محاور تاريخية مهمة ومنسية أظهرتها الحلقة 4 من الحشاشين “سياسة نظام الملك أبرزها”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تصاعدت أحداث الحلقة 4 من الحشاشين حيث انجرفت بالمسلسل من مصر خلال عصر الدولة الفاطمية إلى أصفهان ومقابلة حسن بن الصباح لنظام الملك وعمر الخيام وعملهم في بلاط السلطان السلجوقي ملكشاه.
اقرأ أيضًا
“صور” ما هو المخطوط الذي ظهر في نهاية الحلقة الثالثة من الحشاشين
إن نحينا الخلاف التاريخي حول الصداقة بين الثلاثي «الصباح،الخيام، نظام الملك»، فإن الحلقة الرابعة من الحشاشين لم تشهد أخطاءًا مثل الحلقات الثلاثة الماضية، لكن الأهم في رتمها الهادئ هو إلقاءها الضوء على جوانب تاريخية تبدو خافية عن المشاهدين لها.
ميناء عكا وظهوره ووصفه
ظهر ميناء عكا في الحلقة 4 من الحشاشين بشكل يتوافق مع شكله في الفترة التي يتناولها المسلسل خلال القرن ال11 الميلادي، خاصةً في بداية الميناء والمبنى الداخل في البحر الملاصق للشاطئ.
اقرأ أيضًا
الحاج صاحب الوقت
يمكن التأكيد على مطابقة هذا الشكل الوارد خلال الحلقة 4 من الحشاشين إن طالعنا وصف ناصر خسرو في رحلته للشام حيث قال عن ميناء عكا «لم تشيد المدينة في الوادي المنخفض مخافة غلبة ماء البحر عليها، والميناء اسم يطلق على الجهة التي بنيت للمحافظة على السفن، وهي تشبه الاسطبل وظهرها ناحية المدينة وحائطاها داخلتنا في البحر وعلى امتدادهما مدخل مفتوح طوله خمسون ذراعًا، وقد شُدَّت السلاسل بين الحائطين، فإذا أريد إدخال سفينة إلى الميناء أرخيت السلسلة حتى تغوص في الماء فتمر السفينة فوقها ثم تشد حتى لا يستطيع عدو أن يقصدها بسوء».[1]
سياسة المراقبة عند نظام الملك
في أحد مشاهد الحلقة 4 من الحشاشين والذي يعتبر ماستر سين بين شخصية حسن بن الصباح ونظام الملك، تكلم الأخير عن سياسته في المراقبة من خلال الجملة التي قالها فتحي عبدالوهاب: «أنا بفضل الله أسست أكبر نظام للمراقبة، مافيش إنسان بيهمس من شفايفه بهمسة إلا وبتوصلني ومني لمولانا السلطان».
اقرأ أيضًا
هل تحدث الصباح والخيام بالفصحى؟.. عن عامية “الحشاشين”
هذه الجملة هي اختصار غير مخل لتاريخ نظام المراقبة في الدولة السلجوقية والذي أسسه الوزير نظام الملك بشكل شديد التركيب والتعقيد وكان له تأثير كبير في أمن الدولة السلجوقية، وأوحت طريقة فتحي عبدالوهاب أن نظام الملك أرسى قواعد دولة بوليسية ينطبق عليها الوصف الدارج «دولة المخبرين»؛ لكن مطالعة مذكرات الملك تكشف جانبًا آخر لهذا الأمر يكاد يتطابق مع طريقة فتحي عبدالوهاب في التعامل مع الشخصية منذ بدء المسلسل.
في مذكرات نظام الملك نجد تكلم عن نظام المراقبة ويتبين منها أنه كان يعتمد على البريد والعيون لمعرفة أخبار رعيته وعماله من جهة، وكانت تلك مهمة من أسماهم العيون وصاحب البريد.
اقرأ أيضًا
قراءة لأحداث الحلقة الأولى من الحشاشين “مشاهد غامضة نشرحها وخطأ واحد نصححه”
بالتأكيد كان نظام الملك يعتمد على الجواسيس لمعرفة أخبار أعداءه وتحركاتهم من جهة؛ لكن أغرب شيء في نظام المراقبة عند نظام الملك أنه يعين جواسيس على الرسل التابعين للدولة السلجوقية نفسها لينقل له ما يجري أثناء أداء الرسالة وكان اسمه المشرف.[2]
اقرأ أيضًا
حول الحلقة الثانية من مسلسل الحشاشين “أخطاء تاريخية رغم التفنن في الحبكة”
وضع نظام الملك شروطًا صارمة لمن يتولى هذه المهام التي وصفها بالدقيقة والشاقة، أولها أن لا يتولى المنصب أي شخص مشكوك فيه أو يتوقع منه إساءة الظن، كذلك لا يكون للشخص أي مصالح شخصية، واعتبر أن مخالفة هذه الشروط كفيل بفساد الدولة وتطبيقها يؤدي لصلاحها، وقال في ذلك «هذه المهمة دقيقة وشاقة ويجب أن يعهد بها لمن يسار الظن بهم وبألسنتهم وأقلامهم ولا يجرون وراء أغراضهم ومصالحهم الخاصة، لأن صلاح المملكة وفسادها مرهون بهم».
اقرأ أيضًا
الحلقة الثالثة من مسلسل الحشاشين “دقة في التفاصيل وملاحظات تاريخية ننوه لها”
يبرر نظام الملك في مذكراته سبب نظام المراقبة الذي وضعه فقال «على الملوك أن يتحروا أحوال الرعية والجيش وكل بعيد وقريب وأن يعرفوا كل كبيرة وصغيرة في المملكة، فإن لم يفعلوا فسيكو ذا عيبًا ومأخذًا يأخذه الناس عليهم ويحملونه محمل الغفلة والتهاون والظلم، ويقولون إما أن الملك يعلم بأمر الفساد والسرقة والنهب المتفشي في المملكة وإما أنه لا يعلم، فإن لم يكن على عم به ولا يمنعه أو يقف في وجهه، فلأنه ظالم وعن الظلم راضٍ، وإلا فهو غافل قليل الدراية والإطلاع وكلا الأمرين غير محمود».
اقرأ أيضًا
تترات مسلسلات رمضان (3) : الحشاشين .. محاولة خلط الزيت بالماء
تطبيق نظام المراقبة جعل نظام الملك يحذر من تعدد الجهات الأمنية وقال أن الملك هو الوحيد الذي يعين هؤلاء ولا أحد يعرف بمهامهم سواه، وحول الشروط هذه كلها قال «إذا ما سارت الأمور على هذا النحو، يحرص الناس على طاعة الملك والخوف من عقابه دائمًا ولن يجرؤ أحد على عصيانه والخروج عليه أو حتى مجرد التفكير في ذلك، إن وجود صاحب البريد ومنهي الأخبار لدليل على عدل الملك ويقظته وقوة رأيه على إعمار الدولة أيضًا».[3]
من هذه الهيكلية المؤسسية التي وضعها نظام الملك جاء اسم الحلقة الرابعة من الحشاشين، فالاسم هو بيت سر السلطنة، وهو وصف لمؤسسة أمنية بقصر السلطان السجلوقي، وقد استوحاه المؤلف من الاسم الأصلي له وهو دار الإنشاء السلطانية أو ديوان الرسائل والإنشاء وهو متفرع من ديوان الطغراء خاص بأوامر السلطان شخصيًا وهو همزة الوصل بينه وبين موظفي الدولة.
تاريخيًا فإن ديوان الإنشاء يشرف على جميع المكاتبات الرسمية والمراسيم والبراءات وتحرير الرسائل السياسية ومحاضر المجالس العامة للسلطان ويقوم بتنظيم علافة الدولة بالداخل والخارج، ويترأسه إما الوزير شخصيًا أو صاحب ديوان الرسائل، ويأتمر بأمره عدد من الموظفين والمحررين مما ينعمون بثقة الدولة ويحفظون أسرارها.[4]
وكان صاحب ديوان الرسائل في الغالب ما يتقلد مناصب حساسة كمنصب نائب الوزارة، ورجاله في الديوان يحملون الرسائل ويقومون بالوساطات وينجزون المهام الرسمية والسياسية وذلك بناءًا على الثقة.[5]
تقويم عمر الخيام
من الأشياء التي ظهرت في الحلقة الرابعة من الحشاشين مطالعة السلطان ملكشاه للتقويم الذي وضعه عمر الخيام، وقد ظهرت فيه أسماء الشهور باللغة الفارسية على 12 شهر هم «فروردين، ارييبهشت، خرداد، تير، مرداد، شهريور، مهر، آبان، آذر، دي، بهمن، اسفند».
تاريخيًا فإن عمر الخيام كان آخر من عدله وقام بذلك عام 1079 ميلادي وقد تم اعتماد هذا التقويم الى جانب التقويم الهجري القمري كتقويم رسمي في ايران في عهد الشاه السلجوقي جلال الدين ملك شاه.
ولكل اسم من أسماء هذه الأشهر أسطورة زرادشتية فارسية قديمة يمكن توضيحها على النسق التالي «فروردين معناه الشهر الذي تخضر فيه النباتات، وارديبهشت من اسمك الملاك الموكل على الجبال وتدبير أمور العالم، ورمزية الشهر أن فيه يصبح العالم جنة من السرور، وخرداد هو يمنح الخلق الطعام من قمح وشعر وفاكهة، وتير ترجمته السهم الخشبي الذي له رأس حديد مدبب ورمزية الشهر أنه معناه تقسيم المحاصيل على الخلق، أما شهر مرداد فاسمه من اسم الملاك الموكل بمصالح الناس في الصيف ورمزية الشهر هي اخدم الأرض تعطي الثمار والفاكهة الناضجة، وشهريور تعني دَخْل ورمزيته أنه هو الوقت الذي يتحقق فيه الدخل للملوك، ومهر شهر الرحمة بين الناس واسمه جاء من اسم الملاك الموكل على المحبة، وآبان شهر ارتفاع محصول الماء من المطر واسمه هو اسم الملاك الموكل بأمر ثاني أشهر فصل الخريف، أما آذر فهو اسم النار ورمزيته أن الهواء يصبح باردًا، أما شهر دي فاسمه يعني الشيطان وهو وصف الشتاء لأن البهجة تغيب عن الأرض، بينما شهر بمهن فهو اسم أحد ملائكة المعبد الزردشتي ويرمز للبرودة والقحط، واسفند معناه الفاكهة وهو أحد ملائكة المعبد الزردشتي ورمزيته كثيرة انتشار الفاكهة في الأرض».[6]
[1] ناصر خسرو علوي، سفر نامه، ترجمة: يحيى الخشاب، تصدير: عبدالوهاب عزام، ط/2، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1993م، ص61.
[2] نظام الملك الطوسي، سير الملوك أو سياست نامه، ترجمة: يوسف بكار، ط/1، مطبعة السفير، الأردن، 2012م، ص100.
[3] المرجع السابق، ص101–102.
[4] محمد عبدالعظيم أبو النصر، السلاجقة تاريخهم السياسي والعسكري، ط/1، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، القاهرة، 2001م، ص ص273–275
[5] عباس إقبال، الوزارة في عهد السلاجقة، ترجمة: أحمد كمال حلمي، ط/1، مطبوعات جامعة الكوفة، 1984م، ص53.
[6] مصطفى موسى محمد شرف، الأسطورة في التقويم المزدايي وانعاسكها في الأدب الفارسي، مجلة كلية الآداب جامعة الفيوم، مج13، ع1، يناير 2021م، ص1732–1737.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال