابيسك  المميز للتعبير عما يدور في قصر السلطان أو حوله.

كما كان الديكو مدهشا بمشهد تولي شجرة الدر عرش مصر، حيث بدا للجمهور وأن شجر الدر تحولت بكرسي العرش إلى طاووس تحيطه أجنحته وشجر الدر مزهوة بريش هذا الطاووس وبرضا الشعب عن توليها حكم مصر.

فقد لعب الديكور دورا مهما في توصيل معان كثيرة للجمهور، وأهمها بهذا المشهد الجذاب. فيما أظلم المسرح كله وثبت الإضاءة على

هذا العرش في صورة رائعة وكأنها لوحة فنية

الإضاءة

فقد استغل المخرج اللون الأزرق مع الأسود ليوحي بالغموض، كما استخدم أظلام المسرح من أجل تسليط الضوء على كل راقص دوره محوري بحدث من الأحداث.

أكملت الإضاءة دور عنصر الديكور، فقد شاهدنا ألوانا بالديكور تكررت بالاضاءة مثل اللون الأحمر الذي يعبر عن الثورة والصراع والدم.

إقرأ أيضا
مكافحة التيفود - فاطمة المتسولة

الإخراج

قام المخرج عصام عزت باستغلال كل مساحة بالمسرح بشكل ممتاز. فعلى سبيل المثال بأول مشهد بالفصل الأول من العرض، كانت شجرة الدر في وسط المسرح بالضبط، كما كان كل سلطان يضعه بنفس المكان، بمنتصف المسرح؛ لأن شجرة الدر والسلاطين هم

مركزية الأحداث التي سنشاهدها بالعرض.

استغل عصام عزت المجاميع بشكل جيد وبتكوينات بديعة للصورة . فكانت الرقاصات متابينة وتكوين كل مجموعة على المسرح مختلف.

فيما استغل جميع عناصر المسرح من أجل خدمة العمل، من الموسيقى إلى الإضاءة والديكور.

فيما استخدم المخرج بمشهد القتل،  رقص للعساكر وبالخلفية مشهد القتل بذكاء كبير، جعل المشهد يقترب للمشاهد السينمائية.

كسر المخرج أجواء توتر المعارك بمشهد بين شجر الدر ونجم الدين أيوب خلق فيه حالة من الرومانسية. كما كانت حركات الرقص بطيئة وناعمة تناسب حالة الحب التي رأيناها على المسرح.

وعندما رقصت شجرة الدر بأخر مشهد بالعرض، كان رقصها منفردا بجانب حاشية القصر ، فقد بروز المخرج شجر الدر دائما بهذا العرض وجعلها محور الاهتمام حتى في رقصها المنفرد.

وكأن لا مثيل لها وترقص وحدها مستمتعة بما تفعل فيما يحيط بها الحرس والحاشية من جميع الجوانب محتفين بها وبتنصيبها ملكة على عرش مصر.

نجح أيضا المخرج في توجيه الممثلين، فلم نكن أمام عرض راقص وفقط، ولكن كان بالعرض مساحة تمثيلية تحتاج لتوجيه مخرج يعي بأهمية التمثيل أثناء الرقص.

فالرقص بحد ذاته يتعامل معه العامة على أنه تعبيرا عن السعادة وعن الشعور بالفرح والانتصار والإنجاز وكل المشاعر المحمسة والتي توصل الإنسان للسعادة.

بينما الرقص التعبيري يعبر عن مشاعر وحالات مختلفة منها الحزن أيضا؛ لذلك تحتاج لراقص على معرفة ودراية بتمثيل الحالة الشعورية أثناء الرقص.

وهنا يكون دور المخرج الذي عليه توجيه الراقص للإيحاء بهذه الحالة الشعورية أثناء الرقص.

كما أن المخرج جعل كل مشهدا محدود الوقت فلم يشعر المشاهد بالملل، فقط أوصل المعنى خلف المشهد وحدث البداية والنهاية.

وكان العرض بصراع صاعد انتهى بتولي شجرة الدر عرش مصر.

الكاتب

  • شجرة الدر إسراء سيف

    إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
1
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان