بين لقمة القاضي وصاحب أشهر صلعة سينمائية
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
لقمة القاضي كما ننطقها نحن الإسكندرانية هي الزلابية باللهجات المختلفة.
وإذا حاولت إقناع أي إسكندراني وحلفتله ميت يمين إنها زلابية مش لقمة قاضي فلن ينطقها كما تنطقها أنت حتى لو تنمرت عليه، فنحن كاسكندرانية لا نستعر من لهجتنا ولم ولن نخجل أبدًا منها، ونفتخر بها أيضًا، فالجبنة تركي مش رومي، والسدق سدق مش سجق، والطماطم طماطم مش قوطة، ولا يوجد شئ اسمه طعمية إنما هي فلافل، ولا يوجد شئ إسمه لبان فهي ماستيكا، ولا يوجد شئ اسمه أستيكا فهي جومة، وهي إمة مش ناصية، وهو شتا مش مطرة، وإسمه شي مش شاي، وإسمه مشروع مش ميكروباص، واسمه البحر مش الكورنيش، وسنظل نقول “أحيه” ونحن مقتنعون تمامًا بأنها كلمة عادية ومش عيب.
اقرأ أيضًا
صور .. مخطاف سيدي لاللو “سر من أسرار الإسكندرية”
آه وكمان بالمرة هي حتة مش منطقة.
وبمناسبة الحتة فقد نشأت في حِتة محرم بك، بشارع بوالينو، حيث تربينا أنا وإخوتي في بيت جدتي لأمي رحمها الله وغفر لها، وكان لجدي رحمه الله وغفر له صالون حلاقة ورثه أخوالي في شارع أمين الرافعي المتفرع من شارع بوالينو، تطل شرفة بيت جدتي على هذا الشارع العريض الذي يقابلها.
في شارع أمين الرافعي وعلى بُعد حوالي خمسين مترًا من صالون حلاقة جدي كان يوجد دكان صغير لـ لقمة القاضي، حين تضع أمام صاحبه ربع جنيه، يملأ لك قرطاسًا كبيرًا جدًا من ورق الكتب والكراريس بحبات لقمة القاضي ويضع لك فوقها الكثير من السكر البودرة أو العسل في صمت، تمامًا مثل صمت صاحب المحل المجاور له، محل حلاقة آخر، كان صاحبه رجل أصلع، ضخم الجثة، عريض المنكعين، مفتوح الفاتحات، شنكول الحلقات، مشرئب الفلنكات، مشلهم الأبعاع، شلولخ، لم أسمعه يتحدث، ولم أستمع إلى صوته قط، ولكنني كنت دائمًا ما أتخيل صوته كصوت سلومة الأقرع، السيد بيه قشطة، ابنه الممثل والكومبارس نصر سيف…
أجل فقد كان هذا الرجل صاحب دكان الحلاقة والده…
وفي كل مرة كان الرجل يملأ لي فيها القرطاس بـ لقمة القاضي أوشك أن أصيح بصوت جهوري قائلة: ينصر دينك يا أستاذ خليفاااااااااااااااع، لولا خشيتي من أن يخرج الحاج سيف من محله ويقلب طاسة الزيت في وجهي، أو أن يرشني بالسكر البودرة أو يلغمطني بالعسل.
تغير محور حياة نصر سيف عندما اكتشفه المخرج الراحل نيازي مصطفى بعد أن تخرج من كلية الآداب جامعة الإسكندرية، وبعد أن بدأ العمل كمحصل للفواتير بشركة الكهرباء، فقدمه من خلال فيلم عنتر يغزو الصحراء في عام 1960 لـ فريد شوقي.
اقرأ أيضًا
إنجرام بيه في فيلم شياطين الليل لفريد شوقي “نهايته الحقيقية مختلفة”
لفت نصر انتباه المخرجين له إلى أن صار أشهر كومبارس في تاريخ السينما المصرية مع توالي أدواره الصغيرة والتي كانت غالبيتها أدوار الفتوة والشخصيات الشريرة نظرًا لشكله الذي يبعث على الخوف والهلع في نفوس الجماهير، ولكن كان ما يميزه هو أنه استطاع أن يضيف لأدواره التي تمتاز بالعنف جانبا من الكوميديا، والتي لاقت قبولا كبيرًا لدى الجمهور، واستطاع أن يترك بصمته عند ظهوره في أي عمل يظهر في مشهد به.
مارس الفن لسنوات طويلة وذاب فيه عشقًا، وعلى الرغم من أنه لم يؤدي أدوار البطولة مطلقًا، ولا حتى الأدوار الثانية، إلا أنه قد ترك أثرًا كبيرا في نفوس الكثيرين ممن تابعوه، ويشهد له الكثيرون ممن تعاملوا معه بالطيبة الشديدة وحسن الخلق.
شارك في حوالي 60 فيلما منها :
عنتر يغزو الصحراء- جوز مراتي – 30 يوم فى السجن – موعد فى البرج -عفريت مراتى – العميل 77 – جريمة فى الحى الهادئ – أخطر رجل فى العالم -أنت اللى قتلت بابايا – من عظماء الاسلام – الشيماء ( نوفل بن معاوية الديلى) – الشياطين والكورة -شياطين الى الأبد -مغامرون حول العالم – فتوات بولاق – لك يوم يا بيه – احنا بتوع الاسعاف – عصابة حمادة و توتو – أزواج فى ورطة –الغول- أنا اللى قتلت الحنش – الطائر الجريح- الفلوس والوحوش – صف عساكر – جبروت امرأة – نص دستة مجانين – حكاية فى كلمتين -الذكاء المدمر – الجوازة دى مش لازم تتم – الفتى الشرير – قبضة الهلالى – مجرم رغم أنفه – بخيت و عديلة – الغجر.
كما شارك في مسرحيات :
طبيخ الملايكة – شاهد ماشافش حاجة- البلدوزر – حضرات السادة العيال -العسكرى الاخضر – دول عصابة يا بابا.
وشارك في مسلسلات :
أحلام الفتى الطائر– دموع فى عيون وقحة- الأيام – اديب – رحلة المليون – حكايات هو وهى – الكابتن جودة – وكسبنا القضية – غابة من الأسمنت – لا إله إلا الله (الجزء الرابع) – رأفت الهجان (الجزء الثاني) – الكهف و الوهم و الحب – الوعد الحق –- هالة والدراويش – أرابيسك -عباسية واحد – لدواعى امنية – الظاهر بيبرس.
وكانت مسرحية يا أنا يا إنتي يا دنيا هي آخر أعماله في عام 2010.
بقى محل جدي كما هو، وتم هدم محل حلاقة الحاج سيف رحمه الله في هدوء وبُني مكانه عمارات شاهقة، تمامًا مثلما رحل نصر سيف في هدوء عن عالم التمثيل وعن دنيانا في 15 يونيو من عام 2011 عن عمر يناهز الـ 78 عامًا، تاركًا بناءات شاهقة من الأداء الكوميدي الممتع والعبقري.
الكاتب
-
مريم المرشدي
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال