همتك نعدل الكفة
1٬406   مشاهدة  

قصة الموسيقار محمد القصبجي مع آلة العود

العود


 

أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الثانية والعشرين من قصة الموسيقار الكبير نحيل الجسد قوي الفكر، المرحوم محمد علي القصبجي، وكنا قد انتهينا في اللقاء السابق من الحديث عن العلامات البارزة في مشوار ذلك الموسيقار العبقري واليوم ننتقل للحديث عن موضوع في غاية الأهمية ألا وهو قصة الموسيقار محمد القصبجي مع آلة العود.

 

المرحوم محمد علي القصبجي ورفيق دربه “العود”:

بدأ المرحوم محمد القصبجي مشواره مع آلة العود منذ أن كان طفلا صغيرا في المدرسة، وكعادة كل فنان حقيقي يسعى بكل ما أوتي من قوة وراء شغفه، كافح المرحوم محمد االقصبجي وهو طفل صغير فقط للحصول على الآلة التي أحبها بفضل والده المرحوم علي القصبجي، إلا أن الظروف المادية للأسرة الفقيرة لم تكن لتمكن المرحوم علي القصبجي من أن يعطي ولده محمد المال الكافي لشراء آلة جديدة، ولم ييأس محمد القصبجي الصغير وأصر على أن يمتلك عودا ولو بدائيا.

ذهب المرحوم محمد علي القصبجي إلى أحد نجاري الحي وألح عليه أن يتبرع له بقطعة خشبية صغيرة لا يتعدى طولها ستة عشر سنتيمترا ذات رقبة قصيرة تشبه رقبة العود، وأمام إلحاح الطفل محمد القصبجي لم يجد النجار أمامه سوى أن يريح رأسه ويعطي الطفل القطعة الخشبية التي طلبها، وسرعان ما أخذ القصبجي قطعته الخشبية التي اعتبرها كنزا ظل يروح ويجيء باحثا عن باقي “اكسسواراتها” ليكمل عوده البسيط، أو هكذا ظن القصبجي الصغير، وفي المدرسة خلع محمد القصبجي رزتين من دكته وثبتهما على الخشبة الصغيرة التي حصل عليها تبرعا، وكان كلما انقطع وتر من عود والده سارع إليه فتلقفه وثبته على خشبته وبدأ في الضرب عليه في اعتقاد منه بأنه يعزف على العود.

لم يكن الطفل الصغير الحالم يعلم أنه ذات يوم سيصبح سيد عازفي العود في القرن العشرين وأحد الكبار في الموسيقى العربية، وتلك حقيقة لا جدال فيها، فالمرحوم محمد القصبجي يصنف وفق آراء المتخصصين في الموسيقى أنه سيد عازفي العود في القرن العشرين، وهذا لا ينفي بكل تأكيد وجود أسماء أخرى كبيرة ربما تقترب من تلك المكانة العظيمة كالمرحوم رياض السنباطي وموسيقار الأجيال المرحوم محمد عبد الوهاب والمرحوم فريد الأطرش وأستاذ المرحوم محمد القصبجي الملحن اللبناني فريد غصن الذي لحن لأم كلثوم أغنية وحيدة، صحيح التسجيلات المنفردة على آلة العود للمرحوم محمد القصبجي قليلة جدا وربما تكون نادرة إلا أنه ليس في ذلك ما يقلقك عزيزي القاريْ فتستطيع بسهولة أن تستمع إلى عزف المرحوم محمد القصبجي متى شئت، فكل أغنيات أم كلثوم منذ فترة العشرينيات وحتى عام 1966م حافلة بعزفه الفريد، فكل صوت عود تسمعه في تلك المسيرة الطويلة من وصلات كوكب الشرق أم كلثوم هو عزف المرحوم محمد القصبجي، مقدمة العود في وصلة الأولة في الغرام بمسرح حديقة الأزبكية 1950م هي من عزف الكبير محمد القصبجي وعود موسيقى ذكرياتي لمونولوج رق الحبيب هي للمرحوم محمد القصبجي، فبين يديك عزيزي القاريء حصيلة كبيرة من العزف المنفرد لهذا الموسيقار الفذ، حتى موسيقى الأطلال التي لحنها الموسقار رياض السنباطي، ما جاء فيها من عزف عود هو للمرحوم محمد القصبجي، وظل الحال كذلك حتى وفاة القصبجي عام 1966م.

ولما مات المرحوم محمد القصبجي امتنعت أم كلثوم عن إعطاء مكانه لأحد خلفها على المسرح وظل كرسيه فارغا قرابة الخمس سنوات وظلت فرقة أم كلثوم بلا عود حتى اضطرت أم كلثوم عام 1970 إلى ضم العازف القدير عبد الفتاح صبري إلى فرقتها نظرا لأن أغنية اسأل روحك التي لحنها الموسيقار محمد الموجي تضمنت عزفا منفردا على آلة العود، فلم يكن هناك بدا من البحث عن عواد كبير ليقدمه بالشكل الذي يليق بأم كلثوم واحتارات أم كلثوم بين إثنين، الأول هو جورج ميشيل عازف العود الكبير ابن مدينة طنطا والذي رأيناه مرارا وراء المرحوم عباس البليدي في الحفلات التي سجلت في فترة الستينيات وبثها التليفزيون برفقة فهمي عوض القانونجي والثاني هو عبد الفتاح صبري، واستقرت أم كلثوم في النهاية على المرحوم عبد الفتاح صبري، ومع حبي الشديد الواصل حد التعصب للمرحوم جورج ميشيل، فقد كان عوادا من الطراز الأول إلا أنني أرى أن أم كلثوم كانت موفقة في اختيار عبد الفتاح صبري خلفا للمرحوم محمد القصبجي في فرقتها الموسيقية نظرا للتشابه الواضح بينهما، ولك عزيزي القاريء أن تعود للأرشيف وتستمع للثلاثة أقصد القصبجي وجورج ميشيل وعبد الفتاح صبري لتكتشف أن عبد الفتاح صبري يشبه إلى حد كبير في تكنيك عزفه وطريقة نقره على العود المرحوم محمد القصبجي بخلاف جورج ميشيل الذي أراه يميل أكثر لعزف المرحوم رياض السنباطي.

 

ولكن، لماذا يعتبر المرحوم محمد القصبجي سيد عازفي العود في القرن العشرين؟

الحقيقة أن هذا التساؤل والذي يفرضه موضوع الحلقة لا يمكن بحال أن ينطوي على التقليل من شأن أحد من كبار رجال الموسيقى في القرن العشرين، غاية ما هنالك أننا سنبين الأسباب العلمية بشكل مجرد والتي جعلت من الموسيقار محمد القصبجي عوادا فريدا لا يضاهيه أحد من أبناء جيله.

 

إقرأ أيضا
أحمد زكي

إقرأ أيضًا…صدق أو لا تصدق : أحفاد أحمد عرابي .. مصري وسوداني وسيريلانكي

في البداية يستلزم العزف على آلة العود باقتدار ثلاث أمور هامة، الأمر الأول هو التكنيك في العزف، والثاني هو الخيال التأليفي الذي ينتج التقاسيم المتنوعة والأمر الثالث هو الإحساس الذي يترجم في العزف، وإذا نظرنا إلى أقطاب الموسيقى في القرن العشرين وحللنا عزفهم بناء على تلك العناصر سنجد أنهم جميعا قد حازوا بعض العناصر دون البعض الآخر أما المرحوم محمد القصبجي فقد حاز العناصر الثلاث مجتمعة، فالسنباطي مثلا تكنيكه رائع وإحساسه مرهف جدا إلا أن خياله في التقاسيم تقليدي، وهذا ما يجعله على حد تعبير البعض محصورا لدى أصحاب الميول التقليدية المحافظة، بخلاف الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي امتلك خيالا خصبا إلا أن تكنيكه لم يكن بمستوى تكنيك السنباطي، كذلك المرحوم فريد الأطرش الذي يعتبر أحد كبار عازفي العود في القرن العشرين فهو صاحب تكنيك مقتدر وإحساس جميل إلا أن خياله التأليفي ليس بذات المستوى الذي عليه من حيث التكنيك والإحساس إذ تستطيع كمستمع أن تتوقع المسارات المقامية التي سيسلكها في كل مرة يعزف فيها، أما المرحوم محمد القصجبي فقد تميز عن الجميع في أنه قد حاز كل هذه العناصر فلم يخفق في التكنيك أو الإحساس أو الخيال التأليفي لذلك يحظى المرحوم محمد القصبجي باعتراف المتخصصين بتقدمه على الجميع في آلة العود وبأنه الأستاذ الأول فيه، ولا يفوتنا في هذا المقام أن نذكر نقرتا العود المرعبتان في مطلع تقاسيم المرحوم محمد القصبجي على عوده في وصلة يا ظالمني عند مقطع حكيت لك عن سبب نوحي ونار الوجد في ضلوعي، وصلة قاعة الأونيسكو ببيروت سنة 1955، التي جمعت خلاصة مقدرة وعبقرية القصبجي من حيث التكنيك والإحساس.

وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة، على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان