همتك نعدل الكفة
305   مشاهدة  

بين نقرات عوده الفريدة وكرم قصعته التي حملت التجديد لدنيا الفن.. سيرة الموسيقار الكبير المرحوم محمد القصبجي

محمد القصبجي


أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الثانية من سيرة الموسيقار الكبير محمد علي القصبجي، وكنا قد خصصنا الحلقة السابقة للحديث بشكل عام عن المرحوم محمد القصبجي كمقدمة لسيرة هذا الرجل الفذ، واليوم نتكلم عن مولده ونشأته الفنية.

الحلقة الثانية

الموسيقار محمد علي القصبجي.. المولد والنشأة الفنية:

بين أسوار الكتاب وحارة قلعة الكلاب وشارع محمد علي:

في الخامس عشر من شهر أبريل من العام 1892م ولد الموسيقار الكبير محمد علي القصبجي بمدينة القاهرة، أي بعد مولد فنان الشعب المرحوم الشيخ سيد درويش بتسعة وعشرين يوما فقط، لذلك كثيرا ما يقترن ذكر القصبجي بذكر فنان الشعب سيد درويش، بل يذهب البعض إلى أن ميلاد الكبيرين إنما كان منحة إلهية قبل انقضاء القرن التاسع عشر بثماني سنوات، وكأن القدر قد اختار للقصبجي وسيد درويش المهمة التي قاما بها على أكمل وجه، والتي تجسدت في الحفاظ على تراكمات المدرسة التقليدية في الموسيقى في القرن التاسع عشر، واستنباط ملامح جديدة وتطوير أكثر حداثة لإقامة بنيان الموسيقى العربية في القرن العشرين بالصورة التي ازدهرت عليا الموسيقى فيما وصلنا من تسجيلات لأساطين الغناء.

كان الشيخ علي القصبجي والد الموسيقار محمد القصبجي قارئا للقرآن الكريم ومنشدا وملحنا وعوادا ماهرا في الوقت ذاته ولعل نشأة المرحوم محمد القصبجي في بيت ربه علي القصبجي هي ما جعلته شغوفا بالفن بهذه الطريقة التي أوصلته إلى ما وصل إليه فيما بعد، كان الشيخ على القصبجي مطربا مشهورا ومحبوبا من جميع موسيقيّ عصره وفي الوقت نفسه كان ملحنا بارعا، لحن الأدوار والموشحات ثم الطقاطيق، وقد غنى من ألحانه فطاحل المطربين في القرن التاسع عشر كالمرحوم عبده الحامولي والمرحوم الشيخ يوسف خفاجي المنيلاوي والمرحوم الشيخ سيد الصفتي والمرحوم صالح عبد الحي والمرحوم زكي أفندي مراد والد المطربة ليلى مراد.

رسمت نشأة المرحوم محمد القصبجي في بيت موسيقي كهذا طريقه إلى الفن فأحبه حبا شديدا وتعلق به، وفي الوقت نفسه ظل محافظا على تلقيه للعلم وحفظ القرآن الكريم، ثم التحق فيما بعد بالأزهر الشريف فتعلم اللغة العربية ودرس العلوم الشرعية كالفقه وأصول الفقه والعقيدة وغيرها.

 

إقرأ أيضًا..أبوها راضي وأنا راضي .. قصة المثل الذي ليس له صلة بالمحاكم

كانت رغبة المرحوم الشيخ علي القصبجي أن يكون المرحوم محمد القصبجي رجل دين ومعلما للغة العربية والقرآن الكريم، إلا أن محمد القصبجي كان له رأي آخر، فشغفه بالفن وحبه للموسيقى كان يجذبه دوما لطريق الفن ويبعده عن حيز الوظيفة المتمثلة في التدريس.

حصل المرحوم محمد علي القصبجي في شبابه على شهادة المعلمين الأولية التي رشحته فيما بعد للتدريس في المدارس الأولية الصغيرة ولكنه بسبب حبه للموسيقى والفن تعمد إسقاط نفسه في الكشف الطبي الخاص بالنظر، فعندما اختبروه في علامات الرؤية ادعى أنه لا يرى العلامات المرسومة أمام عينيه، وكل ذلك خشية أن يشغله التدريس للأطفال عن التلحين والغناء، إلا أن الشيخ علي القصبجي قد فهم الخديعة فأجبره على العودة إلى الكشف الطبي والنجاح فيه، بل وأجبره كذلك على العمل عريفا في مكتب صغير بمنطقة بولاق الدكرور بمرتب شهري قدره جنيهان فقط لا غير.

كانت وظيفة العريف في المكتب أو الكتاب تضطر المرحوم محمد القصبجي إلى لبس الزي الأزهري في النهار وهو الجبة والعمامة وبعد انتهاء اليوم الدراسي كان محمد القصبجي يخلع الزي الأزهري ويرتدي البدلة الأفرنجية وينطلق إلى المسارح في عماد الدين ومنطقة روض الفرج وشارع محمد علي، وفي هذا الصدد أذكر مقولة المؤرخ الموسيقي الكبير المرحوم كمال النجمي ففي كتابه “تراث الغناء العربي، بين الموصلي وزرياب، وأم كلثوم وعبد الوهاب”، مشيرا إلى مسألة خلع محمد القصبجي للزي الأزهري وارتداءه للبدلة الأفرنجية:

خلع المرحوم الشيخ محمد القصبجي “مع ملاحظة وصف القصبجي بالشيخ” عمامته وجبته ولبس البدلة الأفرنجية رمزا للتجديد في فن الغناء، وفي هذا الميدان كان في مقدمة المجددين، ويعتبر مونولوج إن كنت اسامح وانسى الأسية الذي لحنه لأم كلثوم سنة 1928م، أعلى صيحة للتجديد الغنائي في ذلك العهد.

إقرأ أيضًا…هل اشترى محمد الفاتح كنيسة آيا صوفيا وحولها إلى مسجد

بمرور الوقت والأب يتابع ولده ويومياته التي تبدأ كمدرس بالكتاب وتنتهي بليالي الفن والغناء، يئس الشيخ على القصبجي من صلاح حال ولده محمد من وجهة نظره فتركه وشأنه يصارع الحياة ويختار مصيره، فسمح له بالاستقالة من مكتب الأطفال، وبدأ محمد القصبجي يتفرغ للفن واستأجر مسكنا صغيرا في حارة قلعة الكلاب المتفرعة من شارع محمد علي، ومعروف أن تلك المنطقة كانت من أفقر حارات ذلك الشارع المشهور الذي كانت تسكنه عوالم القاهرة الكبيرات منهن والصغيرات منذ أن أنشأه الخديوي إسماعيل في القرن التاسع عشر.

 

إقرأ أيضا
بليغ حمدي

البداية الفنية للمرحوم محمد علي القصبجي:

كانت البداية الفنية في حياة المرحوم محمد علي القصبجي سنة 1912م بشارع محمد علي بالقاهرة، وكان عمله في ذلك الوقت مقتصرا على عزفه على آلة العود في الليالي والأفراح كأحد أفراد التخت الذي تطلبه العوالم، وكما يقول المؤرخ الموسيقي الكبير كمال النجمي، كانت عوالم شارع محمد علي أكثر مغنيات ذلك العصر عملا ورزقا، وكن زينة الأعراس والحفلات الشعبية، فالعالمة كانت تغني وترقص؛ لأن الرقص والغناء كانا متلازمين في ذلك العصر كتلازمهما في العصر الذي تبع ذلك ووصف بالهبوط بالفن ثمانين عاما للوراء على حد تعبيره.

كانت المطربة منيرة المهدية كبيرة المطربات آنذاك تخلط الرقص بالغناء في أول عهدها حين كانت تعمل بحي الأزبكية، ولكنها حين انتقلت إلى مرحلة المسرح الغنائي اكتفت بالغناء فقط، وقد حاول المرحوم محمد القصبجي أن يتصل بمنيرة المهدية وغيرها من المطربات المعروفات أمثال توحيدة وسيدة الاسكندرانية وعزيزة الفار وغيرهن، إلا أنه مع الأسف قد فشل في الوصول إليهن وظل كما هو عازفا على العود فقط وراء عوالم شارع محمد علي.

كغيره من كبار الموسيقيين الذي خلدهم تاريخ الموسيقى في مصر، تخبط القصبجي في أوائل مشواره وعانى الفقر والوحدة، ظل مثابرا باحثا عن شغفه وحبه حتى استطاع أن يصل بمجهوده إلى مبتغاه، حتى وإن كان قد ظلم حسب معايير الشهرة، إلا أن أهل الموسيقى والطرب يعرفونه جيدا، يعرفون القصبجي الذي رسم لنفسه طريقا فريدا لم يشبه فيه غيره، يعرفون القصبجي الذي علم أم كلثوم وعبد الوهاب والسنباطي وليلى مراد وأسمهان، يعرفون القصبجي بنقرات عوده وطعم الحانه.

لقد كتب محمد علي القصبجي اسمه بحروف من ذهب في قائمة الموسيقيين العرب الذين لم تنجب بلادنا مثلهم منذ أكثر من نصف قرن، وشهدت على ذلك أعماله التي استحوزت على قلوب جماهير المغنى في مصر.

وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة، على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان