همتك نعدل الكفة
1٬500   مشاهدة  

موسيقار الأجيال (4) ما بين محمد عبدالوهاب وسيد درويش

محمد عبدالوهاب وسيد درويش


أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الرابعة من قصة موسيقار الأجيال والتي سنتناول فيها العلاقة التي جمعت بين محمد عبدالوهاب وسيد درويش ، وهي حلقة أراها محورية في القصة وربما تمثل النقطة الفاصلة بين مرحلة التعلم والاكتساب ومرحلة الشهرة والبزوغ.

اقرأ أيضًا 
حلقات سلسلة فنان الشعب سيد درويش

كنا قد انتهينا في اللقاء السابق حيث الدورالنضالي في حياة محمد عبد الوهاب والذي قام به أثناء ثورة 1919م، وإن كنا قد قفزنا بالأحداث قبلها إلى مرحلة العشرينيات، ولكن كان لزاما أن نتحدث ولو قليلا عن هذا الجانب من حياة الشاب محمد عبدالوهاب.

اقرأ أيضًا 
كيف حدث الخصام بين شادية وعبد الوهاب بسبب البسبوسة لمدة 30 عاماً؟

على أية حال فقد مثلت حقبة العشرينيات مرحلة محورية وفاصلة في ذات الوقت في حياة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، فخلالها استقرت حياة محمد عبدالوهاب نسبيا وبدأ التعلم في نادي الموسيقى الشرقي، وسرعان ما نبغ في ميدانه وصار معروفا بين تلاميذ المعهد معرفة أكسبته هيبة كبيرة على الرغم من صغر سنه، حتى يقال أن بداية تلحين محمد عبد الوهاب لبعض القطع القديمة إنما بدأ منذ ذلك الوقت، ربما ذلك بسبب ما اكتسبه عبد الوهاب حتى قبل انضمامه للمعهد، وذلك بفضل اهتمامه بسماع المطربين والمشايخ الذين عاصروه.

لماذا كان عبدالوهاب يفضل الاستماع أكثر من الغناء في بداية حياته ؟

محمد عبدالوهاب وسيد درويش
يروي أحد كبار السميعة الذين عاصرتهم قبل 10 سنوات تقريبا:
كان محمد عبد الوهاب أكثر المطربين الذين عرفتهم حبا للسماع وليس الغناء فحسب وقد وردني عن أقرانه أنه كان دائم المواظبة على الحضور في جلسات التلاوة والإنشاد والغناء، فليلة يذهب لصوان يتلو فيه الشيخ رفعت القرآن الكريم، وليلة أخرى يكون عند الشيخ علي محمود، وأخرى بين أهل الفن والطرب يستمع للشيخ سيد الصفتي، وأخرى يستمع لسلامة حجازي، وأخرى يستمع فيها لصالح أفندي عبد الحي، فمحمد عبد الوهاب كان سميعا قبل أن يكون مطربا.

والحقيقة أن معظم مطربي ذلك العصر الذهبي إنما كان استماعهم لمشايخ ومطربي عصرهم سببا في اكتشافهم لأنفسهم، ولا أخفيكم سرا، فأنا الآخر كنت محظوظا بتلك التجربة، فما اكتشفت ذاتي ولا دخلت عالم الفن إلا بعد أن بهرني واختطفني من ذاتي صوت الشيخ محمد رفعت والشيخ أبو العينين شعيشع وعبد الحي أفندي حلمي وصالح أفندي عبد الحي وموسيقار الأجيال محمد أفندي عبد الوهاب وغيرهم، ولأكون صادقا فهناك وقائع كثيرة كان القدر فيها رحيما بنا، فمثلا يروى أن صدفة غريبة كادت أن تغير مجرى حياة محمد عبد الوهاب وربما لو سارت الأمور على نحو آخر لما كان محمد عبد الوهاب أصلا، فقد دعى محمود بك شاكر مدير مصلحة المساحة في وزارة المواصلات محمد أفندي عبدالوهاب كي يعمل موظفا في الوزارة براتب سبعة جنيهات شهريا وهو راتب معقول جدا وقتها، فراتب عبد الوهاب الذي خصصه الكسار له كان ستة جنيهات وكادت أمه أن تنهره حين فكر في الرفض نظرا لحاجتهم لذلك المبلغ وقتها، على أية حال فقد نسيت أمه أن توقظه على موعد لقائه بمحمود بك شاكر ففاتته الوظيفة، وهذا من حسن حظنا.

علاقة محمد أفندي عبد الوهاب بفنان الشعب سيد درويش

محمد عبدالوهاب وسيد درويش
محمد عبدالوهاب وسيد درويش

ربما لم تنل صداقة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وسيد درويش من الوقت ما يكفيها نظرا للوفاة المبكرة للشيخ سيد درويش عام 1923م، أي ومحمد عبد الوهاب في مطلع العشرينيات من عمره، إلا أن أنها صداقة أثّرت كثيرا بنفسية وفن محمد عبد الوهاب وهو ما سنعرفه مما رواه عبد الوهاب نفسه عن فن سيد درويش وعن علاقته الشخصية بطبيعة هذا الفن بعيدا عن التعاون المشترك بينهما.

سيد درويش
سيد درويش

ففي عام 1921م، اختار الشيخ سيد درويش محمد أفندي عبد الوهاب ليقوم بدور البطولة بدلا عنه “دور زعلبة” بأوبريت شهرزاد نظرا لمرضه، وكان الأوبريت يقدم على مسرح كازينو دي باري، وبالفعل أدى محمد عبد الوهاب دوره ببراعة أمام مطربة الفرقة حياة صبري، وقتها تفتحت آفاق جديدة لمحمد عبد الوهاب وازدادت خبرته وقدرته من خلال العمل في فرقة سيد درويش.

يحكي محمد عبدالوهاب عن مشاعره حين استمع إلى أنشودة أنا المصري كريم العنصرين، من مسرحية شهرزاد، وعما فعله النشيد به وكيف أحدث في نفسه أثرا كبيرا فيقول: استمعت للنشيد فأحدث في نفسي انقلابا وأخذت أجري بلا وعي من مسرح برنتانيا في شارع ألفي حتى ميدان باب الحديد، جريت من نفسي بلا وعي لأهرب من نفسي، لأخرج من جلدي، واكتشفت أن الفنان الذي فيه بذرة التطور، يمكنه أن يخلق من القديم جديدا، واكتشفت الفارق بين الفن الذي أدرسه في المعهد والضوء الجديد الذي أتى به الشيخ سيد درويش.

محمد عبدالوهاب وسيد درويش

في ثنائية محمد عبدالوهاب وسيد درويش فالمؤكد أنه لا شك أن تعبير موسيقار الأجيال عن فن فنان الشعب وشهادته تلك جديرة بالاهتمام على المستوى الفني، لاسيما وأن تطلع محمد عبد الوهاب فيما بعد إنما اثبت تشابه فكرهما في إحداث الجديد في عالم الموسيقى الشرقية، فإذا كان الشيخ سيد درويش قد قلب موازين الغناء والطرب الشرقي وحتى في مجال المسرح الغنائي، فإن محمد عبد الوهاب قد قلب أيضا موازين الأغنية في مصر وأدخل الجديد على معظم قوالبها الغنائية سواء في التلحين أو في شكل القالب ذاته، فمثلا محمد عبد الوهاب كان أول من لحن الموال، في حين أنه قالب ارتجالي، يقول كبار الموسيقيين عن ذلك، كيف لمطرب أن يلحن ليالي الموال لنستمع إليا بهذا الرونق وهذا التنظيم، ليس ذلك فحسب فمحمد عبد الوهاب غير ملامح الطقطوقة والمونولوج والنشيد والأوبريت وكل على حسب طبيعته.

إقرأ أيضا
عيد العمال

اقرأ أيضًا 
فنان الشعب مسيرة قصيرة وأعمال خالدة (11) موت سيد درويش لماذا لم يُحَل لُغْزَه ؟

نعود لنستكمل الحديث عن علاقة محمد عبدالوهاب وسيد درويش فبعد أن اختار الأخير محمد عبد الوهاب ليحل محله في دور زعبلة، نشأت بينهما صداقة لم ينهها سوى موت سيد درويش في سبتمبر 1923م، والواقع أن ما ورد عن تلك الفترة من حياة محمد عبد الوهاب وعلاقته بسيد درويش خلالها يعتبر نادرا إذا ما قارننا ذلك بما ورد عن علاقات الشيخ سيد درويش بكبار الكتاب والموسيقيين الذين عاصروه، ولكن ربما يرجع ذلك لقصر فترة صداقتهما.

ومن المأثورات الصحفية التي على هذه الشاكلة، ما جاء في صحيفة روز اليوسف، فقد جاء فيها في الذكرى الثالثة عشر لوفاة الشيخ سيد درويش «كان الشيخ سيد درويش يعتز بمحمد أفندي عبد الوهاب، ويعجب بنباهة الشاب الصغير عبد الوهاب، ودائما ما كان يقول في كل مجلس أن هذا الشاب الصغير سيكون له مستقبل خطير فيعالم الموسيقى” وكانت نظرة سيد درويش ثاقبة في هذا الصدد، فهذا ما تحقق بالفعل”،إن سيد درويش لما مرض أثناء تمثيل رواية شهرزاد وأثناء تمثيل رواية العشرة الطيبة، لم يجد أمامه إلا ذلك الشاب صغير السن نحيل الجسم ليقوم مقامه في أدوراه التي تتطلب شخص جبار كبير، ووفق محمد عبد الوهاب الصغير توفيقا جعل الشيخ سيد درويش لا يفارقه لحظة، وطالما لقنه الكثير من الموشحات، ولطالما كان يبتسم حين يرى خليفته قادما إليه ومقبلا عليه كما يقبل الابن البار على أبيه السمح الكريم».

كان محمد عبد الوهاب قد سافر في العام 1922م، إلى بلاد الشام برفقة فرقة الريحاني التي كانت تعرض ثلاث مسرحيات للشيخ سيد درويش هي (ولو، ورن، وفشر) إلا أن رحلته تلك لم تحقق له النجاح المأمول، فعاد إلى مصر، وفي عام 1924م عين مدرسا للأناشيد بمدرسة الخازندار على نحو ما ذكرنا من قبل، ليلتقي بعدها محمد عبد الوهاب بأبيه الروحي الجديد أحمد شوقي بك، وهي مرحلة مهمة جدا في حياة محمد عبد الوهاب سنفرد لها حلقة خاصة.

إلى هنا أعزائي القراء نصل إلى نهاية الحلقة الرابعة من قصة موسيقار الأجيال محمد أفندي عبد الوهاب، على أن نكمل الحديث إن شاء الله في الحلقات القادمة
دمتم في سعادة وسرور..

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
5
أحزنني
1
أعجبني
4
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان